رئاسة السيسي في عامين: محاسبة صعبة لغياب البرنامج الانتخابي

رئاسة السيسي في عامين: محاسبة صعبة لغياب البرنامج الانتخابي

09 يونيو 2016
لم تتضمّن رؤية السيسي تفاصيل محددة (لويزا غولياماكي/فرانس برس)
+ الخط -

تبدو فكرة تقييم أداء الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وتقديم كشف حساب بعد عامين من حكمه، غير منطقية، لكونه أساساً لم يطرح برنامجاً انتخابياً تُمكن محاسبته من خلاله. والسيسي الذي خلع بذلته العسكرية واستقال من منصب وزير الدفاع، وقرر الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية في مواجهة المرشح الخاسر حمدين صباحي، عام 2014، لم يقدم برنامجاً انتخابياً تتوفر فيه شروط البرنامج الانتخابي فعلياً، بل اكتفى فقط بالحديث عن حلول تقليدية للأزمات والمشكلات. وحتى بعد انتخابه رئيساً لم يتطرّق إلى البرنامج ولا إلى تفنيد الخطط السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل اكتفى في أحد اللقاءات التلفزيونية بعرض رؤيته للأزمات وحلولها فقط.

وما زاد من الحديث عن عدم تقديم السيسي لبرنامج انتخابي فعلي، هو اجتهاد بعض الصحف والمواقع الإخبارية المصرية، في نشر ملامح البرنامج الانتخابي الشكلي، الذي تمّ طرحه قبيل الانتخابات الرئاسية 2014. وجاءت رؤية السيسي في حينه، عبارة عن "استقلال القضاء" و"تحقيق العدالة الانتقالية" و"المصالحة الوطنية" و"تطوير منظومة الأوقاف" و"تحفيز العمل الأهلي"، إضافة لعددٍ من السياسات الاقتصادية التي ستساعد على النهوض بمصر.

كما نصّت رؤية السيسي على "إعادة النظر في منظومة الضرائب، بما يتفق مع الدستور، وتطبيق الضرائب التصاعدية العادلة على الدخل، دون التأثير السلبي على الاستثمار، والتحول من ضريبة المبيعات إلى القيمة المضافة، وتطبيق قانون الضريبة العقارية، وتسوية وتحصيل المتأخرات الضريبية".

وتطرّقت الرؤية إلى مراجعة أسلوب تقديم الدعم، وتوجيهه لصالح الطبقات الفقيرة، المراجعة الشاملة لقانون المناقصات والمزايدات، وإعادة النظر في هيكل الأجور حتى يحصل العامل على حقه مع ارتباط الأجر بالإنتاج، وربط الحدّ الأدنى من الأجور بالتضخّم، حتى لا تتآكل القيمة مع الوقت.



وجاء من ضمن أولويات السيسي، ضرورة التزام البنك المركزي باستهداف التضخّم، والتنسيق بين السياسة المالية والنقدية لترشيد تمويل العجز التضخمي، واتباع سياسة سعر الصرف المرنة التي تعمل على احتواء الضغوط التضخمية. وبالنسبة للريّ والزراعة، فقد دعت الرؤية للإسراع في إصدار قانون خاص بالمياه، لضمان الكفاءة في استخدامها، ومعاقبة كل من يتسبب في تلويثها، أو يخالف أحكام هذا القانون كعدم الالتزام بشروط الحصول على التراخيص، أو التسبب في تلف أو هدم مرافق الشرب والصرف الصحي، ووضع سياسة تسويقية لشراء المحاصيل، وطرح أراضٍ جديدة للاستصلاح بمختلف المحافظات.


كما ناقش البرنامج الانتخابي ضرورة إعادة إحياء السياحة الثقافية، والقيام بحملة توعية بأهمية دور السياحة وتأثيره على حياة كل مواطن، وحملة دعائية كثيفة لاسترجاعها. كما انتهت رؤية السيسي إلى التأكيد على الاستحقاق الدستوري بتوجيه الحكومة، لتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي على التعليم على النحو المحدد دستورياً، تتصاعد تدريجياً، حتى تتناسب مع المعدلات العالمية.

