مؤتمر "النهضة" التونسية ينتخب الغنوشي اليوم رئيساً لـ"الحزب الكبير"

مؤتمر "النهضة" التونسية ينتخب الغنوشي اليوم رئيساً لـ"الحزب الكبير"

تونس
D8A6CEA0-1993-437F-8736-75AB58052F84
وليد التليلي
صحافي تونسي. مدير مكتب تونس في العربي الجديد.
22 مايو 2016
+ الخط -
على طريقة الأحزاب الأميركية، افتتحت حركة "النهضة" التونسية مساء أمس الأول، في القاعة الأولمبية في مدينة رادس، قرب العاصمة تونس، مؤتمرها العاشر، بحضور عدد كبير من المشاركين، من بينهم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. وعلمت "العربي الجديد" أنه لم يتقدم أي مرشح سوى الشيخ راشد الغنوشي لانتخابات رئاسة الحركة، رغم أن أنباء من داخل المؤتمر أكدت أن كلاً من عبد اللطيف المكي وعبد الكريم الهاروني قد يقدمان بدورهما ترشحهما للرئاسة، علماً أن اليوم الأحد يفتح باب الترشح رسمياً لخلافة الغنوشي، وينتخب الرئيس بالفعل.

وشكلت جلسة الافتتاح فرصة لإظهار مدى الشعبية التي يتمتع بها الحزب، إذ حضر ألوف الأشخاص داخل وخارج قاعة المؤتمر، الأمر الذي دفع زعيم الحركة، راشد الغنوشي، إلى الغمز من قناة المشككين بقدرتها على ملء قاعة المؤتمر، قائلاً إنهم "لا يعرفون النهضة".

وفيما يحظى المؤتمر بتغطية إعلامية واسعة النطاق، من وسائل إعلام محلية واجنبية، وبث مباشر لافتتاح وأعمال المؤتمر المتواصلة منذ أمس، كان واضحاً أن "النهضة" ذاهبة في اتجاه مدّ اليد للجميع محلياً، خصوصاً أن الدعوة للمشاركة شملت كل المنظمات والشخصيات الوطنية الكبرى، بمن فيهم وزراء سابقون في حكومات ما بعد الثورة، ومن تيار الحبيب بورقيبة، بالإضافة إلى مقربين من نظام المخلوع زين العابدين بن علي.

وتتواصل أعمال المؤتمر في ظل إجراءات أمنية مشددة، وبعناية تنظيمية استثنائية، مما يشير إلى أن الحركة أرادت توظيف كل إمكانياتها من أجل الظهور في صورة "الحزب الكبير"، وتخلت عن شعار "المؤتمر المتقشف" الذي كان مطروحاً في البداية. غير أن هذا التوجه أثار انتقادات خصوم "النهضة"، وأبرزهم قياديو "الجبهة الشعبية"، الذين أعربوا عن استغرابهم من ضخامة الإمكانيات التي استخدمت لتنظيم المؤتمر.

لكن منطق "الحزب الكبير" سيشكل، على ما يبدو، ركيزةً لهذا المؤتمر، الذي سيكون بمثابة نقلة نوعية وجوهرية في خيارات "النهضة"، التي باتت تريد التحول من حزب يدافع عن الهوية إلى حزب يعنى بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية. هذا ما أكده الغنوشي في خطاب الافتتاح حين أشار إلى التحوّل "من حركة عقائدية تخوض معركة من أجل الهوية إلى حزب ديمقراطي وطني متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام، ملتزمة بمقتضيات الدستور وروح العصر"، مكرساً بذلك التمايز الواضح والقاطع بين المسلمين الديمقراطيين وتيارات التشدد والعنف التي تنسب نفسها للإسلام فيما "الإسلام منها براء" على حد تعبير الغنوشي.



