قانون المصالحة: المواجهة الأولى بين الرئاسة والمعارضة في تونس

قانون المصالحة: المواجهة الأولى بين الرئاسة والمعارضة في تونس

16 يوليو 2016
الجدل مستمر حول مبادرة السبسي للمصالحة الاقتصادية(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
ردت الرئاسة التونسية، ولأول مرة، مباشرة على الانتقادات الموجهة إليها من المعارضة حول مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، معبرة عن استعدادها إدخال عدة تغييرات عليه حتى يصير محل توافق مع التحركات المناهضة له، في الوقت الذي ترفض المعارضة ما تقدمه الرئاسة والأغلبية البرلمانية.

وقال مدير الديوان الرئاسي، سليم العزابي، خلال استماع لجنة التشريع العام، أمس الجمعة، إن البرلمان وجه دعوة لممثلي الرئيس من أجل توضيح بعض النقاط حول مشروع قانون المصالحة، مضيفاً أن الغاية من هذا الاستماع شرح رؤية الباجي قائد السبسي لهذا المشروع، وفي إطار سياسة التوافق التي يتبناها، مشدداً على أن الرئيس التونسي متقبل لكل التعديلات والرؤى.

وحذر مدير الديوان الرئاسي من أن تكون المعارضة التي تواجه مبادرة الرئيس التونسي هدفها حرمانه من حقه الدستوري في القيام بمبادرات تشريعية ومنعه من القيام بدوره واستعمال صلاحياته. 

وعرج ممثل مؤسسة الرئاسة على التحركات التي يخوضها المجتمع المدني ضد المشروع، معتبراً أن المؤسسة ترى أن المخاوف شرعية ومشروعة، لكنها "تستنكر كل المغالطات التي تقدم حول هذا القانون، وتؤكد التزامها المسار الدستوري والقانوني، وانفتاحها على كل الجمعيات والأحزاب التي ترفض هذا المشروع"

وكرر العزابي، في أكثر من مناسبة، أن الرئاسة "ستتحاور حول المشروع، ولها قناعة بأنه قادر على التحسن، لكنها لن تفرضه"

وأبرز المتحدث ذاته، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا مجال للحديث عن تعد على صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة، وأن القانون لا يتدخل في اختصاصاتها، موضحاً أن "مشروع قانون المصالحة الذي قدمه قائد السبسي يصب في العدالة الانتقالية التي يجب ألا تحتكرها هيئة بعينها"، مشيراً إلى أن مسار العدالة الانتقالية شهد بطئاً كبيراً وجاء القانون لتسريعه. 

وألمح مدير الديوان إلى أن هناك أطرافاً تريد خلق حرب بين مؤسسة رئاسة الجمهورية وهيئة الحقيقة والكرامة، اللتين تجمعهما علاقات جيدة واتفاقيات عمل، وذلك في إطار سعيها إلى إسقاط المشروع، مؤكداً أن القانون الآن يناقش داخل البرلمان "الذي سيحدد السبل الكفيلة من أجل إدماجه وإدخاله في مسار العدالة الانتقالية والنأي به عن شبهة اللادستورية"

لكن المعارضة لم تقتنع بردود مؤسسة الرئاسة التي جاءت مدعومة بمداخلات نواب الائتلاف الحاكم و"الكتلة الحرة"، وهو ما أدى إلى نشوب أكثر من مشاحنة بين نواب الائتلاف الحاكم والمعارضة. 

وأثنى نواب الرباعي الحاكم على المشروع، إذ اعتبره رئيس كتلة حركة "النهضة"، نور الدين البحيري، مشروعاً لا يتعارض مع العدالة الانتقالية، "بل يصب في صلبها وصميمها"، مستغرباً "كيف يمكن للبعض أن يقفوا ضد المشروع"

ومن جانبه اتهم رئيس "كتلة النداء"، سفيان طوبال، معارضي المشروع باستهداف رئاسة الجمهورية لا معارضة المشروع: "إن هؤلاء لا اعتراضات لهم على مضمون المشروع، إنما يعارضون الجهة صاحبة المبادرة فقط".

في المقابل، لفتت النائب عن "التيار الديمقراطي" المعارض، سامية عبّو، في ردها على مؤسسة الرئاسة ونواب الائتلاف الحاكم إلى أن الرئيس التونسي لا يمكن له أن يقدم مبادرة تهم المصالحة الاقتصادية والمالية باعتباره أحد المنتفعين منها، مشيرة إلى أن قضية في فساد مالي منشورة ضده في القضاء، و"هو ما يضرب بالتالي مصداقيته"

وأضافت أنه إذا كان المشروع يستهدف الفاسدين والمرتشين وتسوية وضعياتهم القانونية، فإن مبدأ المحاسبة يصبح محل تساؤل، وألمحت إلى أن "المشروع فصّل على قياس أشخاص معينين مشمولين به، في مقدمتهم الرئيس وشقيقه"

ونبهت سامية عبو إلى أن الغاية من استحداث آليات مصالحة جديدة غير تلك المنصوص عليها بالدستور هي ضرب مسار العدالة الانتقالية، خاصة وأن "هيئة الحقيقة والكرامة تعمل على الملفات ذاتها التي تشمل هذا المشروع، ولا يمكن الحديث عن بطء في عملها، وأنها تتعرض إلى تعطيل متعمد، كما لا تستطيع الوصول إلى المعلومات اللازمة والأرشيف المطلوب لمعالجة الملفات"

وفي الصدد، قال النائب عن "التيار الديمقراطي"، نعمان العش، خلال الجلسة التي شهدت تغيب "الجبهة الشعبية" و"حراك الإرادة" وبقية النواب المعارضين، إن "المشروع صيغ لأجل "أربعة لصوص" معلومين مسبقاً، لكن نتائجه خطيرة وتكرس مبدأ الإفلات من العقاب، وهو ما يدفع المعارضة للعمل على إسقاطه"، بحسب قوله.

وتستمع لجنة التشريع العام، مطلع الأسبوع المقبل، إلى هيئة الحقيقة والكرامة، التي سترد على تصريحات الرئاسة التونسية، في ما يتعلق بعدم احتكارها لمسار العدالة الانتقالية، وأن تخاذلها في معالجة الملفات كان المبرر الأول لاستحداث آليات جديدة.