تعديلات بوتفليقة الحكومية: الإطاحة بآخر وزراء الاستخبارات

تعديلات بوتفليقة الحكومية: الإطاحة بآخر وزراء الاستخبارات

13 يونيو 2016
لم تستجب التعديلات لمطالب بإصلاحات سياسية (Getty)
+ الخط -
بعد شهرين من الترقب، أفرج الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، عن تعديل حكومي طفيف كان متوقعاً أن يقره في شهر إبريل/ نيسان الماضي، لكنه لم يكن في المستوى المتوقع ولم يحمل أية إشارات سياسية عن توجّهات جدية للاستجابة لمطالبات سياسية تشهدها الجزائر بمواجهة التداعيات الوخيمة للأزمة النفطية التي باتت تخنق البلاد.
وغابت التقديرات الاقتصادية عن التعديل الحكومي الذي أقره بوتفليقة أول من أمس السبت، والذي طاول خمس وزارات بينها إنهاء مهام أربعة وزراء، في ظل أزمة خانقة تشهدها الجزائر بسبب تراجع عائداتها المالية وخسارتها لما يقارب 100 مليار دولار على خلفية أزمة النفط. لكن الحسابات السياسية كانت أكثر بروزاً عبر تطهير الحكومة من بقايا الاستخبارات من جهة، والرد على المعارضة. وأنهى بوتفليقة مهام وزير الطاقة صالح خبري، ووزير المالية عبد الرحمن خالفة، والوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان الطاهر خاوة، ووزير السياحة عمار غول، وقرر تعيين مدير عام شركة الكهرباء نور الدين بوطرفة كوزير للطاقة، وحاجي بابا عمي وزيراً للمالية، ونائبة رئيس البرلمان غنية ايداليا وزيرة مكلفة بالعلاقات مع البرلمان. كما نقل وزير الزراعة عبد الوهاب نوري إلى وزارة السياحة، ووزير الأشغال العامة عبد القادر واعلي إلى وزارة الموارد المائية، وألحق وزارة النقل بوزارة الأشغال العامة بقيادة بو جمعة طلعي، وعيّن عبد السلام شلغم وزيراً للموارد المائية، إضافة إلى استحداث كتابة دولة جديدة في الحكومة.
ويكون الرئيس الجزائري بهذا التعديل، قد أطاح من الحكومة بآخر الوزراء والشخصيات المحسوبة على الاستخبارات، وهو وزير السياحة عمار غول المنشق عن حزب "إخوان"، حركة "مجتمع السلم"، منذ يونيو/ حزيران 2012، والذي يُعرف بعلاقته مع القائد السابق لجهاز الاستخبارات الجنرال محمد مدين (الجنرال توفيق)، ولم يكن يتردد بالقول في المؤتمرات الصحافية بأنه يمارس لعبة كرة القدم أسبوعياً مع مدين، والذي أقاله بوتفليقة في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي. ويُعتقد أن مدين كان وراء دفع غول إلى الانشقاق عن "إخوان" الجزائر وتأسيس حزب سياسي، وكان من بين الأسماء التي حاول جهاز الاستخبارات طرحها لتولي رئاسة الحكومة عام 2013. وفي السياق نفسه، تم إبعاد شخصيات أخرى مرتبطة بجناح الاستخبارات، كوزير العلاقات مع البرلمان الطاهر خاوة، فيما سبق قبل أسبوع إقالة محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي في السياق نفسه.
اللافت أن التعديل الذي يُعدّ الثاني من نوعه خلال عام، والرابع منذ تعيين عبد المالك سلال على رأس الحكومة في سبتمبر/ أيلول 2012، أدمج وزارتين معاً، هما الأشغال العامة (البنية التحتية) والنقل، على الرغم من الأهمية الاستراتيجية للقطاعين، إضافة إلى تكليف عبد الوهاب نوري الذي أخفق في إدارة قطاعي الزراعة والموارد المائية سابقاً، بقطاع السياحة الذي سوّقت السلطة أخيراً أنه القطاع الاستراتيجي الذي تعتمد عليه كبديل للنفط، وهو ما يؤكد حالة التخبط التي تعيشها منظومة صناعة القرار في الجزائر.


