فرنسا و"أمم أوروبا"...استنفار أمني وإعلامي لاستحقاق أكثر من رياضي

فرنسا و"أمم أوروبا"...استنفار أمني وإعلامي لاستحقاق أكثر من رياضي

10 يونيو 2016
مخاوف من آثار سلبية للإضرابات في البلاد (نومان كادوري/الأناضول)
+ الخط -
أكثر من 77 ألف رجل أمن على الأرض الفرنسية، وهو رقم غير مسبوق، لتأمين كأس أمم أوروبا لكرة القدم، التي تنطلق اليوم الجمعة، والتي يريدها الفرنسيون مناسبة لا تتكرر لخطف الكأس الأوروبية، كما فعلوا في عام 1998 مع كأس العالم. كما يريد الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قطف بعض ثمارها، خصوصاً أن شعبيته في الحضيض، واحتمالات إعادة انتخابه ليست مؤكدة. لهذا السبب، فإن هولاند مستعد لفعل كل شيء، بما في ذلك توزيع الشيكات على كثير من قطاعات الاحتجاج، كما تقول المعارضة اليمينية، أو شراء نوع من السلم الأهلي، كما يرى معارضون يساريون له، من أجل تنظيم البطولة. ولما لا الفوز بها والتقاط صور تذكارية مع لاعبي الفريق الوطني الذين أهدوه قميصاً يحمل رقم 24.

وبالإضافة إلى 77 ألف رجل أمن من شرطة ودرك، تم تكليف قسم من 10 آلاف جندي يشاركون في عملية "سنتينل" (النسخة العسكرية لعملية فيجيبيرا) و1000 رجل انقاذ متطوع. وإذا كان الامن في الملاعب والفنادق يقع على عاتق اللجنة المنظمة، تتولى الهيئات المحلية، أمن الأماكن المخصصة للمشجعين، تؤازرها أعداد كبيرة من الشرطة والدرك "لحماية الضواحي". كما تشارك وحدات النخبة في الشرطة على هامش الأحداث. وأجريت تدريبات تحاكي اعتداءات في ملاعب وفي أماكن للمشجعين، وطرح عدد كبير من السيناريوهات، بما فيها هجوم تشنه طائرة بلا طيار، وخصوصاً أن القسم الأكبر من فعاليات كأس أوروبا تتزامن مع شهر رمضان، الذي هدّد تنظيم "داعش" الولايات المتحدة وأوروبا بشن هجومات خلاله.

كل هذا في ظل ظروف صعبة تعيشها فرنسا، خصوصاً بعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربتها وأرغمت القرار السياسي على فرض حالة الطوارئ المستمرة إلى اليوم، إضافة إلى الظروف الاجتماعية وما تعرفه فرنسا من إضرابات مستمرة منذ أسابيع في قطاعات عامة وخاصة، والتي يمكن أن تستمر بعضها حتى أثناء المباريات لتترك آثارها السلبية على هذا الاحتفال الكروي. وهو ما أشارت إليه الصحافة الفرنسية حين تحدثت عن تدني عدد السياح الأجانب في فرنسا، وهو ما يمكن اعتباره خسارة اقتصادية كبيرة، في وقت يتأخر فيه وصول النمو الموعود.

المسألة الأمنية حاضرة بقوة في هذا الحدث الرياضي، ولهذا لا تترك السلطات أي مجال للصدفة. ومن هنا، فإن الاستخبارات الفرنسية في ذروة نشاطها، إضافة إلى تشكيل خلية تحليل الأخطار التي سيتم تنشيطها على مدار الساعة طيلة مباريات كأس أوروبا. ومن وحي هذا الهاجس الأمني، راقبت السلطات الأمنية ما اعتبرته خللاً في المباراة النهائية لكأس فرنسا في كرة القدم بين مارسيليا وباريس سان جيرمان، جراء ولوج العديد من المشجعين إلى المنصات من دون المرور على رجال الأمن ومراقبي التذاكر. وأكدت في بادرة تبعث على الاطمئنان، أن الجمهور لن يكون الجمهور نفسه، كما أن اليقظة الأمنية لن تكون مماثلة، بل أشد.