ويتسند هذا التحول في توجهات زعيم "النهضة" التونسية إلى قراءة تظهر أن المواطن التونسي "ملّ من صراعات السياسيين في المنابر الإعلامية، بينما هو معنيٌ أساسا بالأمن ومقاومة الاٍرهاب، وغلاء المعيشة، والنمو الاقتصادي، وبمعاناة محدودي الدخل والفقراء والمحرومين والجهات المهمشة"، وفق قوله. كما أن الرؤية الجديدة التي طرحها الغنوشي والتي من شأنها أن تنقل "النهضة" إلى مسار سياسي جديد، تأخذ في الحسبان أن "الدولة العصرية لا تدار بالأيديولوجيا والشعارات الفضفاضة والمزايدات بل بالبرامج والحلول الاجتماعية والاقتصادية التي تحقق الأمن والرفاه".

هذا التحول في رؤية "النهضة" سيتكرس من خلال تطوير نظامها الداخلي أو قانونها الأساسي الذي سيتألف من أكثر من 130 فصلاً، بدلاً من 40 في نسخته السابقة. كذلك، من المفترض أن يقرّر المؤتمِرون الاسم الجديد للحركة، من خلال اعتماد صيغة "حزب النهضة والتنمية" أو "حزب النهضة التونسية" أو "حزب نهضة تونس"، بدلاً من "حركة النهضة".

في هذا السياق، علمت "العربي الجديد" أن عملية التحول المقترحة ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض، وإنما هناك حوار وربما صراع بين بعض مكونات وتيارات "النهضة". ومن غير المستبعد أن يترك المؤتمر أثاراً مهمة على الحركة، لكن الصورة ستنجلي بعد ظهور نتائج انتخابات مجلس الشورى التي ستجري اليوم الاحد، ومعرفة ما إذا كان المؤتمر سيجدد انتخاب رئيسها، راشد الغنوشي، ونسبة الأصوات التي سيحصل عليها. في هذا الإطار، من المحتمل أن يلجأ "المحافظون جدا" و"الطامحون الجدد" و"معارضو مركزية القرار"، داخل الحركة، إلى البحث عن صيغ تضمن استمرار بقائهم، وإلا فقد يقدمون على الانشقاق عن الحركة وتأسيس أحزاب جديدة.

ويحيل الترشح الوحيد المعلن لرئاسة الحركة من قبل الغنوشي، إلى أن التيارات داخل الحركة لم تنضج بعد حتى تكون أجنحة أو تكتلات واضحة تتنافس حول رئاسة الحركة أو تنافس الغنوشي "المؤسس والزعيم"، وهو ما لم ينفه القيادي في المهجر، النائب عن "النهضة"، الناجي الجمل، الذي أوضح أنه "لا وجود لتيارات داخل الحركة كما يشير إليه مفهوم التيارات، لكن الأوضح أن هناك تياراً حول الشيخ راشد يدعمه ويناصر مواقفه". ويوضح الجمل أن التباينات في الحركة والاختلافات "لطالما كانت تحل في إطار مؤسسة الشورى أو المكتب التنفيذي"، لافتاً إلى أن المشهد داخل الحزب "لم يتطور إلى تكتلات متباينة المواقف كما في الحزب الاشتراكي الفرنسي، وإنما هناك نقاشات قد تحتد أحيانا أو تخف وتيرتها في أوقات أخرى"، موضحا أن هناك "بدايات للتكتل حول بعض الآراء والمواقف لكنها لم تصل إلى المنافسة حول الرئاسة".

بانتظار انتهاء المناقشات وجلسات الانتخاب، وبغض النظر عن النتائج، ثمّة ملاحظة لا يمكن تجاهلها، وهي تتمثل في أن خطاب الغنوشي لم يكن خطاباً عادياً لرئيس حزب في مؤتمر، وإنما كان خطاب حزب يحكم، أو يشارك في الحكم والقرار بشكل وازن ومؤثر، وهو ما تطالب به وثائق المؤتمر، وسيكون له انعكاس أكيد على مجريات التحالف السياسي والحكومي في الفترة القادمة.

