مصر: سيطرة اﻷمن على التعيينات تفجّر غضباً بمؤسسة القضاء

مصر: سيطرة اﻷمن على التعيينات تفجّر غضباً بمؤسسة القضاء

24 يونيو 2016
يتغلغل نفوذ النظام أكثر في صلب الجسم القضائي (الأناضول)
+ الخط -
تشهد أروقة محكمة النقض المصرية حالياً تحركات غاضبة ضد قرارات رئيس المحكمة المستشار أحمد جمال الدين، الذي تنتهي ولايته مع نهاية شهر يونيو/حزيران الحالي، بلغت حدّ مطالبة أغلبية أعضاء الجمعية العمومية الأخيرة للمحكمة، والتي عُقدت منذ نحو أسبوعين، بوقفه عن ممارسة عمله وإلغاء قرار الجمعية الاعتيادي بتفويضه في اتخاذ بعض القرارات الوظيفية الخاصة بالأعضاء.

وقد اعترضت الجمعية العمومية أيضاً على استئثار جمال الدين بالقرار وعدم مشاورة باقي أعضاء مجلس القضاء الأعلى في تسيير أمور مرفق القضاء، وتداول بعض أعضاء الجمعية ذلك في عدد من مجموعات القضاة المغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما حدا برئيس المحكمة إلى إصدار بيان يُحذّر فيه من مقاضاة أي شخص يفشي أسرار الجمعية العمومية الأخيرة.

إلى هذا الحدّ تبدو الخلافات بين الجمعية العمومية ورئيس المحكمة مقتصرة على أمور إدارية، إلا أن مصادر قضائية رفيعة المستوى كشفت لـ"العربي الجديد"، أن "أحد أبرز الملفات التي أدت لسوء العلاقة بين القضاة ورئيس محكمة النقض الذي يوصف في مصر بقاضي القضاة، هو التغوّل الأمني في تعيينات النيابة العامة الأخيرة وتواطؤ مجلس القضاء الأعلى مع جهاز الأمن الوطني، مما أدى إلى حرمان نحو 50 من أقارب القضاة من التعيين رغم جدارتهم العلمية والعملية، لمجرد أن آباءهم وأقاربهم عرفوا بمواقف معارضة لنظام الحكم الحالي".

في هذا السياق، وصفت المصادر ما حدث في التعيينات بـ"اختراق أمني غير مسبوق وتحكّم كامل في اختيارات مجلس القضاء الأعلى، إذ تمّ استبعاد نسبة كبيرة من المقبولين في مرحلة التحريات الأمنية على خلفية انتماءات أسرهم السياسية، بما في ذلك أبناء القضاة".





واتّسمت جميع التعيينات القضائية لخريجي كليات الحقوق بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، منتصف العام 2013 بالسيطرة الأمنية واستبعاد أبناء وأقارب الأشخاص العاديين، المعروفين بانتماءات إسلامية أو إخوانية تحديداً، إلا أن الجديد الذي حدث هذه المرة هو استبعاد عدد كبير من أقارب القضاة أنفسهم، سواء كانوا يعملون بمحكمة النقض أو محاكم الاستئناف، لمجرد أنهم معروفون للأمن بآرائهم الجريئة أو معارضتهم للنظام.

وشرحت المصادر أنه "كان معتاداً في السابق استبعاد أبناء القضاة الذين تصدر أحكام تأديبية بعزلهم أو إحالتهم للتقاعد في وقائع مسلكية أو سياسية، لكن الجديد الذي حدث في التعيينات الأخيرة التي أصدر بها رئيس الجمهورية قراراً جمهورياً منذ أسبوعين، هو استبعاد أقارب جميع القضاة الذين شملتهم تحقيقات الانتماء لجماعة الإخوان أو مجموعة قضاة من أجل مصر أو مجموعة بيان قضاة رابعة، بما في ذلك القضاة الذين تمت تبرئتهم في تلك القضايا وعادوا لممارسة عملهم".

وأضافت المصادر أن "جهاز الأمن الوطني استبعد أيضاً جميع أقارب القضاة الذين صدرت بشأنهم تقارير وتحريات عن وجود صلات بينهم وبين القضاة الذين تم عزلهم في القضايا السياسية السابق ذكرها، وكذلك جميع أقارب القضاة الذين عرفوا بمعارضتهم لتيار التبعية للسلطة الحاكمة، أو معارضتهم لوزير العدل السابق أحمد الزند، أو حديثهم بحرية أكبر من غيرهم على مواقع التواصل الاجتماعي".

وذكرت المصادر أن "مساحة التغوّل الأمني زادت بشكل ملحوظ في التعيينات الأخيرة بالنيابة العامة تحديداً، لأن التعيينات السابقة في النيابة ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، شملت أبناء عدد من القضاة المعروفين بنشاطهم في تيار الاستقلال القضائي، بالتالي فإن الوضع يسوء باطراد".

وأكدت المصادر أن "عدداً من المستبعدين هم من الحاصلين على درجات عالية بالنسبة لأقرانهم من أبناء القضاة أو غيرهم، مع العلم بأن معظم تعيينات النيابة العامة يخصص مجلس القضاء فيها نسبة تقارب 30 في المائة لأبناء وأشقاء القضاة كعرف سائد، الأمر الذي سمح بدخول نسبة من أبناء وأقارب القضاة غير المتفوقين لمجرد أن آباءهم من المقبولين أمنياً".

وكشفت المصادر أن "هذه الأزمة وصلت رئاسة الجمهورية وأخطر بها السيسي شخصياً، لكنه لم يغير شيئاً مما قرره الأمن الوطني، على الرغم من وساطات عدد من كبار القضاة المتقاعدين المقربين إليه وعلى رأسهم وزير العدل الحالي حسام عبد الرحيم".

في هذا الإطار، هدد عدد من القضاة الذين لم يقبل أبناؤهم عبد الرحيم بالاستقالة، وإعلان خطوات تصعيدية إذا تمّت الموافقة على خيارات الأمن التي رضخ لها رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، فطلب عبد الرحيم من عباس كامل مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالإضافة لأبناء وأقارب القضاة، الذين لم يدانوا بالانتماء لأي فصيل سياسي، وبعد فترة من الأخذ والرد فوجئ القضاة بصدور القرار الجمهوري من السيسي كما قرر الأمن دون أي تغييرات.

ويبدو أن هذه الأزمة ستؤدي إلى تفاقم الغضب ضد وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى المتهمين في الآونة الأخيرة بالتبعية المطلقة للسيسي ودائرته المقربة، خصوصاً بعد تدخل رئيس محكمة النقض بصفة مباشرة في أعمال نادي القضاة للتعجيل بالانتخابات ومنع وزير العدل السابق أحمد الزند من الظهور في حفل النادي ثم إلغاء الحفل.

ويرى مراقبون أن هذه الأزمة ستنعكس بالتأكيد على نتائج انتخابات نادي القضاة المقررة في يوليو/تموز المقبل، والتي يتنافس فيها مرشحون مقربون لكل من وزير العدل ومجلس القضاء والزند، وآخرون ذوو طموحات شخصية وخدمية، في غياب تام لتيار الاستقلال.


المساهمون