الاستنفار الأمني يمكن تلمّسه في كل مكان من العاصمة والمدن التي ستستقبل المباريات الأوروبية، وقد تمت الاستفادة من مواصلة سريان حالة الطوارئ التي فُرضت بعد الاعتداءات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويحاول المسؤولون الأمنيون الفرنسيون ألا يعيروا أهمية كبيرة للأخبار في بعض الدول الأوروبية التي تتحدث عن اكتشاف خلايا كانت تنوي الاعتداء على فرنسا وضرب بطولة الأمم الأوروبية، لما للأمر من أهمية إعلامية ونفسية. فهم يعرفون أن فرنسا مهددة فعلاً، وهو ما أكده المدير العام للأمن الداخلي الفرنسي، باتريك كالفار.


ولكن المسؤولين الأمنيين الفرنسيين يشددون على أنه لا يوجد تهديد معين ومحدد خلال مباريات كأس الأمم الأوروبية، وهو ما يُعتبر في حد ذاته رداً على تحذير الخارجية الأميركية من مخاطر يمكن أن تتعرض لها الملاعب وتجمّعات المشجعين، وأيضاً المواقع غير الرسمية التي تنقل أخبار المباريات. إذ لا يريد المسؤولون الفرنسيون أن يشيعوا جواً إضافياً من القلق يمكن أن يكون له تأثير على مواطنيهم وأيضاً على تدفق السياح، خصوصاً من مشجعي الدول المتبارية. كما تؤكد وزارة الداخلية الفرنسية أنها تأخذ بعين الاعتبار كل المخاطر المكتملة، وأنها تثق في التعاون الأمني والاستخباراتي مع الدول الأوروبية والدول الصديقة، لمواجهة أي تهديد إرهابي، بل واستباق أي اعتداء والقضاء عليه.

ولكن المخاطر ليست كلها إرهابية، بل إن ثمة مخاطر أخرى تتعلق بالمشجعين الذين يلجؤون إلى العنف، ولهذا السبب تستقبل فرنسا 180 شرطياً متخصصاً في مقاومة هذا العنف، وهم قادمون من الدول المشاركة في البطولة الأوروبية، من أجل تنسيق أفضل وتدارك أحداث الشغب التي عرفها مونديال فرنسا 1998. وينتظر الفرنسيون بشغف هذا العرس الكروي، على الرغم من كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ومن كل السجالات التي طاولت تشكيلة الفريق الإثنية، والتي تحدثت عن إقصاء متعمّد للاعبين فرنسيين منحدرين من المغرب العربي. الفرنسيون يريدون الفوز بالكأس، لأنهم البلد المنظّم، ولأن الفوز يمنح أيضاً المعنويات في ظل الظروف الصعبة.

الصحافة الفرنسية في معظمها مجنّدة وراء فريقها الوطني، ولهذا السبب كانت في أغلبها منتقدة للتصريحات التي وجّهت انتقادات لتشكيلة الفريق، وهي أحياناً تتماهى مع القرار السياسي. ولعلّ هجماتها العنيفة على النقابات الداعية للإضرابات، خصوصاً نقابة "سي جي تي" وزعيمها، والتي وصلت إلى مستويات من التخوين والشيطنة، دليل على أنها لا تريد أن يعكر أي شيء صفو البطولة الأوروبية ويتسبب في خسارات كبيرة، من الإعلانات إلى السياحة وصورة فرنسا في الخارج.

تتحدث الصحافة الفرنسية عن التهديدات الإرهابية ضد فرنسا بنوع من الهدوء، بعيداً عن الهياج الإعلامي كما في مناسبات أخرى، ولكنها تنقل باهتمام شديد تصريحات وزير الداخلية، برنار كازنوف، والمسؤولين الأمنيين الفرنسيين، الذين يطمئنون الرأي العام الفرنسي وكل السياح المتواجدين والذين لديهم النية في القدوم بأن كل شيء جاهز، أمنياً ولوجيستياً، لبداية الحدث الكروي. ولا تتردد الصحافة الفرنسية في استدعاء مفهوم الوحدة الوطنية التي شهدها مونديال 1998، حتى تخطف فرنسا الكأس الأوروبية لكرة القدم، وينسى الشعب الفرنسي همومه وأزماته، ولو إلى حين.

المساهمون