سياج إضافي بين إسرائيل والأردن: تكريس حدود سياسية جديدة؟

سياج إضافي بين إسرائيل والأردن: تكريس حدود سياسية جديدة؟

21 يوليو 2016
يبرر نتنياهو الأسيّجة بحماية أمن إسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

يملك رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، إيهود باراك، كامل حقوق الملكية على تعبيره الذي وصف فيه إسرائيل أنها "فيلا في وسط الغابة"، إلا أن رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، هو من يترجم هذا التعبير إلى ركيزة في سياساته الاستيطانية والاحتلالية الرامية إلى القضاء نهائياً على مشروع ومقترحات تسوية سلمية تقوم على حل الدولتين. ويعمل نتنياهو على تعزيز الدفاعات والتحصينات الإسرائيلية على الحدود مع كافة دول الطوق العربي، وسط ابتلاع ما تم احتلاله من هضبة الجولان ومزارع شبعا، عبر تشييد جدران فاصلة وسياجات معدنية مع شبكات إنذار على امتداد هذه الحدود.

وفي هذا السياق، جاء الكشف، أمس الأربعاء، عن موافقة وزارة الأمن الإسرائيلية على مخطط لإقامة سياج حدودي إضافي مع الأردن، جنوب الحمة السورية بحجة حماية أمن إسرائيل في المثلث الحدودي الأردني السوري الإسرائيلي، أي في أقصى الحدود الشمالية الشرقية لإسرائيل. وكانت إسرائيل أقامت في العام 2013 سياجاً حدودياً مشابهاً يمتد من الحمة السورية شرقاً ولغاية جبل الشيخ، وهو مكون من ألواح معدنية ترتفع لغاية 5 أمتار، وفوقها سياج شائك، وذلك على امتداد 90 كيلومتراً.

وتبع ذلك، مع توطد التنسيق الإسرائيلي الروسي في سورية، إطلاق تصريحات من كبار المسؤولين الإسرائيلين، بدءاً بالرئيس الإسرائيلي، رؤبين ريفلين، الذي كان أول مسؤول إسرائيلي التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد إعلان الأخير سحب جزء من قواته من سورية وإعادة نشرها، ومفاد هذه التصريحات، أن الحدود الإسرائيلية المستقبلية مع سورية يجب أن تشمل داخلها هضبة الجولان المحتلة وعدم إعادتها في المفاوضات مع سورية. وهي تصريحات، كررها لاحقاً في أكثر من مناسبة، نتنياهو. ويثير هذا الأمر تساؤلات حول الغاية الحقيقية من السياج الحدودي "الأمني" الذي أقامته إسرائيل، لجهة كونه مخططاً أولياً يضمن فرض حقائق، أو حدود سياسية جديدة تعمل إسرائيل على تكريسها.



ويتوافق هذا التوجه مع الخطة الجديدة لإقامة سياج حدودي عند مثلث الحدود الأردنية السورية، جنوبي الحمة السورية، مع بناء أبراج مراقبة إسرائيلية ونصب شبكات إنذار، ولاسيما أن إسرائيل بدأت ولأول مرة، تتحدث، من أفواه مسؤولي الأجهزة الأمنية، عن توطيد تنظيمات جهادية، سواء كانت موالية لتنظيم "داعش" أو تحمل فكره، أقدامها داخل الأردن، وأنها تشكل بالتالي خطراً على أمن إسرائيل، يداهمها من الأردن ولو من المثلث الحدودي مع سورية.
ولا يمكن عزل هذا المقطع الجديد من السياج الحدودي مع الأردن، في نقطة التقاء الحدود الأردنية السورية، عن مقطع سابق من السياج الحدودي كانت إسرائيل أطلقت بناءه، في العام الماضي، عند نقطة التقاء الحدود الأردنية مع مصر وإسرائيل في الجنوب. وكان نتنياهو قد أعلن، خلال جولة له، على امتداد مسار السياج، في فبراير/شباط من العام الحالي، أنه سياج ضروري لحماية أمن إسرائيل "من وحوش البرية"، ما يعيد إلى الأذهان تعبير إيهود باراك عن "الفيلا وسط الغابة". ويهدف السياج الجنوبي المذكور إلى تأمين حماية الحدود الإسرائيلية مع كل من سيناء المصرية والأردن، ولاسيما تأمين المطار الدولي الذي تقيمه إسرائيل في الجنوب شمالي مدينة إيلات، في المنطقة المعروفة بمناجم تمناع. ويصل طول المقطع الجنوبي إلى 30 كيلومتراً، أوضح نتنياهو أن مميزاته الأساسية هي في عدم وجود مبانٍ محاذية له، خلافاً للوضع القائم في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، مما يوجب الأخذ بالاعتبار احتمالات حفر أنفاق وآبار على مقربة من السياج أو الجدار الفاصل (في الضفة والقطاع)، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية.
أما في المناطق المفتوحة، فلم ينفِ نتنياهو في الجولة المذكورة أن الهدف الأخير، في هذا السياق، هو إحاطة إسرائيل بسياج أمن، لحماية "الفيلا"، مضيفاً "هل نبني سياجاً وعراقيل على امتداد الحدود؟ الجواب هو نعم. ففي المحيط الذي نعيش فيه علينا أن ندافع عن أنفسنا من الحيوانات المفترسة"، وفق ما نقل في حينه موقع "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلي.
وبحسب تصريحات نتنياهو السابقة يتبين أن المقطع الجديد من السياج الحدودي عند المثلث الحدودي مع سورية والأردن، هو جزء من مخطط إسرائيلي لإحاطة إسرائيل بالجدران الفاصلة والسياج، إضافة إلى وضع خطط لإغلاق كل الثغرات القائمة في الجدار الفاصل بين إسرائيل والضفة الغربية المحتلة المعروف بجدار الفصل العنصري. ووفقاً لصحيفة "هآرتس"، فإن هذه المخططات لإحاطة إسرائيل بالجدران والأسيجة الحدودية ستكلف خزينة الاحتلال أكثر من ثلاثة مليارات شيقل، أي نحو مليار دولار تقريباً. وتقضي الخطة ببنائها بشكل تدريجي وليس دفعة واحدة.

