استفتاء بريطانيا وسيناريوهات اليوم التالي

استفتاء بريطانيا وسيناريوهات اليوم التالي

لندن
avata
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.
22 يونيو 2016
+ الخط -
مهما كانت النتيجة التي سيختارها الناخبون البريطانيون في استفتاء "القرن التاريخي"، كما وصفه رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، والذي سيحسم مصير العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا ما قبل "استفتاء الخميس" لن تكون بريطانيا ما بعد الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران 2016.

وبعيداً عن استطلاعات الرأي المتتالية التي تتأرجح على وقع انقسام واضح في الرأي العام البريطاني، والتي يمنح أحدثها تقدماً لمؤيدي البقاء بنسبة 53 في المائة من الأصوات، فإن نتيجة استفتاء الغد لن تكون إلا واحدة من اثنتين، إما بقاء بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، أو الخروج منه. وعلى الرغم من أن مراقبين يعتقدون أن "البقاء" هو السيناريو الأرجح مع خوف الناخبين من القفز في المجهول والميل أكثر للتصويت لصالح "الوضع الراهن"، وقد ظهر ذلك جلياً خلال استفتاء الاتحاد الأوروبي عام 1975 والاستفتاء حول استقلال اسكتلندا في عام 2014، إلا أن لكلا السيناريوهين (البقاء أو الخروج) تداعيات على البيت البريطاني الداخلي وعلى مستقبل علاقة المملكة المتحدة مع أوروبا.

 


سيناريو "البقاء"

يتيح تصويت البريطانيين لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي لرئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أن يظهر مع ساعات الصباح الأولى من يوم الجمعة منتصراً أمام وسائل الإعلام بعد نجاح حملته للحفاظ على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مُتعهداً بالمضي قدماً في سبيل إصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بما لا يمسّ من سيادة الدول الأعضاء، ويوفر الآليات الحيوية لمواجهة الأزمات التي يواجهها الاتحاد، ولا سيما أزمة المهاجرين التي باتت كابوساً يَشغل بال الساسة والرأي العام في أوروبا.

كما يعني التصويت لصالح عدم الخروج من "الاتحاد" بقاء العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على حالها مع الأخذ بالاعتبار "اتفاق التسوية" الذي انتهت له المفاوضات بين الطرفين في فبراير/ شباط الماضي وبموجب اتفاق "الوضع الخاص". وكان كاميرون طالب خلال مفاوضات شاقة مع الاتحاد الأوروبي بتنفيذ إصلاحات تشمل تقليص الهجرة بين الدول الأوروبية، وبالأخص من دول شرق أوروبا التي انضمت حديثاً للاتحاد الأوروبي، وفرض مهلة 4 سنوات قبل دفع أي إعانات اجتماعية للمهاجرين المتحدّرين من داخل الاتحاد الأوروبي، بهدف العمل في بريطانيا، وإعطاء المزيد من الدور للبرلمانات الوطنية، والتخلي عن الخطوات التي من شأنها أن تزيد من سلطات ومسؤوليات الاتحاد الأوروبي. وفي ملف السيادة الوطنية، طالب كاميرون في مفاوضاته بتوضيح أن عبارة "اتحاد أوثق من أي وقت مضى"، الواردة في الميثاق الأوروبي، لا تعني "التكامل السياسي" بين دول الاتحاد. وعلى الرغم من أن المفاوضات لم تكن لصالح كاميرون في هذه النقطة، إلا أنه ضمِن التوصل إلى اتفاق لتعديل المعاهدات القائمة بحيث يكون واضحاً أن الإشارات إلى "اتحاد أوثق من أي وقت مضى" لا تنطبق على المملكة المتحدة.

ويرى مراقبون أن الاتفاق الذي أنجزه كاميرون، وإن نَجح في بقاء بريطانيا في السوق الأوروبية الموحدة دون التورط بـ"التكامل السياسي" مع دول الاتحاد، إلا أنه قلل من نفوذ بريطانيا السياسي في المجموعة الأوروبية التي ستظل تنظر إلى بريطانيا كشريك اقتصادي، وليس شريكاً سياسياً معنياً بالتكامل السياسي بين دول الاتحاد. وبالتالي من المرجح أن يسعى رئيس الوزراء البريطاني الحالي أو المقبل، لترميم العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، مُستنداً للدعم الشعبي الذي أيد بقاء بريطانيا في الاتحاد، بهدف استعادة النفوذ السياسي في المجموعة الأوروبية، وأخذ دور أكثر إيجابية ونشاطاً في الاتحاد الأوروبي.

