الاستثمارات الإسرائيلية بالصندوق السيادي الأردني:التطبيع الأخطر منذ وادي عربة

الاستثمارات الإسرائيلية بالصندوق السيادي الأردني:التطبيع الأخطر منذ وادي عربة

24 مايو 2016
النواب يحاولون استغلال التطبيع لأهداف انتخابية (فرانس برس)
+ الخط -
أحدث أعضاء في مجلس النواب الأردني، قبل أيام خرقاً مؤقتاً في العلاقات الأردنية- الإسرائيلية من بوابة الاقتصاد، الأمر الذي كان سيمثل سابقة في تاريخ العلاقة بين البلدين منذ توقيعهما معاهدة "وادي عربة" للسلام في العام 1994 التي انتهت بموجبها جميع أشكال العداء الرسمي، دون أن تتمكن من إنهائه شعبياً.

لكن الخرق الذي أشعل الرأي العام لم يصمد سوى ساعتين كانتا كفيلتين بتراجع المجلس عن موقفه "الثوري" ضد إسرائيل، وهو التراجع الذي دفع المجلس في ربع الساعة الأخيرة من عمره ثمنه تراجعاً في شعبيته المتراجعة أصلاً.

فيما كان يناقش مجلس النواب الأحد الماضي مشروع قانون صندوق الاستثمار، قدمت النائبة رولى الحروب مقترحاً مثيراً يحظر على الشركات الإسرائيلية الاستثمار في الصندوق السيادي، وهو المقترح الذي لاقى تأييداً واسعاً من قبل زملائها، الذين أبدوا تخوفاً على اقتصادهم الوطني من سيطرة الشركات الإسرائيلية من بوابة الصندوق، الذي ينظر إليه كطوق نجاة أخير لاقتصاد على حافة الانهيار.

الاندفاع الحماسي من قبل النواب للتصويت على حظر استثمارات الشركات الإسرائيلية في الصندوق، تزامن وجلوس الطفل الفلسطيني أحمد الدوابشة، الناجي الوحيد من جريمة إحراق منزل عائلته في قرية دوما بمحافظة نابلس من قبل المستوطنين، في شرفات المجلس الذي استضافه ذلك اليوم.

الانتصار المؤقت الذي أنجزه النواب بالتصويت بالأغلبية على مقترح النائبة الحروب في ما يتعلق بالتعريفات الواردة في مشروع القانون لتصبح على النحو التالي: "الصندوق: شركة مساهمة تؤسسها الصناديق السيادية العربية ومؤسسات الاستثمار العربية والأجنبية باستثناء الإسرائيلية"، تم التراجع عنه بعد ساعتين عندما أعاد المجلس فتح مواد القانون، وصوت بالأغلبية أيضاً مؤيداً مقترح النائب حديثة الخريشا الذي يعيد التعريف إلى أصله بإزالة عبارة "باستثناء إسرائيل".



وأثار التراجع عن القرار جدلاً تحت القبة عندما تبادل النواب المعارضون والمؤيدون للتراجع عن استثناء إسرائيل الاتهامات فيما بينهم، خاصة وأن أعضاء في لجنة فلسطين النيابية المعنية بالدفاع عن القضية الفلسطينية صوتوا لصالح التراجع، على غرار النائبة ردينة العطي المعروفة بانتمائها إلى حزب البعث العربي التقدمي الأردني الموالي لنظام بشار الأسد.

واحتدم الجدل بشكل أكبر خارج قبة البرلمان، عندما أطلق الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لانتقاد قرار المجلس، والنواب الذين صوتوا لصالح التراجع عن استثناء إسرائيل من المشاركة في الصندوق، وهي الحملة التي تضمنت نشر صور للنواب المصوتين لصالح التراجع خلال زياراتهم المتوالية إلى المسجد الأقصى.

كما اتهم الناشطون أعضاء المجلس بالعمالة وعدم الاستقلالية في اتخاذ قراراتهم، في إشارة منهم لتدخل الجهات الأمنية للتأثير على قرار النواب، فيما عبر ناشطون آخرون عن رفضهم استغلال القضايا الوطنية من قبل النواب لصناعة الشعبية.