وجاءت رسائل الغنوشي متعددة الأبعاد، فقد نفى من جهة، أن يكون "التخصص الوظيفي بين السياسي وبقية المجالات المجتمعية، قراراً مسقطاً أو رضوخاً لإكراهات ظرفية"، وأكد، من جهة أخرى، في موقف موجه إلى كل الذين يتهمون "النهضة" باستغلال المساجد واستغلال الدين لأغراض سياسية، على ضرورة "النأي بالدِّين عن المعارك السياسية"، داعياً "إلى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي". ولكن الغنوشي رفض، في الوقت نفسه، الدعوات المطالبة بإبعاد الدين عن الشأن العام، وهو ما سيثير تساؤلات حول طريقة القطع مع التوظيف السياسي للدين من جانب "النهضة" بحلتها الجديدة.

وعلى الرغم من أنه جدّد دعم حزبه للرئاسة والحكومة، فقد نبّه الغنوشي من ضعف الدولة، متسائلاَ: "إلى متى الجرأة على الدولة، ولمصلحة من إضعافها والتطاول عليها واللجوء الى الأساليب الفوضوية لتشريع مخالفة القانون"؟ ودعا الغنوشي إلى هدنة اجتماعية، برغم غياب الأمين العام لـ "اتحاد الشغل"، حسين العباسي، وحضور أحد أبرز قيادات المنظمة، سمير الشفّي، وجدّد التأكيد على المصالحة الشاملة، مع التمسك بالعدالة الانتقالية، علماً بأن هذه المفاهيم تبدو مزدوجة وملتبسة، وتحتاج إلى أن يتم توضيحها بشكل نهائي وقاطع.

وأعاد الغنوشي التأكيد على أنه "أمام انكسار سفن الربيع العربي، صنعت سفينة تونس الاستثناء، وتمكنت بفضل تبني أبنائها مبدأ الحوار، والقبول بالآخر، وتجنب الإقصاء والانتقام، من الصمود في وجه أعاصير الثورة المضادة، وأعاصير الفوضى والدمار، وتمكنا جميعاً بفضل الله من إيصال سفينة تونس إلى بر الأمان".

ذات صلة

الصورة
وقفة تضامنية بتونس مع المعتقلين السياسيين (العربي الجديد)

سياسة

كشفت هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين بتونس، مساء اليوم الخميس، عن رسالة جماعية من المعتقلين السياسيين إلى الرأي العام، دعوا فيها إلى ضرورة إيقاف المهزلة القضائية، مؤكدين أنه لم تعد هناك سوى أجسادهم للدفاع عن أنفسهم
الصورة
راشد الغنوشي (العربي الجديد)

سياسة

أعلنت حركة "النهضة" التونسية، في بيان اليوم السبت، أن رئيسها راشد الغنوشي دخل ابتداء من اليوم إضراباً عن الطعام لمدة ثلاثة أيام متتالية تضامناً مع القيادي في "جبهة الخلاص الوطني" جوهر بن مبارك المضرب عن الطعام، ودفاعاً عن مطلب كل المعتقلين السياسيين.
الصورة
راشد الغنوشي يمثل أمام القضاء-العربي الجديد

سياسة

أكد رئيس "حركة النهضة" التونسية راشد الغنوشي، اليوم الثلاثاء، لدى وصوله للمثول أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب للتحقيق معه، أن "الانقلاب ليس ضد "النهضة" فقط، بل هو ضد كل الأجسام الوسيطة، الأحزاب والنقابات، وكل من يناصر الديمقراطية".
الصورة
مؤتمر حركة النهضة (العربي الجديد)

سياسة

دعت حركة "النهضة" التونسية، اليوم الاثنين، إلى توحيد الجهود لمقاومة الانقلاب الذي نفذه الرئيس التونسي قيس سعيّد، محذرة من تواصل عجز السلطة عن تقديم أي حلول، وتواصل هدم كل المؤسسات من هيئات دستورية وأيضاً دستور 2014.