ومن أجل فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي، من المُرجح أن يُسارع رئيس الوزراء البريطاني إلى إجراء تعديل حكومي يستبعد ستة وزراء خالفوه الرأي ودعموا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنهم وزير العدل مايكل غوف، ووزير الثقافة جون وايتنغديل، ووزيرة شؤون أيرلندا تيريزا فيلارز. كما يُرتقب أن يعمد كاميرون إلى تشكيل حكومة تضم شخصيات ذات ميول أوروبية، وقادرة على إعادة ترتيب العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. كذلك سيحاول كاميرون لمّ شمل صفوف حزب المحافظين، وترميم الانقسام الذي حصل في صفوفه بسبب الاستفتاء. وقد أكد كاميرون في وقت سابق أن حزب المحافظين سيتحد مرة أخرى بعد انتهاء حملة الاستفتاء، وأن الحزب سيتوحد مرة أخرى، ويشكل حكومة إصلاحية تركز على حل المشاكل المحلية، ولا سيما في قطاعات الصحة والتعليم والسكن، وغيرها من الخدمات العامة التي يشكو المواطن البريطاني من تراجعها بشكل غير مسبوق.

 


سيناريو الخروج

في حال اختار البريطانيون التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإنه مع ساعات الصباح الأولى من يوم الجمعة، يتوقع أن يظهر رئيس الوزراء البريطاني أمام وسائل الإعلام معلناً قبوله، ولو على مضض، النزول عند إرادة الناخبين الذين فضّلوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن غير المُرجح أن يتطرق كاميرون في خطاب "الهزيمة" لأي تفاصيل تتعلق بالخطوات التالية بعد تصويت غالبية البريطانيين لصالح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

أما خلف الأبواب المغلقة، يتوقع أن يجمع رئيس الوزراء البريطاني فريقه الحكومي ومستشاريه لتدارس مستقبل حكومته، وإذا ما كان بمقدوره الاستمرار في منصبه بعد خسارة الاستفتاء. وعلى الرغم من تأكيد كاميرون قبل أيام على البقاء في موقعه، وعدم نيته الاستقالة مهما كانت نتيجة الاستفتاء، إلا أنه، وتحت ضغوط حزبية، قد يقبل بالاستقالة، إذ لا يمكن لديفيد كاميرون الذي قاد حملة "البقاء" في الاتحاد الأوروبي، أن يعود مجدداً ليُشرف على إجراءات "الخروج". كما أنه سيصعب على كاميرون قيادة الحكومة والحزب، بعد الانقسام الواضح الذي حدث في كليهما خلال حملات الاستفتاء.

وقد تتخذ استقالة كاميرون أحد سيناريوهين، إما التوجه يوم الجمعة إلى قصر باكينغهام لتقديم استقالته للملكة إليزابيث الثانية، وبذلك يكون وزير الخزانة جورج أوزبورن الشخصية الأكثر حظاً للتكليف بتشكيل الحكومة الجديدة، أو أن يبقى كاميرون على رأس عمله حتى أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، موعد المؤتمر العام السنوي لحزب المحافظين، حيث يستقيل كاميرون وينتخب المؤتمر زعيماً جديداً للحزب، يكون رئيساً جديداً لحكومة المحافظين.

وأي نقاش حول مستقبل كاميرون السياسي سيفتح شهية منافسه الشرس، عمدة لندن السابق، بوريس جونسون، الذي تزعّم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وظهر أمام الرأي العام البريطاني، وداخل دوائر الحزب المرشح الأقوى لخلافة كاميرون. وتُرجح الأوساط السياسية أن يُسارع جونسون ومعه وزير العدل مايكل غوف، ووزير العمل المُستقيل إيان دنكن سميث، إلى تشكيل تيار ضغط للإطاحة بكاميرون وحليفه، وزير الخزانة، جورج أوزبورن، أحد الطامحين لرئاسة الوزراء بعد كاميرون، وكذلك وزيرة الداخلية، تيريزا ماي، التي لا تخفي طموحها في رئاسة الحكومة. وإزاء هذه الحالة فمن المُرجح أن تميل قيادات الحزب الى سيناريو بقاء كاميرون على رأس الحزب والحكومة حتى المؤتمر العام لحزب المحافظين في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، حتى تهدأ الرؤوس الساخنة بعد الانقسام الذي أحدثه الاستفتاء الأوروبي في صفوف الحزب، وحتى يَتَسنى للحزب انتخاب قيادة جديدة بهدوء.

في موازاة ذلك، يتوقع أن يقضي كاميرون ما تبقى له من أيام في "10 داوننغ ستريت" لترتيب إجراءات فضّ جميع الاتفاقيات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وصولاً للانفصال التام ولكن بشكل تدريجي. ومن غير المعلوم بعد ما إذا كانت الحكومة البريطانية ستشرع في إجراءات الانفصال مباشرة بعد الاستفتاء، أم أنها ستنتظر لبضعة أشهر إلى حين أعداد جميع الملفات قبل التقدم رسمياً بطلب الانسحاب من الاتحاد.

وعلى الحكومة البريطانية أن تعد أولاً مشروع قانون خاص بالخروج من الاتحاد الأوروبي، تطرحه على السلطة التشريعية، إذ إن نتيجة الاستفتاء لن تكون مُلزمة أو نافذة إلا بعد مصادقة مجلس العموم، بغرفتيه (النواب واللوردات) عليها. كما أن خروج بريطانيا النهائي لا يكون سارياً إلا بعد تصديق البرلمان الأوروبي عليه. وسوف تستغرق المفاوضات حوالي سنتين، طبقاً للمادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي التي توضح شروط الانفصال، والكيفية التي يجب أن تسير بها عملية المفاوضات، وإن كان بعض الخبراء يقدّرون أن تستمر إجراءات الانفصال لعشر سنوات وربما أكثر، إلا أن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ترغب في حسم الأمور مع بريطانيا بسرعة إذا اختارت الخروج. وتسري قوانين الاتحاد الأوروبي في بريطانيا خلال المفاوضات، كما تستمر حركة التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشكلها المعتاد، إلا أن بريطانيا لن تشارك في اتخاذ القرارات الداخلية للاتحاد، ولا في الاجتماعات التي ستعقد بخصوص شروط خروجها من الاتحاد.

