اقتراب ليبرمان من خلافة يعالون: خوف على الأمن الإسرائيلي

اقتراب ليبرمان من خلافة يعالون: خوف على الأمن الإسرائيلي

20 مايو 2016
تصريحات متطرفة وُجّهها ليبرمان ضد قيادة الجيش الإسرائيلي(ليئور مزراحي/Getty)
+ الخط -
حملت الصحف الإسرائيلية، أمس الخميس، على لسان مراسليها للشؤون العسكرية والأمنية، تقديرات وتحليلات تبرز وجود مخاوف في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، من تبوّء أفيغدور ليبرمان منصب وزير الأمن، خلفاً لموشيه يعالون، الذي جاء من الجيش بعد أن كان رئيساً للأركان، فيما ليبرمان لم يخدم في الجيش الإسرائيلي برتب عليا. كما أن يعالون سعى طيلة ولايته وزيراً للأمن، للوقوف إلى جانب قادة الجيش ودعمهم، خصوصاً في ملف الجندي القاتل من الخليل، أليؤور أزريا، عندما أيّد يعالون قرار النيابة العسكرية فتح تحقيق ومن ثم تقديم لائحة اتهام، ولو مخففة بحق الجندي القاتل، بينما وقف ليبرمان ضد قيادة الجيش، وأعلن تأييده للجندي القاتل ووجوب الإفراج عنه وعدم تقديمه للمحاكمة، بل منحه وسام بطولة.
البُعد في العلاقة بين الطرفين، ظهر خصوصاً في الفترة الأخيرة، التي حشد فيها ليبرمان مواقف معارضة كلياً لسياسة الجيش، متهماً إياه بالتساهل والتراخي في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية، وفي مبادرته للمطالبة بإقالة نائب رئيس الأركان الحالي يئير غولان بسبب تحذيره من مظاهر تحولات في المجتمع الإسرائيلي تذكّر بتلك التي سادت في أوروبا وألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي. هذا البُعد شكّل نقطة خلاف جوهرية بين ليبرمان، السياسي اليميني المتطرف الذي يجاهر باستخدام كل القوة في التعامل مع الأطراف العربية، وفرض هذا التعامل على قيادة الجيش، وبين قادة أركان الجيش الإسرائيلي، وفي مقدمتهم غادي أيزنكوط ونائبه يئير غولان، الذين يخشون من تدخّل فظ من قبل ليبرمان، ومحاولات لفرض "معايير جديدة"، والمسّ بمكانة الجيش و"قدسيته" في المشهد الإسرائيلي. هذه المخاوف تنسحب أيضاً على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في ظل التوتر الذي ساد أخيراً بينه وبين وزير أمنه موشيه يعالون وبين قادة الجيش، الذين يسعون لاحتكار أو الاحتفاظ بحق تقرير سبل مواجهة الانتفاضة، وأية عمليات إعدام مسموحة وأي منها ممنوعة، بحجة أنها تضر بأخلاقيات الجيش الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، اعتبر المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، أن اختيار ليبرمان للمنصب وعزل يعالون في حال أُبرم اتفاق الائتلاف الحكومي مع ليبرمان، هو بمثابة إزالة القبة الحديدية التي مثّلها يعالون، عن الجيش الإسرائيلي ككل وتركه معرضاً لانتقادات وهجمات السياسيين، خصوصاً من اليمين المتطرف. وكان نتنياهو قد أعرب عن امتعاضه ورفضه لتصريحات غولان، مطالباً بالتراجع عنها، كما اعترض على تصريحات يعالون الأخيرة في السياق نفسه وطالبه في جلسة مغلقة معه بتوضيحها مجدداً، لا سيما أن يعالون كان قد طالب قادة الجيش بألا يترددوا بقول ما يفكرون به وعرض مواقفهم من دون خوف من المستوى السياسي.
ورأى يهوشواع أن المخاوف التي تسود قادة أركان الجيش، ليس مردها كون ليبرمان، خلافاً لسابقه، مدنياً وليس عسكرياً، وإنما هي مخاوف من رجل لا يعترف بأية حدود، وصاحب تصريحات متطرفة للغاية وُجّهت غالبيتها ضد قيادة الجيش والمؤسسة العسكرية، ومناقضة لمواقف المؤسسة الأمنية في إسرائيل. كما أن قادة الأجهزة الأمنية يتخوّفون أيضاً من انعدام أية خبرة عسكرية لدى ليبرمان، وعدم فهمه لطبيعة عمل ومسؤوليات الجيش والمؤسسة الأمنية، وبالتالي ففي "حال لم يدرك ليبرمان حجم الأخطار وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه كوزير أمن، فنحن في مشكلة"، وفق يهوشواع.


