"ثاتشر الثانية" تبدأ حكم بريطانيا بثلاث لاءات أوروبية

"ثاتشر الثانية" تبدأ حكم بريطانيا بثلاث لاءات أوروبية

13 يوليو 2016
كاميرون وماي في مالطا العام الماضي (بن براشني/Getty)
+ الخط -
مع انتهاء اليوم الأربعاء، يكون رئيس الوزراء البريطاني المُستقيل، ديفيد كاميرون، قد غادر المقرّ الرسمي لرئاسة الوزراء "10 داونينغ ستريت"، قبل أن تنتقل رئيسة الوزراء الجديدة، تيريزا ماي، للإقامة فيه. وقد ترك كاميرون خلفه الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية الصعبة، في انتظار ماي، في مقدمتها مفاوضات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وضبط الهجرة، وإدارة اقتصاد البلاد. ويأتي مستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي على رأس الملفات التي تنتظر رئيسة وزراء بريطانيا، زعيمة حزب "المحافظين" الجديدة. وقد عنونت تيريزا ماي، أو "مارغريت ثاتشر الثانية"، كما يحلو لبعض الإعلام وصفها، ملف الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، بثلاث لاءات صارمة، وهي: لا لتنظيم انتخابات مُبكرة، ولا لتنظيم استفتاء ثان حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ولا لتفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة قبل نهاية العام الحالي. على الرغم من ذلك، وافق البرلمان على مناقشة العريضة المطالبة باستفتاء ثانٍ في جلسة يوم 5 سبتمبر/ أيلول المقبل.

وقد اعتبرت ماي أن "بريطانيا بحكومتها الجديدة ستظلّ ملتزمة بالكامل بقرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، في ظلّ قيادتها، على الرغم من موقفها السابق المعارض لمغادرة الاتحاد". وأنه "لن يكون هناك أي محاولات للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، ولن يكون هناك محاولات لإعادة الانضمام بطريقة غير مباشرة".

بموازاة وصول ماي إلى المنصب الحكومي، دعا حزبا "العمال" و"الديمقراطيين الأحرار"، يوم الاثنين، إلى "إجراء ‏انتخابات عامة مبكرة، بعد التغييرات الواسعة في الحكومة واختيار رئيس وزراء جديد بعد ‏الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي". 

في هذا السياق، قال زعيم "الديمقراطيين الأحرار" تيم فارون، إن "حزب المحافظين لا يمتلك الآن أي ‏تفويض"، مضيفاً أن "بريطانيا تستحقّ الأفضل". من جانبه، اعتبر منسّق الانتخابات العامة لحزب "العمال"، جون تريكيت، أنه "من الأهمية بمكان، نظراً ‏لعدم الاستقرار الناجم عن التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، أن يكون للبلاد ‏رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً".‏ وكان الزعيم السابق لـ"الأحرار الديمقراطي"، نيك كليغ، قد أثار نقاشاً آخر حول صلاحيات الحكومة الحالية، أو الحكومة العتيدة، في شأن تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة. وذلك من دون أن تحصل الحكومة الحالية أو المقبلة على تفويض شعبي، في انتخابات عامة مُبكرة، للشروع في إجراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. ورأى كليغ أن "برلماناً جديداً، قادر على إدارة الطلاق التاريخي للاتحاد الأوروبي بمسؤولية، هو السبيل الوحيد للخروج من حالة الفوضى الحالية".



وفي ردّ صارم وصريح على "العمال"، و"الديمقراطيين الليبراليين"، و"الخضر"، وحتى دعوات بعض النواب من "المحافظين"، رفضت ماي تنظيم انتخابات عامة مبكرة. وقد اعتبرت في هذا الصدد، أن "الناخبين البريطانيين أعطوا حزب المحافظين الذي تنتمي له، تفويضاً في الانتخابات العامة التي جرت في مايو/أيار 2015، لتشكيل حكومة تتولّى إدارة البلاد حتى الانتخابات المقبلة في العام 2020".

ولا يرى سياسيون أي حاجة لانتخابات عامة مبكرة، ذلك لأن "انتقال رئاسة الحكومة لماي من دون انتخابات عامة، لا يُشكّل سابقة في تاريخ المؤسسات السياسية البريطانية"، ذلك أنّ ماي هي ثالث رئيس حكومة تشغل هذا المنصب، في السنوات الثلاثين الماضية، من دون تصويت شعبي. فقد سبق أن تولّى جون ميجور رئاسة الحكومة، بعد استقالة مارغريت ثاتشر في العام 1990. وفي العام 2007 تولى غوردون براون رئاسة الحكومة بعد استقالة توني بلير.

