السوريون والانقلاب التركي: رعب التهجير واستعادة الكابوس المصري

السوريون والانقلاب التركي: رعب التهجير واستعادة الكابوس المصري

17 يوليو 2016
يعتبر معظم السوريين تركيا ملاذهم الأخير (أليف أوزتورك/ الأناضول)
+ الخط -
مرّت الساعات الفاصلة بين إعلان ضباط في الجيش التركي انقلابهم على الحكومة المنتخبة وبين ظهور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطار أتاتورك في إسطنبول، معلناً فشل الانقلاب، على أكثر من مليونين ونصف مليون سوري مقيمين في تركيا، مثل الكابوس، ووضعتهم أمام احتمالات مصيرية أقلها عودة التهجير إلى المناطق الساخنة في سورية، إن نجح الانقلاب. ولم يقل تفاعل السوريين في الداخل السوري مع أنباء الانقلاب عن الذين يعيشون في تركيا. فالقسم الأكبر منهم كانت تنتابهم مشاعر الخوف على أقربائهم الذين يعيشون في تركيا فيما احتفل الموالون للنظام السوري بأخبار الانقلاب، باعتباره نصراً عظيماً لا يقل أهمية عن استعادة هضبة الجولان المحتلة، وتعاطوا معه وكأن من قام به هو النظام السوري.

وتلقى السوريون المقيمون في تركيا نبأ الانقلاب بذهول وترقّب، وبدأوا يتابعون تطوراته التي بدت للوهلة الأولى كما لو أن الانقلابيين فرضوا سيطرتهم على مقاليد الحكم في البلاد التي استضافت أكبر عدد منهم على مدى أكثر من خمس سنوات، هي عمر الثورة السورية، فوقعوا في حيرة؛ من ناحية، هم ضيوف والحدث لا يخصهم على الرغم من أثره البالغ عليهم، وبالتالي ليس من مصلحتهم القيام بأي رد فعل تجاه ما يحصل بسبب خشيتهم على مصيرهم في تركيا في حال نجاح الانقلاب العسكري، وتمّ تجييش الشارع ضدهم، مستحضرين تجربتهم المريرة في مصر منتصف عام 2013. وأدت السياسات التعسفية التي انتهجها الانقلابيون تجاه السوريين إلى خروج عدد كبير منهم من مصر بعد رفع غطاء الدولة عنهم، ما أدى إلى اعتداءات ممنهجة ضدهم رعتها "جهات سيادية" لدفعهم إلى مغادرة البلاد.

ومن ناحية أخرى، بدأت تتوجه إليهم دعوات من بعض أنصار حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، للنزول إلى الشارع للمساعدة في إفشال الانقلاب، قابلها دعوات من آخرين لالتزام البيوت في انتظار نتائج ما يحصل، وكان خيار الغالبية العظمى من السوريين؛ إما المكوث في المنازل وإما الذهاب للمساجد للمشاركة في الصلوات، تنديداً بالانقلاب وتعبيراً عن انتصار الشرعية.

أمام هذه المعادلة الصعبة، اكتفى معظم السوريين في تركيا بمتابعة أدق تفاصيل الانقلاب وما يجري في المدن التركية التي يقيمون فيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف. وبدا واضحاً حرص معظم السوريين على عدم التدخل في بلاد ليست بلادهم، وإن كانت عواطف غالبيتهم مع الحكومة التركية الشرعية، والتي كانت أكثر الحكومات في العالم احتفاءً بالسوريين، معتبرة إياهم "ضيوف تركيا".

محمد داود، مواطن سوري مقيم في إسطنبول، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه كان "مع مجموعة من الأصدقاء في مقهى بشارع الاستقلال بمنطقة تقسيم. ولدى سماعنا عن أنباء الانقلاب قرّرنا العودة إلى بيوتنا تجنباً للمشاكل. وما إن وصلنا إلى ساحة تقسيم ترجّل عناصر من العسكر الانقلابين من باصَين، وانتشروا حول تمثال أتاتورك في الساحة. وبعد لحظات توجّهت دوريات الشرطة الموالية للحكومة الموجودة في المنطقة، ووقفت في مواجهة العساكر من دون أن يحصل صدام بين الطرفين. وبعدما سمع الناس النداء الذي وجهه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمواطنين بالنزول للشوارع تدفق مئات من المواطنين إلى الساحة، وشكّلوا درعاً بشرياً لحماية الشرطة التي تدخلت وسيطرت على العساكر الانقلابيين".