في سياق آخر، يؤشر إنهاء مهام ثلاثة وزراء لم يمضِ على تعيينهم في منصبهم أكثر من سنة، على العشوائية التي باتت تطبع قرار تعيين الوزراء في الحكومة الجزائرية واختيار "البروفايلات" الوزارية، خصوصاً أن ذلك يكرس حالة الارتباك السياسي في أعلى هرم السلطة وعدم استقرار توجّهات القرار السياسي في البلاد. ويتعلق الأمر بالوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان الطاهر خاوة، والذي تسببت تحركاته السياسية داخل حزبه ورغبته في دعم حركة انقلاب مناوئة لعمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير، والذي يحوز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان، في دفع كتلة نواب الحزب إلى محاولة منعه من الدخول إلى البرلمان. فيما دفع وزير المالية والخبير الاقتصادي السابق عبد الرحمن بن خالفة، ثمن فشل خطة القروض السندية التي أصدرتها الحكومة لدعم موازناتها الداخلية، وكذلك تصريحاته المثيرة، والتي "أفتى" فيها بجواز هذه القروض، وهو ما أثار رد فعل عنيفاً من قبل المؤسسة الدينية في الجزائر، وكان محل انتقاد حكومي حتى من قِبل وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى.
وإذا كانت إقالة وزير الطاقة صالح خبري متوقعة، بعد اعتراضه على رفع أسعار الغاز والكهرباء وزيادة أعباء إضافية على المواطن، ودخوله في مواجهة غير معلنة مع مدير شركة الكهرباء والغاز نور الدين بوطرفة، والذي خيّر الحكومة في آخر مؤتمر صحافي عقده قبل بضعة أيام، وقبل تعيينه كوزير للطاقة، بين زيادة الأسعار أو اللجوء إلى الدين الخارجي، فإن أكثر التعيينات المثيرة للجدل في الحكومة الجديدة، تتعلق بتعيين رئيس المجلس الدستوري السابق بوعلام بسايح كوزير دولة والممثل الشخصي لبوتفليقة. ومحل الاستغراب السياسي والإعلامي، لا يتعلق بالاسم، لكنه يتعلق بالعمر، إذ يبلغ بسايح 86 عاماً، وهو في وضع صحي صعب بسبب تقدّم العمر، وبما لا يتيح له السفر وفق ما يقتضيه منصبه كممثل شخصي للرئيس. ويُفهم من تعيين كهذا رغبة بوتفليقة في تكريم سياسي لبسايح، بحكم العلاقة السياسية السابقة بينهما ولكون بسايح ظل أحد أكثر السياسيين المتضامنين مع بوتفليقة، بعد إقصائه من الحياة السياسية بداية الثمانينيات، إثر وفاة الرئيس هواري بومدين.
وإضافة إلى "تطهير" الحكومة من بقايا الاستخبارات، رد بوتفليقة على المعارضة، وأبدى تمسكه بوزراء كانت التوقعات تشير إلى إمكانية مغادرتهم الحكومة، بعد جدل سياسي وإعلامي صاخب أحاط بهم، وكانوا محل انتقادات حادة من قبل المعارضة السياسية، وخصوصاً وزير الاتصال حميد قرين الذي أثار مشكلات كبيرة مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، وتحديداً في ما يعرف بـ"أزمة الخبر" كبرى الصحف الجزائرية، ووزيرة التربية والتعليم نورية بن غبريط التي عرف قطاع التعليم في عهدها فضائح كبيرة على غرار الأخطاء في الكتب المدرسية واستدعاء خبراء فرنسيين للمساعدة على إصلاح النظام التعليمي وانتهاء بفضيحة تسريب أوراق البكالوريا قبل أسبوع من الامتحانات، وكذلك وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب الذي ورد اسمه في فضيحة بنما.
وكان مساعد وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل قد أبلغ مقربين منه عشية زيارته إلى ليبيا في منتصف شهر إبريل/ نيسان الماضي، عزم بوتفليقة على إجراء تعديل حكومي قبل نهاية إبريل/ نيسان، لكن التعديل الحكومي تأخر بسبب نقل بوتفليقة في 24 إبريل/ نيسان للعلاج في سويسرا.

المساهمون