وعن الأثر المحتمل للخروج على حزب المحافظين، يقول وزير الخزانة، المحافظ الأسبق، كين كلارك، لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إنه "لن يصمد رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، في منصبه أكثر من 30 ثانية إذا خسر الاستفتاء، وسيخلّف ذلك أزمة قيادة في حزب المحافظين". وفي السياق، يعتبر الكاتب في صحيفة "دايلي تلغراف"، فيليب جونستون، أن "الحرب الأهلية داخل حزب المحافظين يمكن أن تؤدي إلى تدمير أحد أقوى الأحزاب وأكثرها شعبية في العالم". وأيده في ذلك الكاتب في صحيفة "فايننشال تايمز"، فيليب ستيفنز، الذي يرى أن "الاستفتاء يمكن أن يؤدي إلى تفتت حزب المحافظين".



وقد يفتح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الباب مُجدداً لمطالبة الحزب القومي الاسكتلندي بإجراء استفتاء جديد حول استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة. في هذه الحالة، يمكن أن تدعم دول الاتحاد الأوروبي استقلال اسكتلندا، على خلاف الموقف في الاستفتاء السابق. ويرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي قد يتخذ هذا الموقف لاعتبارين، أولاً الرغبة في ضم اسكتلندا المستقلة للاتحاد تعويضاً عن خروج بريطانيا، وثانياً من باب الضغط لدفع المملكة المتحدة لإعادة النظر في موقفها والتفكير في إعادة الانضمام للاتحاد.

لكن من المُستبعد أن تسارع اسكتلندا في خطوات استفتاء جديد، قبل انتهاء مفاوضات الانفصال بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، من جهة، وقبل ضمان دعم شعبي واضح من أجل الاستقلال يتجاوز الـ55 في المائة من الشعب الاسكتلندي، كما قالت نيكولا سيرجون، زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي. وكان الاسكتلنديون رفضوا الاستقلال في استفتاء عام 2014 بنسبة 55 إلى 44 في المائة، ومنذ ذلك الحين اكتسب الحزب القومي الاسكتلندي المزيد من الدعم وحصل على 56 من جملة 59 مقعداً لاسكتلندا في مجلس العموم في الانتخابات العامة التي أجريت بشهر مايو/ أيار 2015. ويخشى سياسيون، أمثال جون ميجر وتوني بلير، من أن يُؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم انفصال اسكتلندا، إلى تقسيم المملكة المتحدة، وعودة التوتر والنزعة الانفصالية لأيرلندا الشمالية حيث الكاثوليك القوميين يسعون لضم الإقليم لجمهورية أيرلندا، في حين يرغب خصومهم من البروتستانت في البقاء ضمن المملكة المتحدة.

يتردد في أروقة مجلس العموم البريطاني سيناريو ثالث، ومضمونه أنه في حال تم التصويت لصالح الخروج بأغلبية ضئيلة، لا تصادق السلطة التشريعية على نتيجة الاستفتاء، وتعتبر الاستفتاء مجرد استشارة شعبية، وبالتالي تبقى العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي على حالها. غير أن فقهاء دستوريين يستبعدون هذا السيناريو على اعتبار أن نواب الشعب لا يمكنهم تجاهل الإرادة الشعبية.

ذات صلة

الصورة

سياسة

أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الخميس، بأن بريطانيا اشترطت على إسرائيل السماح بزيارة دبلوماسيين أو ممثلين عن منظمة الصليب الأحمر عناصر النخبة من حماس المعتقلين.
الصورة
ناشطة بريطانية تتلف لوحة بورتريه للورد بلفور بسبب فلسطين (إكس)

منوعات

أعلنت منظّمة بريطانية مؤيدة لفلسطين، الجمعة، أن ناشطة فيها أتلفت لوحة بورتريه معروضة لآرثر بلفور السياسي البريطاني الذي ساهم إعلانه في إنشاء إسرائيل.
الصورة

سياسة

أغلق محتجون مؤيّدون للفلسطينيين اليوم السبت طرقاً خارج البرلمان البريطاني في لندن، مطالبين بوقف فوري للحرب على غزة.
الصورة
تظاهرة تضامنية مع فلسطين وغزة في كتالونيا 26/11/2023 (روبرت بونيت/Getty)

سياسة

منذ صباح 7 أكتوبر الماضي بدا الاتّحاد الأوروبي، أو القوى الكبرى والرئيسية فيه، موحدًا في الاصطفاف إلى جانب إسرائيل، ورفض عملية طوفان الأقصى ووصمها بالإرهاب

المساهمون