ويضيف داود "توجهنا مشياً من ساحة تقسيم باتجاه منطقة إكسراي حيث نقيم، ولدى وصولنا قرب مبنى بلدية إسطنبول كان هناك عدد من عسكر الانقلاب يحيطون بمبنى البلدية وعدد من المواطنين يحيطون بهم ويصرخون بوجوههم ويحتجون على تواجدهم". ويبين أنه في الجانب الآخر، شاهد جموعاً من المواطنين الأتراك يصطفون في طوابير أمام المخابز التي شهدت ازدحاماً غير مسبوق كما أمام الصرافات الآلية.

أما قتيبة سماق وهو سوري مقيم في منطقة باهجلر في إسطنبول، يروي لـ"العربي الجديد"، أنه "حين تمت الدعوة للخروج إلى الشارع لم أستطع المكوث في البيت، فخرجت مع المواطنين وتوجهنا إلى مبنى قناة سي أن أن ترك التي استولى عليها الانقلابيون، وكان عدد من عناصر الشرطة متواجدين قرب المبنى ولم يتمكنوا من الدخول. وحين وصلنا مع حشود المواطنين فتحنا الطريق أمام الشرطة التي دخلت المبنى بمساعدة المواطنين، وحصل عراك بالأيدي على الرغم من حمل الطرفين للسلاح، لينتهي العراك باعتقال الانقلابيين".

أمّا على مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يستطع عدد كبير من السوريين إخفاء فرحتهم بفشل الانقلاب العسكري، وتنفسوا الصعداء، متخذين من هذه الوسائل منابر للتعبير عن ارتياحهم. "عشنا ليلة رهيبة" تقول سوزان، مقيمة في تركيا منذ سنوات، مضيفة، أنّه "لم يبق لنا إلا هذه البلاد ملاذاً".

في الداخل السوري، شهدت مناطق سيطرة النظام احتفالات صاخبة احتفاء بإعلان الانقلاب، أحياها مقاتلو القوات النظامية والمليشيات الموالية وجمهور من المدنيين الموالين للنظام، عبر إطلاق آلاف الأعيرة النارية من مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ما تسبب في سقوط عدد من القتلى والجرحى من المدنيين.

ويقول شهود عيان من مناطق عدة في دمشق، وسلمية بريف حماة، لـ"العربي الجديد"، إن "مقاتلي النظام ومليشياته المنتشرين في تلك المناطق، أطلقوا آلاف الأعيرة النارية بشكل عشوائي، واستمر سماع رشقات الرصاص حتى ساعات الفجر". ويضيف هؤلاء أن "عدداً من موالي النظام ومقاتليه قاموا بمسيرات سيّارة في مناطق عدة من العاصمة، وبثوا عبر مكبرات الصوت مقاطع من أحاديث رئيس النظام بشار الأسد، والأغاني التي تمجده والقوات النظامية، وحتى بعض الأغاني ذات الصبغة الطائفية". ويؤكد الشهود العيان سقوط عدد من القتلى وعشرات الجرحى نتيجة إطلاق الرصاص العشوائي، إذ شهدت دمشق وحدها مقتل شخصين وجرح ثمانية.

في المقابل، هنأ "الائتلاف السوري المعارض" الذي يتخذ من مدينة إسطنبول مقراً له، الشعب التركي على نجاحه "في الحفاظ على مؤسساته الديمقراطية". وقال في بيان صدر، أمس السبت، إنّ "الشعب التركي الذي أدرك قيمة الحرية والديمقراطية وقطف ثمارها بنفسه، لن يسمح لمجموعة من الانقلابيين أن تنتزعه عبر محاولات يائسة تسعى لإعادة الحكم العسكري، والرجوع بالبلاد إلى عهود سابقة أنهكت الشعب التركي وسلبت حريته". وأضاف البيان، "لقد تمكن الشعب التركي خلال الساعات القليلة الماضية من إثبات جدارته بالتجربة الديمقراطية، كما فعل طوال عشر سنوات مضت، وتمكن من تعزيز خياراته الحرة، مؤكداً قدرة تركيا وحكومتها وأحزابها على المضي في التجربة الديمقراطية".