خطاب العدناني: تمهيد مسبَق لخسائر "داعش" بالتهديد والتعزية

خطاب العدناني: تمهيد مسبَق لخسائر "داعش" بالتهديد والتعزية

23 مايو 2016
جاء خطاب العدناني قبل المعارك الحاسمة (هيمن بابان/الأناضول)
+ الخط -
في عام 2014، بدا كأن رحلة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في العراق وسورية، قد بدأت للتو، فقد سيطر التنظيم على مدينة الرقة السورية بشكل كامل في يناير/كانون الثاني 2014، وفي يونيو/حزيران من العام نفسه، سيطر على مدينة الموصل، ثاني أهم المدن العراقية بعد بغداد. لاحقاً، بدا كأن العراقيين ينتظرون لمعرفة أي مدينة من مدنهم ستقع لاحقاً بيد "داعش".

اليوم، وبعد نحو عامين على سقوط الموصل، يبدو كأن التنظيم ينتظر الأسوأ، وتجلّى ذلك في التسجيل الصوتي الذي بثّته مؤسسة "الفرقان" الإعلامية، الذراع الإعلامية للتنظيم، يوم السبت، لأبو محمد العدناني، أحد قادة "داعش" البارزين.

جاء خطاب العدناني، ليكون مزيجاً بين التمهيد لخسارة التنظيم مدناً كبرى، في استراتيجيته، كالرقة السورية، والفلوجة العراقية، أو سرت الليبية، وذلك من خلال التأكيد على عدم أهمية التمسك بالأرض، والتهديد بالقيام بعمليات، ولا سيما في أوروبا وأميركا، خلال شهر رمضان (يونيو/حزيران المقبل).

ودعا العدناني من سمّاهم "أنصار الخلافة الإسلامية في أوروبا وأميركا" إلى جعل شهر رمضان الذي وصفه بـ "شهر الغزو والجهاد"، "شهراً للمصائب على الكفار في كل مكان" على حد تعبيره. وأكد "عدم أهمية استهداف المناطق العسكرية وتجنّب المدنيين"، معتبراً أن "استهداف المدنيين أنكى وأنجع وأحبّ إلى التنظيم".

وفي تمهيده لخسارة التنظيم لمواقعه على الأرض، تساءل العدناني مستنكراً "وهل سننهزم إن خسرنا الموصل أو سرت أو الرقة أو جميع المدن وعدنا كما كنا؟ إن الهزيمة تحصل في فقد الإرادة والرغبة في القتال". وتحدث العدناني عن "جبهة النصرة"، باعتباره تنظيماً "كافراً"، واصفاً زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني، من دون أن يُسمّيه، بـ"سفيه القاعدة"، و"المرتد". كما وصف بالردة أيضاً، من سمّاهم "الصحوات"، وهي قوات العشائر السنية التي تدربها الولايات المتحدة، باعتبارهم "موالين للكفار" بحسب وصفه.

لكن التهديد الأكبر من العدناني، لم يكن موجهاً إلى "الصحوات" أو "جبهة النصرة" أو القوات العراقية أو الفصائل السورية، وإنما إلى الولايات المتحدة وأوروبا، تحديداً مع تهديده استهداف أراضي هذه الدول، بشكل مباشر.
 ويهدف التنظيم من دعوة أنصاره لاستهداف الأراضي الأوروبية والولايات المتحدة، إلى زيادة الاستنفار الأمني في تلك الدول، واستنزافها اقتصادياً، وتشكيل رأي عام ضاغط على الحكومات الغربية، لتنسحب من التحالف الدولي ضد التنظيم، في العراق وسورية، ولا تبادر للتدخل في ليبيا.

مع العلم أن "داعش" حاول بعد سقوط الموصل في 2014، الترويج لما سماها "معركة بغداد"، وبدأ بتحريك قواته لاحقاً باتجاه مدينة أربيل، الخاضعة لسيطرة الحكومة الكردية المحلية، لكن الضربات الجوية الأميركية أوقفت تمدده في حينها تجاه أربيل، فقام لاحقاً بالتهديد بدخول سامراء، لكنّ أياً من هذه التهديدات لم ينفذ.