رئيس مقاومة التطبيع النقابية مناف مجلي، قال لـ"العربي الجديد" إن "قرار النواب بالسماح لإسرائيل بالمشاركة في الصندوق هو الأكثر اتساقاً مع مجلس نواب يدرك الأردنيون أنه لا يمتلك قراره"، مؤكداً "كنا ننتظر أن يفاجئنا النواب بالتمسك بموقفهم الأول لكنهم لم يفعلوا".

ويعبر مجلي عن شكوكه تجاه الصندوق، خاصة بعد الإصرار على السماح للشركات الإسرائيلية بالاستثمار فيه، ويقول "بعد أن فشل التطبيع الاقتصادي الأردني- الإسرائيلي على المستوى الشعبي، تسعى الحكومة إلى تعزيز الاستثمارات على المستوى الرسمي".



وتكشف الأرقام الرسمية عن تراجع حاد في حجم التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل خلال السنوات الماضية، وفيما سجل التبادل التجاري أعلى قيمه في العام 2008 بنحو 245 مليون دينار أردني (345 مليون دولار) تراجع بشكل مستمر ليسجل في العام 2014 ما مجموعه 99 مليون دينار أردني (139 مليون دولار).

ويرى مجلي أن الإستراتيجية الرسمية تسعى حالياً إلى تعزيز العلاقة الاقتصادية الحكومية مع الجانب الإسرائيلي، بعد أن فشلت جهودها في خلق تطبيع اقتصادي شعبي، ويدلل على ذلك بالمشاريع والاتفاقيات الاقتصادية الحكومية بين الجانبين على غرار مشروع ناقل البحرين واتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من الجانب الإسرائيلي، وهي مشاريع تتمسك الحكومة بها رغم المعارضة الشعبية والبرلمانية لها.

وسبق إحالة مشروع قانون صندوق الاستثمار للبرلمان تأكيدات حكومية أن الهدف من الصندوق رسم العلاقة الاستثمارية بين الأردن والمملكة العربية السعودية بهدف جذب الاستثمارات، وحسب الحكومة فإن مشروع قانون الصندوق جاء في إطار التحضير لمجلس التنسيق الأردني السعودي.

ووفقا لمشروع القانون الذي أقره النواب، فإن الصناديق السيادية ومؤسسات الاستثمار، العربية والأجنبية، ستدعى لتأسيس شركة مساهمة عامة أو أكثر للاستثمار في حقوق التطوير والاستثمار للمشاريع المشمولة في أحكام القانون، والتي حددت جملة من المشاريع الإستراتيجية ترتبط غالبيتها بشكل مباشرة مع المملكة العربية السعودية.

الفقيه القانوني مبارك أبو يامين، والذي شغل منصب رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب الخامس عشر، وصف ما أقدم عليه المجلس من إقرار اقتراح استثناء إسرائيل من المشاركة في الصندوق ومن ثم التراجع عن الاستثناء بـ" المراهقة السياسية". وقال في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "ما جرى تحت قبة المجلس ليس له علاقة بالتشريع ولم يتعد البحث عن الشعبية من قبل النواب".

وبحسبه فإنه "لو كان هناك إرادة سياسية حقيقية لدى النواب بعدم التعامل مع إسرائيل لذهبوا إلى إلغاء معاهدة السلام الأردنية- الإسرائيلية ضمن الأدوات التشريعية التي تخولهم بذلك".

ويحفل تاريخ مجلس النواب منذ مصادقة المجلس الثاني عشر في العام 1994 على معاهدة "وادي عربة" بالمواقف المعادية لإسرائيل، دون أن يتملك القدرة على اتخاذ قرارات تؤثر على طبيعة العلاقات الأردنية- الإسرائيلية سواء كانت سياسية أو اقتصادية.

وخلال السنوات الطويلة تحولت معاداة إسرائيل إلى إحدى أهم ركائز الحملات الانتخابية التي يصممها المرشحون للانتخابات النيابية، حين يعلقون صورهم وهم يحرقون أو يدوسون العلم الإسرائيلي، فيما تبقى قدرتهم على التأثير في العلاقات الأردنية- الإسرائيلي عبر الأدوات التشريعية بعد وصولهم إلى قبة البرلمان محدودة.