ولا يرى وزير الدفاع في الحكومة الحالية، مايكل فالون، ضرورة لإجراء انتخابات مبكرة في أعقاب تولي ماي ‏المسؤولية، لأن حزب "المحافظين" فاز بالانتخابات ‏العامة الماضية ولديه تفويض من الشعب. كما أن الحكومة العتيدة ستكون مُلتزمة بتنفيذ نتيجة الاستفتاء وإتمام مغادرة الاتحاد ‏الأوروبي. ويشير فالون في هذا الإطار إلى أننا "جميعنا الآن في الحكومة أعضاء في حملة الخروج".

وعلى الرغم من تعبير حوالي 1.2 مليون بريطاني ممن صوّتوا في استفتاء 23 يونيو/ حزيران الماضي، عن ندمهم للتصويت لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، وتوقيع أكثر من 4 ملايين شخص على عريضة إلكترونية تدعو لإجراء استفتاء ثان للتأكد من حقيقة الإرادة الشعبية، إلا أن رئيسة الحكومة الجديدة، أكدت خلال الأيام الماضية رفضها الدعوات لإجراء استفتاء ثان، مُؤكدة على أن "الانفصال يعني الانفصال".

في هذا الإطار، قالت ماي، إنها "ستخصص حقيبة وزارية جديدة تتولى مباشرة مفاوضات الانفصال". ولا يخرج موقف ماي عن الموقف المُعلن لحكومة سلفها ديفيد كاميرون التي ردت على المطالبين باستفتاء ثان برسائل أبلغتهم فيها أنها لن تجري استفتاء ثانياً، لأن رئيس الوزراء والحكومة قالا بوضوح إنه تصويت وحيد من أجل جيل واحد، وإنه ينبغي احترام القرار".

وفي شأن تفعيل بريطانيا للمادة 50 من ميثاق لشبونة، يصرّ المسؤولون الأوروبيون على التعجيل لبدء مفاوضات لندن مع الاتحاد الأوروبي، التي ستترتب عنها إجراءات الخروج، وقد حذّروا بريطانيا من أي مماطلة. مع ذلك، لا تبدو ماي مستعجلة في الاستجابة للضغوط الأوروبية، وتواجه ذلك بالتأكيد على أن تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة، وإطلاق المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، لن تبدأ قبل نهاية العام الحالي. ويقول المقرّبون من رئيسة الحكومة الجديدة، إنها "لا تنوي تفعيل المادة 50 قبل التأكد من انتهاء وزير الانفصال وفريق عمله من وضع استراتيجية واضحة تؤدي إلى خروج آمن وسلس من الاتحاد الأوروبي".

كما تبدو ماي أكثر ميلاً للتمهّل من أجل إعطاء مجلس العموم الوقت الكافي للتداول بشأن نتيجة استفتاء الشهر الماضي، والتصديق عليه، لتفادي أي مطبات قانونية، لا سيما بعد توقيع أكثر من ألف محام على رسالة تطالب الحكومة البريطانية بضرورة عرض نتيجة الاستفتاء على البرلمان، بوصفه السلطة التشريعية التي تعبّر عن الإرادة الشعبية، فضلاً عن مباشرة أشخاص وشركات قانونية التقدم بدعاوى على أساس أنه "ليس من حق رئيس الوزراء تفعيل المادة 50 من دون نقاش مستفيض وتصويت في البرلمان، الذي ينبغي أن يكون له دور في إيجاد الطريقة المثلى للمضي قدماً، ذلك أن التشريع لا يُلغى إلا بتشريع آخر، وفق الأعراف الدستورية. وعليه فإن موافقة البرلمان مطلوبة لمنح رئيس الوزراء سلطة تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة، وبدء إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وقد حفلت الصحافة البريطانية منذ صباح أمس الثلاثاء، بالتكهنات حول التشكيلة الوزارية التي سترأسها ماي. ويُرجح المعلقون في وسائل الإعلام البريطانية، أن يكون فريق العمل في الحكومة الجديدة من شخصيات حزب "المحافظين" المعروفة بتأييدها، للخروج من الاتحاد الأوروبي. ذلك أن المهمة الأولى للحكومة ستكون إدارة مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي. كما يُعتقد أن حكومة ماي ستكون أقرب إلى التعديل على حكومة كاميرون، حيث يُرجّح أن ينتقل فيليب هاموند من وزارة الخارجية إلى حمل حقيبة الخزانة، وينتقل وزير الصحة إلى الداخلية، وينتقل جورج أوزبورن من الخزانة لحمل حقيبة الخارجية، ويحتفظ كل من وزير العدل، مايكل غوف، ووزير الدفاع، مايكل فالون، ووزيرة التعليم، نيكي مورغان ووزير الشغل والتدريب، ساجد جاويد، بحقائبهم.