هكذا "انقلب" قضاة مصر على تسييس ناديهم ضد الزند

هكذا "انقلب" قضاة مصر على تسييس ناديهم ضد الزند

20 يوليو 2016
وزير العدل السابق أحمد الزند يخسر نفوذه(كريس بورونكل/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت انتخابات نادي قضاة مصر، التي جرت يوم الجمعة الماضي، عن تغير حاد في أداء واتجاهات قضاة المحاكم العادية والنيابات، إلى درجة أنه من الممكن وصف ما حصل باﻻنقلاب على التيار السياسي داخل النادي، والذي كان يقوده رئيسه اﻷسبق، وزير العدل السابق، أحمد الزند. ويمكن القول إن الأمر يتعلق بحراك قضائي جديد، شبابي، يصب في مصلحة تشكيل تيار جديد وسطي، بين الجناحين التقليديين، اللذين تصارعا على قيادة النادي من منطلقات سياسية على مدار العقدين الماضيين.


عبرت نتيجة المنافسة على مقعد رئيس النادي، اﻷكثر أهمية وزخماً، عن هذا اﻻتجاه الجديد بوضوح، من خلال فوز المستشار محمد عبد المحسن منصور برئاسة النادي بـ1793 صوتاً، مقابل 1573 صوتاً لمساعد وزير العدل الحالي، المستشار محمود الشريف، المعروف بعلاقته القوية بالسلطة التنفيذية، ثم 1242 صوتاً للمستشار أحمد نادر المقرب من الزند، والذي كان يعده اﻷخير خليفة شرعية له. وأبرز نتائج انتخابات نادي قضاة مصر في هذا الشأن، تتمثل في نهاية دور رئيس النادي السابق بالوكالة، المستشار عبدالله فتحي، الذي اهتزت صورته وعلاقاته كثيراً حين أطلق مواقف نقدية لاذعة ضد السلطة الحاكمة ثم عاد وتراجع عنها. يتعلق الأمر بمعارضته للسلطة فور إقالة الزند، ثم التراجع عن جميع تهديداته فور تلقيه تحذيرات، عبر وسطاء، من مغبة التمادي في مساندته للزند.

وكان واضحاً قبل الانتخابات داخل الوسط القضائي أن هناك رغبة حكومية عارمة في إبعاد الزند والمقربين منه عن المشهد تماماً. برز ذلك تحديداً منذ زيارة مدير مكتب رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، اللواء عباس كامل، إلى مقر مجلس القضاء اﻷعلى، وإطلاق رئيس محكمة النقض السابق، أحمد جمال الدين عبداللطيف، لتوجيهات تقضي بعدم السماح بظهور الزند مجدداً، خوفاً من أن تتأثر شعبية السيسي بالسمعة السيئة للزند. هذه العوامل أدت إلى إلغاء حفل تكريم الزند الذي كان مقرراً إجراؤه في النادي النهري للقضاة. وأدت أيضاً إلى التعجيل بتحديد موعد ﻻنتخابات النادي، وهي التفاصيل التي نشرتها "العربي الجديد" في 3 يونيو/حزيران الماضي. واعتبر الزند إلغاء الحفل، الذي كان مقرراً في 23 مايو/أيار الماضي، إهانة شخصية له، لا سيما بعد معاملته بجفاء من قبل الدوائر الحكومية، إبان معاناته من وعكة صحية أبقته في أحد المستشفيات الكبرى بالقاهرة الجديدة، بين شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار.

والجدير ذكره أن عباس كامل أكد لمجلس القضاء، خلال تلك الزيارة، أن "هناك رغبة في إعادة هيكلة مجلس إدارة نادي القضاة"، ﻷن الوضع السابق كان يضمن تحكم الزند تماماً في النادي، على الرغم من عدم شغله منصباً رسمياً فيه. وأصدرت محكمة النقض حكماً ببطلان النظام الانتخابي الذي وضعه الزند ومجلس إدارته لانتخاب مجلس الإدارة الجديد، فأصبح لزاماً على مجلس الإدارة البدء من جديد في إجراءات الانتخابات، وهذه المرة من دون الزند الذي لم يعد صالحاً للترشح لأي منصب بسبب بلوغه سن التقاعد نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي.

