"سياسة الصمت" تمدّد: بوتفليقة يكمّم أفواه جنرالات الجيش والاستخبارات

"سياسة الصمت" تمدّد: بوتفليقة يكمّم أفواه جنرالات الجيش والاستخبارات

03 يونيو 2016
"الصمت" مفروض على قادة الجيش (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -


تعمل السلطات الجزائرية على تمتين سياسة "الصمت" في الأجهزة الأمنية والعسكرية، بعد الخطوة الجديدة التي كلّف الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، الحكومة بها، وتتلخّص بإعداد عاجل لمسودة قانون جديد، يتضمّن إلزام ضباط الجيش والاستخبارات والعسكريين بـ"واجب التحفظ وعدم الحديث عن فترة خدمتهم العسكرية في الجزائر".

وتأتي المسودة، في سياق استباقي لمنع خروج عدد من ضباط الاستخبارات والجيش عن صمتهم، وكشف أسرار المؤسسة العسكرية والأمنية، المتعلقة بأحداث مفصلية في تاريخ الجزائر، تحديداً بما يتصل بهجوم الجيش على الإسلاميين في يناير/كانون الثاني 1992، وما تلاه من أزمة أمنية عاصفة، إضافة إلى كشف ملفات رجال السلطة والفساد وغيرها.

وما دفع السلطة إلى اعتماد هذا الأسلوب هو إدلاء الجنرال، محمد تواتي، باعترافات حساسة لوسائل إعلام فرنسية، عندما كشف عن أن "توقيف المسار الانتخابي في عام 1992 كان خطأ"، بما يشبه "إعلان التوبة" و"رسالة اعتذار". لكن يبدو أن الأمر كان فاتحة لمزيد من الاعترافات وكشف أسرار المؤسسة العسكرية والسياسية، وكيفية إدارة شؤون البلد في تلك الفترة الحساسة. كان تواتي يُعرف في قيادة المؤسسة العسكرية بـ"المخ والعقل المدبر"، وكان أبرز العقول العسكرية التي دبّرت لحرب 1992، التي أودت بحياة ما بين 150 إلى 200 ألف قتيل.

بالتالي أظهرت السلطة خشيتها من استمرار مسلسل "كشف المستور"، والاعترافات من قبل تواتي وعدد من العسكريين، الذين يُعرفون بـ"جنرالات يناير". مع الخشية من أن يكون الأمر بداية جدل سياسي واعلامي بين الجنرالات وتوجيه اتهامات متبادلة لبعضهم البعض، ما حدا ببعضهم إلى تقديم اعترافات خطيرة من الناحية السياسية والجزائية، خصوصاً بعد المواجهة الإعلامية التي دارت قبل شهرين بين الجنرال خالد نزار، أحد قادة حرب 1992، والجنرال محمد بتشين، الذي كان يقود جهاز الاستخبارات قبل عام 1990، وعمل كمستشار عسكري أيضاً إلى جانب الرئيس السابق، اليمين زروال. حينها اتهم بتشين نزار بـ"التورّط في إفشال محاولات الحوار مع الإسلاميين عام 1994"، وتوعّد بكشف كل التفاصيل المرحلة في كتاب قيد التأليف.


قد لا تكون كتب ضباط فارين من الجيش هي المعنية بمشروع القانون، الذي يعتزم بوتفليقة إقراره، باعتبار أنها كتب لا يمكن التحكم فيها، بحكم تواجد كتّابها في حالة المنفى الاختياري في الخارج. لكن المعنيين بالقانون بالدرجة الأولى، هم كبار ضباط الجيش والاستخبارات، الذين كانوا على رأس القيادة السياسية والأمنية والعسكرية في فترات حساسة من تاريخ الجزائر. ويسعى بوتفليقة، والمقرّبون منه، إلى الحدّ من المزيد من كشف أسرار السلطة في مستوياتها المختلفة، ومنع توريط الجيش في مسار جديد من التشكيك والاتهامات والاتهامات المضادة، والمساس بسمعة المؤسسة العسكرية، وإثارة جدل حول مسار وأحداث وانقلابات واغتيالات وأحداث متعددة، كانت المؤسسة الأمنية والعسكرية طرفاً فيها منذ سبعينيات القرن الماضي.

