أحكام التخابر في مصر للانتقام من الثورة ومنابرها

أحكام التخابر في مصر للانتقام من الثورة ومنابرها

19 يونيو 2016
أثناء تلاوة الحكم أمس (العربي الجديد)
+ الخط -
جدّدت مؤسسة القضاء المصري، أمس السبت، من خلال الحكم الذي أصدرته ضد الرئيس المعزول، محمد مرسي، و10 آخرين، بينهم عدد من الصحافيين، حُكموا بالإعدام، تأكيد أن النظام في القاهرة يسير بخطى ثابتة في سياسة "عدم إبقاء أي صوت رافض لانقلاب العام 2013"، عبر استخدام ورقة الإعدام والسجن المؤبد والتحريض ضد دول عربية وتحويل مؤسسة القضاء إلى أداة سياسية بيده. نهج يتجاهل كل الانتقادات الغربية لما بات يسمى في الإعلام الأجنبي "مهزلة القضاء المصري"، نظراً لعدم مراعاة المحاكم أي معايير قانونية، ونظراً لفداحة تحولها إلى وسيلة للانتقام السياسي من الثورة المصرية ورموزها من شباب وناشطين وسياسيين وإعلاميين، بدليل الانتقام الممنهج من قناة "الجزيرة" وغيرها من وسائل إعلام كانت ولا تزال تجاهر بتأييدها للثورة المصرية ولمبادئها.

في هذا السياق، برّر القاضي محمد شيرين فهمي حكمه، بالقول إن "المتهمين حصلوا على سرّ من أسرار الدفاع عن البلاد بغرض تسليمه دولة قطر بمقابل مادي، وذلك بغرض الإضرار بمركز البلاد الدفاعي والسياسي والدبلوماسي". وأضاف أن "المتهمين قد عرّضوا الوطن لخطر عظيم لا يستقيم أن تكون عقوبته أقل من القتل".

ويُمكن الخروج بعدد من الرسائل السياسية التي يعيد النظام توجيهها في اتجاهات متباينة. وحول التداعيات السياسية للحكم وتأثيرها على العلاقات الإقليمية للقاهرة مع العواصم العربية، يقول الخبير السياسي، أمجد الجباس، إنه "ليس هناك ارتباط واضح بين البعد الإقليمي لهذه القضايا، والبعد الداخلي"، موضحاً أنه "لن يكون لها تأثير إضافي على العلاقات بين مصر وقطر، خصوصاً أن الجانب القطري يدرك تماماً أنها ليست موجّهة له، ولكنها موجّهة للأطراف المصرية الداخلية، كما أن القضية ليس بها متهمون قطريون".

ويؤكد الجباس لـ"العربي الجديد"، أن "مثل هذه القضايا يكون الهدف منها الضغط على الطرف الداخلي المصري، والجميع يعلم ذلك، حتى إذا جاءت اللحظة التي حتماً سيصل لها أطراف المعادلات المصرية وهي المصالحة، تنزل السلطة بأدنى سقف مطالب للطرف الآخر، وهم معسكر الشرعية وأنصار الرئيس المعزول وجماعة الإخوان المسلمين، وتخفّض من حجم تطلعاتهم".




ويلفت إلى أن "الأمر نفسه كان المقصود به الزج بحركة حماس في قضية مشابهة، ليتم استخدامها لاحقاً في الضغط على الحركة في قضايا مشتركة أخرى"، موضحاً أنه "على الرغم من صدور حكم بحق أطراف من حماس في قضية تخابر شبيهة، إلا أن العلاقات بين الجانبين مستمرة، وجهاز الاستخبارات المصري استقبل وفد للحركة في مارس/آذار الماضي".

من جهته، يقول عبدالمنعم عبدالمقصود عضو فريق الدفاع عن الرئيس المعزول، محمد مرسي، إنهم "سينتظرون 30 يوماً لحين صدور حيثيات الحكم في قضية التخابر مع قطر". ويوضح، أنه "ندرس الحيثيات جيداً، وسنقوم بالردّ عليها"، مضيفاً أنه "سيكون هناك ملاحظات قانونية كثيرة على الأحكام الصادرة بحق المتهمين في القضية، ومعيبة وبها تضارب في بعض الاتهامات".