وفور اطلاع الزند على تفاصيل تعليمات عباس كامل ودائرته الاستخباراتية الرقابية لمجلس القضاء اﻷعلى ووزير العدل الحالي، حسام عبدالرحيم، بإلغاء ندب القضاة المقربين منه في وزارة العدل، وإبعاد الشخصيات البارزة التي كانت معروفة بعلاقتها الوطيدة به، والدفع بالقضاة المعروفين بعلاقتهم المتوترة معه إلى مواقع المسؤولية، أصدر الزند تعليمات معاكسة لمساعده السابق، أحمد نادر، ونجله شريف، بتشكيل قائمة قوية لخوض اﻻنتخابات لضمان استمرار استحواذه وتحكمه في النادي.

وﻻ يعتبر الزند، الذي منحه مجلس إدارة النادي السابق لقب الرئيس الشرفي له، أن سيطرته على النادي مجرد تثبيت لشعبيته بين القضاة، ﻷن النادي بالنسبة له أكثر من نشاط اجتماعي ومشاريع إسكان وخدمات. فهو يعتبره نقطة انطلاق سياسية استطاع من خلالها تحقيق جزء من طموحه السابق بالتحكم في وزارة العدل، عن بعد، ثم استغلالها في توسيع علاقاته في مجالات اﻹعلام واﻻستثمار وتوثيق الصلات مع جهاز الشرطة، وعلى اﻷخص بقطاعي أمن الدولة واﻷمن العام، للتحكم في التعيينات القضائية وتصفية حساباته، وخدمة المقربين منه في مختلف اﻷجهزة الحكومية.


واختار الزند مساعده المقرب، أحمد نادر، لرئاسة قائمته، على الرغم من أن نادر نفسه كان مشرفاً على اﻻنتخابات الماضية التي كانت مقررة العام الماضي، لكن الزند كان قد حثه على اتخاذ قرار بتأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى، إلى حين الفصل في الطعون المقدّمة من بعض المرشحين المستبعدين على نظام الانتخاب الجديد الذي وضعه الزند.

وفي ظل الوضع الجديد الذي ترتب على زيارة عباس كامل لمجلس القضاء اﻷعلى، ومعرفة كبار القضاة بأن الزند لم يعد مرغوباً من السلطة الحاكمة، حاول اﻷخير استهلاك الوقت باﻷلاعيب القانونية. وأقدم أحد المقربين منه على إقامة دعوى لتأجيل اﻻنتخابات، وانتظار حركة ترقيات القضاة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حتى تكون مقاعد مجلس إدارة النادي، المقسمة حسب الدرجات القضائية، معبرة فعلياً عن الواقع الجديد بعد حركة الترقيات. إﻻ أن ضغوطاً شديدة مارسها مقربون من مجلس القضاء اﻷعلى نجحت في إقناعه بالتنازل عن هذه الدعوى.

وبحسب مصادر قضائية مطلعة، اتفق أعضاء مجلس القضاء اﻷعلى على عدم دعم مرشح معين لرئاسة النادي أو قائمة بعينها، إﻻ أن تعبير المجلس ضمنياً من خلال قراراته المتتابعة عن عدم دعمه ﻻستمرار تحكم تيار الزند في النادي، شكّل المسمار الأكبر في نعش هذا التيار.
وحاول الزند التغلب على ذلك بعقد صفقة ثلاثية لتوحيد المرشحين، أحمد نادر، وعبدالله فتحي، ومحمود الشريف، في قائمة واحدة. إلا أن الطموح الشخصي للشريف، المدعوم من وزير العدل الحالي بشخصه، وعداء الشريف مع فتحي، هما عاملان ساهما بتفتيت اﻷصوات بين الثلاثة الخارجين من عباءة الزند.

لكن التفتيت لم يكن على خلفية سياسية هذه المرة. بل أدى التنافس الثلاثي إلى تحييد عامل القرب أو البعد عن الزند تماماً. وأصبحت العلاقات الشخصية هي العامل الوحيد الحاسم في المعركة.

