أنصاري بدل عبداللهيان: طهران تخلط أوراق سياستها الإقليمية

أنصاري بدل عبداللهيان: طهران تخلط أوراق سياستها الإقليمية

21 يونيو 2016
وصف البعض إبعاد عبد اللهيان (وسط) بـ"العزل" (فرانس برس)
+ الخط -


أثارت تعديلات وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، المتعلقة بتبديل الوجوه التي تتولى مناصب وزارته، الجدل والتحفظ في الداخل الإيراني، فيما قُرئت الخطوة من ناحية ثانية على أن الخارجية الإيرانية تعمل على خلط الأوراق مجدداً، تجهيزاً لتأدية دور أكبر وأكثر ديبلوماسية، فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، لا سيما تلك المرتبطة بجيرانها من العرب، وعلى رأسها دور البلاد في الملف السوري.

في هذا السياق، عيّن ظريف المتحدث باسم خارجيته حسين جابري أنصاري، يوم الأحد، رئيساً للدائرة العربية والأفريقية، التابعة للخارجية، خلفاً لحسين أمير عبد اللهيان، الذي بقي في هذا المنصب لخمس سنوات متتالية. وبعد أشهر من تولي أنصاري مهمة المتحدث باسم هذه الوزارة، يتولى الرجل مهمة حساسة للغاية، في وقت تعقدت فيه ملفات المنطقة العربية، التي أدى فيها عبد اللهيان دوراً بارزاً وواضحاً، بل متشدداً فيها.

أما أنصاري، فمعروف بقربه من العرب، وهو يتقن اللغة العربية ويتحدثها بطلاقة، ولعلّه السبب الأبرز لاختياره في هذا المنصب، في حكومة ترفع شعار الاعتدال، وتدعو للتقارب مع الآخرين. بالتالي لا يصبّ التوتر الحاصل مع جيرانها لصالحها، لا في الداخل ولا في الخارج، وهو الذي تولّى مناصب عدة في الخارجية نفسها من قبل، فكان مستشاراً لرئيس الدائرة العربية، وعمل كرئيس لحلقة دراسات الشرق الأوسط، بالإضافة لكونه سفيراً سابقاً لإيران في ليبيا.

أما عبد اللهيان فبات مستشاراً للوزير، وهو المعروف بقربه من الحرس الثوري الإيراني، الذي يدير في الواقع ملفي سورية والعراق على الأرض، وهو أكثر قرباً من الطيف المحافظ، لا المعتدل أو الإصلاحي في البلاد. وقبل إجراء التغييرات في المناصب، تبادلت وسائل إعلام الداخل الإيراني أنباءً توقعت حصول تبديل في مهام مسؤولي الخارجية، ومنها ما نُقل عن وجود خلاف بين عبد اللهيان ومن تبقّى من الطاقم الوزاري، ومنهم ظريف نفسه. وأفادت أنه سيتم إبعاد عبد اللهيان عن الواجهة، ليعمل كسفير في سلطنة عمان، وهي البلد الأقرب لطهران خليجياً، والدولة التي تؤدي دور الوسيط الدائم بين إيران والآخرين من العرب والغرب على حدّ سواء، وهو ما يعني عدم القدرة على حذف شخصية كعبد اللهيان من المشهد.





من جهتها، ذكرت وكالة "إيسنا" نقلاً عن مصدر وصفته بالمطلع، أنه "تمّ تعيين عبد اللهيان بالفعل في منصب السفير الإيراني في مسقط، لكن أسباباً شخصية وعائلية، هي التي منعته من تولي هذه المهمة"، على حد تعبيره. مواقع كثيرة، غالبيتها مقرّبة من الطيف المحافظ، وصفت تعيين عبد اللهيان كمستشار بالعزل والإبعاد، ولم تتقبل فكرة أن يبتعد عن الدائرة التي جعلته يؤدي دوراً رئيساً في ملفات حساسة، وتعني طهران بشكل مباشر.

يحمل عبد اللهيان شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة طهران، ويتقن العربية أيضاً. وكان مسؤولاً عن دائرة الدول الخليجية في الخارجية الإيرانية عام 2010، كما كان سفيراً لبلاده في البحرين بين عامي 2006 و2010. كما كان مساعداً خاصاً لشؤون العراق لوزير الخارجية بين عامي 2003 و2006، وتخصّص في قضايا المنطقة ونشر كتباً ومقالات حولها.