مع ذلك، فإن ملامح رؤية السيسي عن البرنامج الانتخابي، وإن كانت أفكاراً تقليدية، بحسب مراقبين، فشل حتى في تحقيق هذه البنود. وكشفت الموازنة العامة للدولة، خفض الحكومة الميزانية المخصصة للتعليم عن المحددة دستورياً، فضلاً عن حدوث عدد من الأزمات أدّت إلى انهيار السياحة بشكل كبير.

وبشأن حديث السيسي عن السياسات الاقتصادية وتقديم الدعم لمستحقيه، فقد مرّت على مصر في العامين الماضيين أزمات اقتصادية كبيرة، منها اختلال في سعر صرف الدولار وانتعاش السوق السوداء، وارتفاع التضخّم بنسبة 25 في المئة على الأقل، وغلاء الأسعار بشكل مستمر، وعدم تدخل الحكومة لمحاصرة الأزمات الاقتصادية.

وشهد عصر السيسي عدداً كبيراً من الأزمات منها المتعلقة باستكمال إثيوبيا بناء سد النهضة، المؤثر بقوة على حصة مياه النيل، وانهيار حقوق الإنسان والحريات، ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

في هذا السياق، يقول الخبير السياسي، عمرو هاشم: "من الصعوبة تقديم كشف حساب للسيسي على مدار عامين، في حين لم يقدم برنامجاً انتخابياً واضحاً ومحدد الملامح". ويضيف هاشم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الفترة التي ترشح فيها السيسي كانت في ظل ظروف استثنائية، ولم يكن يحتاج لبرنامج انتخابي، لأن قطاعاً كبيراً من الشعب كان يرى فيه المخلص سواء من الإخوان، أو الأزمات التي تغرق فيها مصر". ويشير إلى أنه "لو ترشح السيسي في ظل وضع غير استثنائي لكانت الأوضاع مغايرة تماماً، ولا يمكن نسيان أنه امتداد للمؤسسة العسكرية، ولديها ثقة كبيرة لدى الشعب".

ويلفت إلى أن "السيسي لا تمكن محاسبته بالصورة التي يتحدث عنها الكثيرون، سواء من مؤيديه لناحية إنجازاته أو معارضيه بعد أزماته، ففي النهاية لا يوجد معيار يمكن الحكم من خلاله على أدائه، فلا تزال مصر تعيش فترة انتقالية استثنائية".

ويُشدّد على أن "السيسي حقق نجاحات على مستوى عدم انقطاع الكهرباء بنفس الطريقة التي كانت عليها في فترة (الرئيس المعزول محمد) مرسي، من خلال التوسع في محطات توليد جديدة، واستيراد المواد البترولية، ولكن جميعها بقروض من الخارج وعليها فوائد بالتأكيد. في المقابل شهد عهده أزمات كبيرة وشديدة، وستستمر آثارها لما بعد نهاية فترته".

ويتفق مع هاشم، الخبير السياسي، محمد عز، حول عدم إمكانية تقديم كشف حساب للسيسي، باعتباره لم يطرح برنامجاً انتخابياً قبل الانتخابات الرئاسية في 2014. ويقول عز لـ"العربي الجديد"، إن "السيسي استغل حالة الزخم ضد الإخوان، وأقحم نفسه بمساعدة المؤسسة العسكرية، وانصب كل الحديث على مواجهة الإرهاب وأعداء الوطن، وكلها ادعاءات تلاشت مع الوقت". ويلفت إلى أنه "في أي دولة ديمقراطية في العالم أو على الأقل تسعى للديمقراطية، لا بد لمرشحي الرئاسة من تقديم برنامج انتخابي واضح الملامح ومحدد إلى حد كبير، لناحية ذكر رؤية المرشح ومدة تنفيذ المشروعات أو بنود البرنامج، فضلاً عن كيفية توفير الموارد المالية اللازمة، ولكن السيسي لم يكن مقتنعاً من الأساس في وضع برنامج سطحي ويحتوي على حلول تقليدية".

المساهمون