وعلى الرغم من أن سياسة إحاطة إسرائيل بالسياج الأمني على امتداد الحدود مع الأردن، بدأ العمل بها وبناؤها في عهد نتنياهو (خلافاً للسياج الأمني مع سيناء، الذي جاء بالأساس لوقف تدفق اللاجئين الأفارقة إلى إسرائيل عبر صحراء سيناء، وقبل بدء نشاط "داعش" في شبه جزيرة سيناء) إلا أن جذورها تعود إلى العام 2007. يومها وضع قسم التخطيط في جيش الاحتلال تصوره لسبل تأمين غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية فيه، في ظل أي تسويات مع الجانب الفلسطيني (في أوج المفاوضات بين حكومة إيهود أولمرت والسلطة الفلسطينية). وحدد الجيش الإسرائيلي آنذاك، وجوب بقاء غور الأردن تحت سيطرته، وهو ما أفشل في نهاية المطاف مقترحات الجنرال الأميركي، جيمس جونز، لترتيبات أمنية تبقي قوات جيش الاحتلال بين الضفة ونهر الأردن على أن يتم استبدالها بعد 3-5 سنوات بقوات دولية، وهو المقترح الذي رفضه نتنياهو، وكان من بين أسباب فشل مبادرة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بين عامي 2013 و2014 ورفض إسرائيل لمقترحات جديدة للترتيبات الأمنية، قدمها الجنرال الأميركي جون الآن.
ودفع الرفض الإسرائيلي للمقترحات الأميركية، وما تبع ذلك من فشل مبادرة كيري ووقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بحكومة نتنياهو إلى فرض رؤيتها على أرض الواقع، متسلحة بتقارير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية التي ميزت عامي 2013 و2014 وركزت على تنامي خطر التنظيمات الجهادية و"داعش" الآتي من كل من سورية والأردن، ولاحقاً من سيناء.
وقد انطلقت حكومة الاحتلال في بناء الجدران الإسمنتية والسياج الحدودي المعدني المزود بالأسلاك الشائكة وأجهزة ومحطات الإنذار على كافة حدودها مع الدول العربية. وزادت على ذلك في قطاع غزة، بعد العدوان الأخير، ببناء جدار فاصل يبدأ من باطن الأرض لإفشال عمليات حفر أنفاق هجومية من غزة تنتهي داخل الحدود الإسرائيلية على مشارف المستوطنات الحدودية مع القطاع.
أما على الحدود مع لبنان، وكجزء من "العبر المستخلصة" من عدوان تموز 2006، وما تحدثت عنه التقديرات الإسرائيلية بشأن سيناريوهات المواجهة المقبلة مع حزب الله، والتي قد تشمل محاولات شنّ هجمات برية، فقد بدأ الاحتلال، منذ أشهر عدة، بأعمال حفر وبناء لتغيير المبنى الطبوغرافي للشريط الحدودي مع لبنان، بما في ذلك قطع الأشجار وتجريف السفوح الحدودية ووضع عراقيل صخرية تحول دون تمكن حزب الله من شن هجمات برية مستعيناً بمركبات عسكرية، من جهة، وإزالة "الجزر الحرجية" وخلق "مدى" خالٍ من الأشجار والشجيرات التي يمكن لعناصر عسكرية الاختباء خلفها من جهة ثانية.

المساهمون