ما أشبه اليوم بالبارحة

ما أشبه اليوم بالبارحة

19 يونيو 2016
قد ينفد صبر الشعب سريعاً (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -
تحيل تطورات المشهد السياسي التونسي هذه الأيام على نهايات سنة 2013، عندما قامت المعارضة التونسية لحكومة الترويكا وقتها بحشد قواتها من أجل إسقاطها وتغيير نظام الحكم، وقاد هذا إلى الحوار الوطني وإعادة تشكيل حكومة محايدة وصولاً إلى إجراء الانتخابات.
ويكمن الفرق بين المرحلتين في تفصيل سياسي واحد، وهو أن تغيير هذه الحكومة لم يأتِ بمبادرة للمعارضة بل من الحاكمين أنفسهم، وفيما عدا ذلك فالمشهد تقريباً يعاد بذات التفاصيل: فشل حكومي، وتردٍّ اقتصادي، ووضع اجتماعي محتقن، وتنامي ظاهرة الفساد والرشوة، وأرقام تهدد بالكارثة... لذلك تم الاستنجاد بخارطة طريق، وبحوار وطني، ومشاورات لوضع حكومة جديدة لعلها تحقق ما فشلت فيه كل سابقاتها، بذات الأولويات والبرامج، ولتحقيق نفس الأهداف.
غير أن بحث الفرق بين المرحلتين يقود أيضاً إلى جملة من الخلاصات الهامة، أولها أن تونس لا تزال تحت وضع مؤقت، على الرغم من وهم الخروج إلى المستقر والدائم بعد الانتخابات، وهو ما انعكس جلياً في التغييرات الحكومية المتتالية والبحث باستمرار عن صيغة تنقذ الوضع، وتفادي الفشل الذي أحاط بكل الحكومات قبل الانتخابات وبعدها.
لكن اللافت أن الحكام هذه المرة، لم ينتظروا نضوج الثمرة أمام المعارضة لمحاولة إسقاطهم، بل استبقوا ذلك بالامساك بزمام المبادرة، وقطع الطريق أمام منافسيهم، على ضعفهم. مع العلم أنه على الجميع في تونس، حكاماً ومعارضين، الاقرار بأن المناورات السياسية ليست هي الحل، بدليل استفحال الأزمة. ما يدعو إلى فهم نهائي وقاطع بأن الحقيقة تكمن خارج الممارسة السياسية، وتسكن حيث معاناة الناس، وتفاصيل عيشهم الصغيرة، وآمالهم الآخذة في التراجع، ما يستوجب البحث عن حلول واقعية، في الشارع، بعيداً عن أروقة التحالفات وكسب النقاط، وامتهان الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
مع ذلك، وعلى الرغم من أن المشهد ليس أسود بالكامل ولا قاتماً، بالنظر إلى مناخ الحرية الذي احتلّ موقعه نهائياً في سماء البلاد، فإن النخبة السياسية بالكامل يميناً ويساراً، ينبغي أن تتوقف عن المتاجرة بآلام الناس، غير مكترثة بمعاناتهم إلا في المنابر وأمام الكاميرا، وأن تفهم أن صبر التونسيين طال أكثر مما ينبغي، وقد ينفد ويقلب المشهد رأساً على عقب.

المساهمون