وبحسب بوتفليقة، الذي يحتفظ أيضاً بصفة وزير الدفاع الوطني والقائد الأعلى للقوات المسلحة، في اجتماع مجلس الوزراء يوم الثلاثاء، أن مشروع القانون يهدف إلى "الحفاظ على الصورة اللامعة للجيش في مجتمعنا وإبقاء هذه المؤسسة في خدمة الجمهورية لا غير". وشدّد بوتفليقة على أن "مؤسسة الجيش يجب أن تبقى فوق أية رهانات سياسية"، وطالب الحكومة بـ"ضرورة الشروع سريعاً في إعداد مشروع القانونين اللذين قمنا اليوم بالمصادقة عليهما".

بالنسبة إلى مشروع القانون، فإنه سيدعم نصّاً قانونياً حالياً، يلزم كبار موظفي الدولة بواجب التحفظ لمدة ثلاث سنوات، ويلزم كبار ضباط الجيش بـ"واجب التحفظ ويكون ممنوعاً عليهم الحديثُ لوسائل الإعلام أو إفشاء أية معلومات أو أسرار أو تحاليل عن سابق خدمتهم العسكرية والأحداث المرتبطة بها".

لكن القانون لا ينفصل عن مشهد يمتد إلى أكثر من سنة، من الاستفزازات السياسية العنيفة، التي توجّهت بها قيادات سياسية موالية لبوتفليقة، إلى الحدّ الذي ظهر وكأنها رسالة من بوتفليقة نفسه إلى ضباط من الجيش والاستخبارات، أُنهيت فترة خدمتهم قبل فترة، تحديداً قائد جهاز الاستخبارات السابق، محمد مدين، الذي أقاله بوتفليقة في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، مع عدد من معاونيه في دوائر مختلفة من جهاز الاستخبارات،

مع العلم بأن العسكريين كانوا ينوون الخروج عن صمتهم، بعد الانتقادات التي وجّهها الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" عمار سعداني، لمدين. لكن اللافت أن بوتفليقة استبق محاولة خروج العسكريين عن صمتهم، من دون التوجه إلى القيادات السياسية الموالية له، ودعوتها إلى التوقف عن مهاجمة ضباط الجيش والاستخبارات. كما أن مشروع القانون الجديد الذي يعتزم بوتفليقة إقراره، يعزز مادة يتضمنها قانون "المصالحة الوطنية"، الصادر عام 2005، والذي ينصّ على "منع إثارة أية ملاحقة قضائية متعلقة بملفات ذات صلة بالأزمة الأمنية، كما تمنع الخوض في هذه الملفات".

وبحسب مراقبين فإن بوتفليقة وعصب السلطة في الجزائر انزعجوا بشكل كبير من الجدل والمواجهة الإعلامية، التي حدثت قبل فترة بين جنرالات وضباط في الجيش والاستخبارات المتقاعدين. وتسعى السلطة إلى ضبط قواعد اللعبة السياسية.

في هذا السياق، يعتقد المحلل السياسي الجزائري، نصر الدين بن حديد، أن "هذا القانون جزء من مسعى السلطة المركزيّة، لضبط الوضع داخل منظومة الحكم وعدم الخروج بالفعل وردّ الفعل إلى الصحافة والإعلام والنشر".

ويشير إلى أن " قانوناً كهذا موجود في عدد من الدول الديمقراطية، وهدفه إلزام كبار الضباط بما يسمى واجب التحفظ. لكن في الدول الديمقراطية، هناك قنوات أخرى، مثل مراكز الدراسات ومجامع البحوث، التي تستفيد من تجربة هذه الفئة وتحول تجربتها ومعارفها وقدرتها إلى طاقة فاعلة". ويضيف "مع غياب هذه المراكز والمجامع في الجزائر، أو عدم أداء الموجود منها ما هو مطلوب في مثل هذا الظرف بالذات، يكون السؤال عن فائدة هذا القرار وجدواه بالمفهوم الاستراتيجي".

المساهمون