أما في شأن ردود الفعل المنتقدة لقرار ظريف، فقد توالت تباعاً، وفي هذا الصدد أصدر التشكيل الطلابي التابع لقوات التعبئة المعروفة باسم الباسيج، بياناً جاء فيه أن "تبديل عبد اللهيان بعد ثلاثة أيام من عقد الوزير لاجتماع مع نظيره الأميركي جون كيري في أوسلو، لا يعني إلا إضعاف جبهة المقاومة".

وأفاد البيان أن "الولايات المتحدة وحلفاءها وعددا من الدول العربية التي تقف ضد إيران، قد طالبت من قبل بعزل عبد اللهيان، بسبب دوره المؤثر والداعم لمحور المقاومة في الإقليم". واعتبر التشكيل الطلابي أن "اتخاذ قرار من هذا النوع يعني التقارب مع السعودية".

واعتبر طلاب "الباسيج" أن "عزل عبد اللهيان يثير الحيرة والتعجّب والاستغراب، في وقت يحقق فيه محور المقاومة انتصارات ميدانية واضحة"، ويرون بأن "الخارجية الإيرانية تجهّز للتوصل لاتفاق ثان، يتعلق بأمور المنطقة، وهذا بعد الإعلان عن اتفاقها الأول، وهو الاتفاق النووي مع السداسية الدولية". وطالبوا أخيراً بـ"الالتزام بأوامر المرشد علي خامنئي، الذي دعا لإحباط مخططات أعداء إيران، لا بل منع التفاوض مع واشنطن إلا فيما يتعلق بالنووي".

من جهتها، ركزت وكالة أنباء "فارس" المحسوبة على الطيف المحافظ المتشدد، على تغريدات بعض الشخصيات وحتى بعض المواطنين الإيرانيين على موقع "تويتر"، التي عكست ردود الفعل حول قرار ظريف، وكثير منها اعتبر أن "الخارجية الإيرانية تجهز للتوصل لتسوية إقليمية، لن تكون ممكنة بوجود شخصية كعبد اللهيان في واجهة المشهد".
لكن المواقع المقربة من الحكومة الإيرانية، حرصت على عدم اعتبار الأمر عزلاً أو إبعاداً، بل ركزت على تعيين عبد اللهيان كمستشار لظريف. وفي حقيقة الأمر، فإن توزيع الأدوار يبقى مطلوباً في السياسة الإيرانية، لتحافظ البلاد على أداء دور فاعل في قضايا استراتيجية تعنيها، من دون الإصرار على خطوات منفعلة، قد تطيح بدورها الإقليمي وحتى الدولي.

تأتي هذه الخطوة بعد تسليم أمين مجلس الأمن القومي الأعلى علي شمخاني، لمنصب المنسق الأمني والعسكري والسياسي بين إيران وروسيا وسورية. وهو منصب مستحدث، وكان هذا، بعد عقد اجتماع بين وزراء دفاع البلدان الثلاثة، استقبلته العاصمة طهران في وقت سابق. وهي الخطوة التي فُسّرت على أنها نقل للملف السوري الذي يمسك بزمامه الحرس الثوري، لمستوى أعلى وأكثر رسمية في إيران. لكن الجدير بالذكر أن شمخاني، المعروف بتوجهاته الإصلاحية، شخصية مقرّبة جداً من الحرس، ومن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بالذات، فهو الذي كان عسكرياً في الحرس وفي الجيش أيضاً. وهذا قبل أن يبدأ بتولي مناصب حكومية، ويستطيع الرجل تحقيق التقارب بين شخصيات الحرس والحكومة المعتدلة التي يترأسها حسن روحاني. لكن كل هذه التغييرات لا تعني إلا جدية أكبر في التعاطي وانخراطاً أكبر فيما يتعلق بالوضع الميداني على الأرض في سورية من جهة، وبطاولات الحوار التي تضم فاعلين دوليين مؤثرين في هذا الملف من جهة ثانية.