وفي السياق نفسه، أشار عاموس هرئيل، في صحيفة "هآرتس"، إلى أن صفقة ليبرمان ونتنياهو سبّبت صدمة ومخاوف كبيرة لدى قادة الجيش والمؤسسة الأمنية. ولفت هرئيل إلى أن ليبرمان اعتاد عندما كان في الحكومة السابقة عضواً في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، اتخاذ مواقف مناقضة لمواقف وزير الأمن (موشيه يعالون) ومواقف قادة الجيش، خصوصاً في أوج العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وقد اعتاد ليبرمان مهاجمة سياسة رئيس الأركان وقادة الجيش في كل ما يتعلق بأسلوب الحرب على غزة، مطالباً مراراً بوجوب إسقاط حركة "حماس" والقضاء عليها. واعتبر هرئيل أن تعيين ليبرمان وزيراً للأمن، لا يختلف مثلاً عن تكريس ترشيح دونالد ترامب للرئاسة الأميركية باسم الحزب الجمهوري خلافاً لرغبة الحزب وقيادته.
وفي سياق قراءة خطوة نتنياهو كتحرك مدروس لإضعاف الجيش الإسرائيلي ومكانته في صفوف الجمهور في إسرائيل، اعتبر المراسل الحزبي لـ"هآرتس"، يوسي فيرتير، أن نتنياهو بحث عن شخص "يحمل عصا"، قادر على ضرب قادة الجيش وإخضاعهم وفرض النظام وزرع الخوف والهلع بين جنرالات الجيش في هيئة الأركان العامة. وبحسب فيرتير، فإن "ما يتصدّر اهتمامات نتنياهو في هذه المرحلة، هو سعيه للبقاء في السلطة والحكم، وكل السبل لضمان ذلك صالحة ومشروعة، من استباحة الأمن، إلى تقزيم قامة الجيش، والبصق في وجه الرئيس المصري وزعزعة الاستقرار الهش في الضفة الغربية".
وفي السياق، نقل موقع "يديعوت أحرونوت"، أن عدداً من كبار رجالات المؤسسة الأمنية السابقين، أعربوا عن معارضتهم الشديدة لإقالة يعالون واختيار ليبرمان خلفاً له في وزارة الأمن، مثل وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه آرنس، الذي اعتبر أن خطوة نتنياهو هذه هي خطأ فادح.
من جهته، اعتبر المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، أن نتنياهو بقراره عزل يعالون وتعيين ليبرمان وزيراً للأمن، يعرّض الأمن القومي الإسرائيلي للخطر بدرجة غير معقولة، وأن هذه الخطوة تفتقر للمسؤولية. وأضاف بن يشاي أن نتنياهو يقوم بذلك لضمان راحته السياسية والحزبية، عبر الخضوع لضغوط الجناح القومي المتطرف في حزبه. ورأى بن يشاي أيضاً أن هذا القرار ليس أخلاقياً، فهو ينطوي على رسالة من نتنياهو لقادة الجيش وكبار موظفي "الشاباك" و"الموساد" بأنه لا يجوز لهم أن يصرحوا على الملأ بمواقف تعارض وتناقض الخط العام المعتمد في الائتلاف الحكومي، ومن يقوم بذلك معرّض للإقالة من منصبه.