وعلى العكس من التمدد في العراق، بدأ التنظيم بخسارة الكثير من مواقعه منذ بداية عام 2015، في العراق وسورية، بحسب تقارير استخباراتية وإعلامية، تفيد بأن "داعش" خسر ما يزيد على نصف الأراضي التي كان يسيطر عليها في 2014.

فقد خسر التنظيم العام الماضي منطقة عين العرب السورية، في أواخر يناير/كانون الثاني، كما خسر تكريت في 31 مارس/آذار من العام نفسه، وبيجي، والصينية، وسلمان بيك العراقية، فضلاً عن جزيرة الثرثار، الواقعة بين محافظتي الأنبار وصلاح الدين، شمال غربي العراق. وفي العام ذاته، خسر التنظيم تل أبيض السورية، وسنجار، ثم لاحقاً مدينة الرمادي العراقيتين، في 8 ديسمبر/كانون الأول. كما خسر مدينة هيت العراقية، في العام الحالي، بالإضافة إلى خسارة مدينة تدمر السورية، في نهاية شهر مارس الماضي.

بالتالي بدأت الأحداث، على محور مواجهة "داعش"، تتسارع أخيراً، وفي هذا الصدد ألقت قوات التحالف الدولي لمحاربة التنظيم، التي تقودها الولايات المتحدة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014، مناشير على مدينة الرقة، يوم الخميس الماضي، داعية السكان لمغادرة المدينة. وجاء في نص هذه المناشير "اقتربت الساعة التي طالما انتظرتموها، وحانت ساعة الخروج من الرقة".

ويبدو أن الضغوط بدأت بالتزايد على عناصر التنظيم في الرقة، الذين بدأوا بالسماح للمدنيين بمغادرة المدينة إلى أطرافها والقرى المحيطة بها، والتي تقع تحت سيطرة التنظيم أيضاً، بدلاً من العمل على قتل الأُسَر التي تحاول الفرار من المدينة، كما يفعلون في الفلوجة.
في الوقت نفسه، أعلن مصدر عسكري أميركي، عن قيام قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال جوي فوتيل، بزيارة قصيرة إلى سورية، في إطار استعدادات التحالف الدولي، لمعركة الرقة، التي يكثر الحديث عنها في الفترة الماضية. وتأتي هذه التطورات، في ظلّ تلقّي "داعش" ضربات المدفعية التركية، قرب مدينة كاركاميش في ولاية غازي عنتاب التركية. أما التصعيد الأهم ضد التنظيم، فيأتي في العراق، مع تدريب الولايات المتحدة آلاف المقاتلين، من العشائر، المنتمين إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.

وجددت الحكومة العراقية أمس الأحد، دعوتها المدنيين في الفلوجة إلى مغادرة المدينة، تمهيداً للمعركة ضد التنظيم. مع اقتراب القوات الحكومة العراقية، وقوات العشائر، من الفلوجة، حيث تعسكر على بعد 5 كيلومترات من المنطقة، ونحو 20 كيلومتراً من أحياء المدينة المحاصرة منذ فترة طويلة، والتي تعاني من أوضاع إنسانية صعبة، خصوصاً أن "داعش" يحتفظ بالمدنيين في الفلوجة، دروعاً بشرية، ويقوم بإطلاق النار على العائلات التي تحاول الفرار منها، كما فعل قبل يومين.

كل هذه التطورات الميدانية، تأتي في ظل توقف تدفق المقاتلين إلى التنظيم منذ 2015، وتفكيك خلاياه في السعودية، وتضاعف أعداد العمليات الانتحارية التي يقوم بها التنظيم في العراق وسورية. كما عاود "داعش" استهداف المدنيين الشيعة بالمفخخات في العراق، تحديداً في مدينة الصدر، تزامناً مع خلافات شيعية ـ شيعية داخل الحكومة العراقية. وسط كل هذا، تتزايد التكهنات حول استعدادات أميركية ـ أوروبية للتدخل في ليبيا، لمواجهة التنظيم، في منطقة أخرى بعيدة نسبياً عن مسرح المعركة الرئيسي في سورية والعراق.