وينوّه مقصود إلى أنه "سنطعن بعد 60 يوماً من صدور الحكم أمام محكمة النقض التي نعوّل عليها كثيراً"، لافتاً إلى أنه "هناك أزمة كبيرة تواجه فريق الدفاع عن الرئيس المعزول، وهي منع السماح له بالاجتماع مع فريق دفاعه أو أي منهم، وهو أمر غير قانوني". ويُشدّد على أنه "في أوقات كثيرة نضطر لأخذ خطوات في عملية التقاضي من دون معرفة رأيه".

والغريب أن المحكمة قضت بتبرئة المعتقلين من الاتهام الأول الأساس، وهو التخابر واختلاس الأوراق والوثائق وفقاً لزعم النيابة، وهو الاتهام الذي بنيت عليه بقية الاتهامات، بينما عاقبتهم على الاتهامات المبنية على التهمة الأساسية الصادر فيها حكم البراءة.

والقضية بدأت أول خيوطها، من خلال مؤتمر صحافي لوزير الداخلية المصري السابق، محمد إبراهيم، أعلن خلاله أن الطالبة كريمة الصيرفي، ابنة أمين الصيرفي، أحد مستشاري مرسي، متهمة، مع آخرين، بالتخابر مع قطر، مدعياً أن مستشار مرسي قام بتهريب كمية كبيرة من الأوراق التي تمسّ الأمن القومي المصري من داخل مؤسسة الرئاسة، والاحتفاظ بها في منزله، قبل الانقلاب العسكري على مرسي بأيام.

لتقوم النيابة العامة بعد هذا المؤتمر بالإعلان عن تفاصيل القضية والمتهمين بها، ويقرر النائب العام المغتال، هشام بركات، إحالة القضية إلى محكمة الجنايات التي نظرت القضية على مدار 99 جلسة هزلية، تم خلالها تحرير ألف صفحة بمحاضر جلسات القضية.





وطيلة جلسات المحكمة حتى جلسة النطق بالحكم تمسك مرسي، بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر القضية، مشدداً على أن هذه المحكمة شكلت بطريقة غير التي حددها القانون والدستور بشأن محاكمة رئيس الجمهورية، وأنها مخالفة من حيث الشكل والإجراءات وطريقة الانعقاد.

وفندت هيئة الدفاع عن المعتقلين طوال جلسات المحاكمة الاتهامات المزعومة المنسوبة لموكليهم، من خلال بطلان الأذونات الصادرة بالضبط والتفتيش لاستنادها على تحريات خالفت الحقيقة والواقع وافتقدت شرطي الجدية والكفاية، وبطلان استجواب المعتقلين لعدم حضور محامي معهم.

كما فنّدت هيئة الدفاع الاعترافات المنسوبة إلى بعض المعتقلين، وقال محمد الجندي، محامي المعتقل السادس في القضية محمد عادل الكيلاني، إن موكله تعرض للتعذيب والإكراه البدني والمعنوي من أجل الاعتراف بما نُسب إليه في التحقيقات.

وأضاف الدفاع، أنه تم تجريد موكله من ملابسه كاملة مدة 3 أيام، من تاريخ القبض عليه، وممارسة التعذيب معه بوضع أسلاك كهربائية في جسمه، وتهديده بالإتيان بزوجته أمام عينه والاعتداء عليها جنسياً، إذا لم يقر بالوقائع المنسوبة إليه، مطالباً بإثبات ذلك والحديث بشأنه. وهو الأمر عينه الذي حدث مع المعتقل الخامس خالد حمدي عبد الوهاب أحمد رضوان.

كما فنّدت هيئة الدفاع مزاعم أقوال الشهود، وأثبتت تضاربها مع بعضها بعضاً، وعنف القاضي خلالها الشهود لعدم تذكرهم أي شيء من وقائع القضية، وكذلك ممثل النيابة العامة الذي كان يوجه الشهود علناً لإدانة المعتقلين.

كما استعرضت المحكمة خلال جلسات القضية الأحراز الخاصة بالمعتقلين وكانت "هزلية"، ولا تدين المتهمين بأي عملية للتخابر إطلاقاً، وكانت عبارة عن مجموعة من الأغاني والأفلام والصور الشخصية والعامة. وقد احتوت على عدد كبير من الصور الشخصية، وأفلام "كارتون" مختلفة لشخصيات "والت ديزني"، وصفحات من القرآن الكريم، وملفات صوت تبين أنها أغاني للمطرب عمرو دياب والمطرب "محمد منير" فضلاً عن أغنية مقدمة برنامج "بركات ملك الحركات" الذي ذاعت شهرته قبل مواسم رمضانية عدة، وأداها المغني أبو الليف، بالإضافة إلى عدد من الأغاني الأجنبية.



المساهمون