وبالتوازي مع فشل الزند في الحفاظ على وحدة تياره والسيطرة غير المباشرة على النادي، ظهر اتجاه جديد في أوساط شباب القضاة ورؤساء ووكلاء النيابة العامة، وهم اﻷصغر سناً في الجمعية العمومية للنادي. هذا الاتجاه يدعو للخروج بالنادي من مجال المنافسة السياسية بين تيار الزند، الذي تحول من مواﻻة السلطة لمحاولة التحكم بها، وبين تيار اﻻستقلال القضائي الذي تراجع تأثيره بسبب اﻷحداث المتتالية منذ اﻹطاحة بحكم جماعة اﻹخوان المسلمين منتصف 2013؛ في تلك الفترة، تم عزل معظم قضاته على خلفية مشاركة بعضهم في اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وتمت ملاحقة العشرات منهم تأديبياً، بسبب اتهام أجهزة اﻷمن لهم باﻻنتماء للتيار اﻹسلامي، لمجرد توليهم مناصب تنفيذية في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي.

وتقول عدة مصادر شاركت في الجمعية العمومية اﻷخيرة، رفضت كشف هويتها بسبب وجود قرارات من مجلس القضاء اﻷعلى تمنع الحديث للإعلام، إن الشباب وجدوا أن المستشار محمد عبدالمحسن منصور هو المرشح اﻷجدر لفتح صفحة جديدة للنادي بعيداً عن الاستقطاب السياسي.

في هذا الإطار، يعتبر مسار عبدالمحسن منصور، الذي يشغل درجة نائب رئيس محكمة النقض، مثالياً لتحقيق هذا الأمر. فهو معروف بأعماله الخدمية وله علاقات جيدة مع معظم القضاة غير المنتمين لتيار الزند، بما في ذلك قضاة تيار اﻻستقلال، المتوارين حالياً أو المعزولين. وفي الوقت نفسه، لم يكن محسوباً كعضو بتيار اﻻستقلال على الرغم من أنه كان عضواً بمجلس إدارة النادي اﻷسبق في عهد القاضي المعزول، زكريا عبدالعزيز. واستطاع عبدالمحسن منصور رسم صورة وسطية لنفسه في أذهان القضاة. فبفضل درجته الوظيفية بمحكمة النقض، يتمتع بعلاقة جيدة مع أعضاء مجلس القضاء اﻷعلى، الذي يضم رئيس محكمة النقض وأقدم نائبيه. ومن خلال علاقاته اﻻجتماعية كان معروفاً بمعارضته، الهادئة ودون خروج عن القواعد المحافظة داخل السلطة القضائية، لقرارات التحقيق والمساءلة لقضاة تيار الاستقلال.

وساهمت هذه التركيبة (الوسطية الخدمية) في رفع رصيد عبد المحسن منصور خلال جوﻻت التحضير للانتخابات. وزاد عليها بإعلان قائمته التي أطلق عليها لقب "شباب القضاة". وقد تعمد اختيار قضاة صغار في السن بالنسبة لكل درجة قضائية يجرى عليها الانتخاب، الأمر الذي أدى إلى حصول هذه القائمة على معظم أصوات القضاة الشباب.

لكن عدم نجاح قائمة عبدالمحسن منصور بالكامل، على الرغم من نجاح أغلبية مرشحيها، مقابل فوز اثنين من مجلس الزند السابق، يطرح تحدياً لا يمكن التقليل من شأنه. فذلك يشكل أكبر عقبة تواجه الرئيس الجديد لنادي القضاة في جهوده المرتقبة لاستعادة الدور الرئيسي للنادي في خدمة جميع القضاة ورعاية مصالحهم دون تمييز على أساس الاتجاه السياسي.

صحيح أن هذه النتائج تبدو مرضية للسلطة الحاكمة على المدى القصير بسبب إبعادها الزند وأذرعه القوية، إلا أنها قد تتيح، في المستقبل، عودة تيار اﻻستقلال مجتمعاً أو شخصياته منفردة إلى الواجهة، من خلال نشاطهم اﻻجتماعي أو الخدمي، بحسب مصادر قضائية مطلعة.