فيينا السوري اليوم: الهدنة والمساعدات قبل محادثات جنيف

فيينا السوري اليوم: الهدنة والمساعدات قبل محادثات جنيف

17 مايو 2016
فلسطينيون وسوريون يتلقون المساعدات بمخيم اليرموك (فرانس برس)
+ الخط -
تعقد "مجموعة العمل الدولية من أجل سورية"، اليوم الثلاثاء، اجتماعاً جديداً على مستوى وزراء الخارجية في العاصمة النمساوية فيينا، وعلى ما يبدو فإن ملف تدعيم وترسيخ اتفاق "وقف الأعمال العدائية" بين قوات النظام وقوات المعارضة، الذي تعرّض، منذ نهاية الشهر الماضي، لخروق كبيرة، جعلته حبراً على ورق، سيتصدّر قائمة أولويات المجتمعين.

يعود السبب في ذلك، إلى أن الالتزام باتفاق "الهدنة" وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يحاصرها النظام السوري، حسبما نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، كان على رأس شروط وفد الهيئة العليا للمفاوضات لاستئناف حضورها مباحثات جنيف. مع العلم أن المباحثات توقفت، منذ تجميد وفد الهيئة الذي يمثل المعارضة مشاركته بها، الشهر الماضي، لحين تنفيذ البنود الإنسانية التي نصّ عليها قرار مجلس الأمن الدولي، وضمان توقف النظام عن قصف مناطق سيطرة المعارضة، وبالتالي ضمان الالتزام باتفاق الهدنة.

وقبل يومين من اجتماع فيينا، اجتمع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في جدة، مع العاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، ووزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، وكان الملف السوري على رأس الملفات التي تناولتها هذه اللقاءات. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن كيري قوله إنه "يأمل في تقوية اتفاق وقف العمليات القتالية بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة، الذي أضعفه توسُّع القتال في بعض المناطق، كما يسعى إلى زيادة إمدادات المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة". وكان كيري قد ذكر في وقت سابق، أن "الاجتماعات مع الملك والمسؤولين السعوديين ستعمل على ضمان تدعيم هذه الهدنة وصراحة ضمان الالتزام بها وتنفيذها في مختلف أرجاء البلاد".

لا شكّ أن توجه الوزير الأميركي إلى السعودية، قبل ساعات من اجتماع فيينا، جاء لزيادة التنسيق بين الطرفين قبل الاجتماع، خصوصاً مع مطالبة السعودية على لسان الجبير، أكثر من مرة في الأيام الأخيرة، بزيادة مستوى تسليح قوات المعارضة في ظلّ تعنّت النظام، ورفضه العلني الانخراط في عملية تفاوضية، تفضي إلى تأمين عملية انتقال حقيقي للسلطة في سورية، من النظام إلى هيئة حكم انتقالية، كالتي نص عليها بيان جنيف1 عام 2012.


في هذا السياق، يشير مراقبون إلى أن "ضغط السعودية باتجاه سماح الولايات المتحدة بوصول أسلحة نوعية ليد المعارضة، من ضمنها مضادات طيران قادرة على ردع طائرات النظام، لم يفضِ إلى نتيجة بعد، بل إن القيادة السعودية باتت تخشى من تراجع في الموقف الأميركي، الذي لم يعد سراً أنه أقرب في مقاربته إلى شكل "الحلّ" للرؤية الروسية، وهو ما يُترجم بصورة دورية في مواقف كيري ورئيسه، باراك أوباما، وبقية أركان الإدارة. وتخشى العواصم الداعمة للمعارضة السورية اليوم، الرياض وأنقرة والدوحة خصوصاً، المزيد من التراجع الأميركي في سياق تمديد عمر النظام السوري إلى حين انتهاء نهاية ولاية الإدارة الأميركية الحالية وزيادة النفوذ الروسي في سورية. 

على الجانب الآخر، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال زيارته لبيلاروسيا، أمس الإثنين، أنه "ينوي عقد لقاء مع كيري في العاصمة النمساوية، قبل عقد اجتماع مجموعة دعم سورية". كما ذكرت رئيسة "لجنة مبادرة أستانا" للمعارضة السورية رندا قسيس، أن "وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سيجتمع برؤساء مجموعات موسكو وأستانا والقاهرة، التي تمثل جماعات في المعارضة السورية مقرّبة من موسكو وغير منضوية في وفد الهيئة العليا للمفاوضات". وقالت قسيس لوكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء، أمس الإثنين، إن "لقاءات الوزير الروسي ستبحث موضوع جنيف، وكيف يمكننا أن نتابع بالحل السياسي، وما هي إمكانيات إنجاح العملية السياسية".

ويبدو أن استئناف هذه العملية السياسية سيكون مستحيلاً إذا لم يتوصل المجتمعون في فيينا إلى صيغة تضمن استئناف تطبيق "الهدنة الهشة"، وهذا أمر لا يبدو سهلاً خصوصاً مع اتهام الخارجية الروسية أمس، الإدارة الأميركية بـ"التقصير في فصل جبهة النصرة والمنظمات المرتبطة بها، التي لا تستفيد من الهدنة".

من جهته، أوضح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس الإثنين، أن "وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة سيبحثان الأزمتين السورية والأوكرانية وقضية قره باغ (الإقليم المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان)". وأضاف ريابكوف أن "موسكو لا تزال تدعو واشنطن إلى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لفصل هذه المنظمات"، مشيراً إلى أن "ذلك لم يتحقق، حتى الآن، والجانب الروسي يقوم بإعداد أفكار لوثيقة ختامية لاجتماع مجموعة دعم سورية". إلا أنه أشار، في ذات الوقت، إلى "عدم وجود ما يضمن تبني مثل هذه الوثيقة"، لافتاً إلى أنه "توجد هناك قاعدة كافية للعمل، لوجود اتفاقات روسية أميركية وقرارات سابقة لمجموعة دعم سورية".

لكن ذلك لا يمنع من التأكيد عن أن التوصل لصيغة تضمن وقفاً طويلاً لـ"الأعمال العدائية" بشكل يسمح باستئناف المباحثات بين المعارضة والنظام في جنيف، لن يكون أمراً سهلاً، ذلك أن مصادر من الهيئة العليا للمفاوضات كشفت لـ "لعربي الجديد"، أن "الهيئة العليا تتمسّك بتنفيذ البنود الإنسانية، وضمان التزام النظام بالهدنة قبل عودة الهيئة إلى جنيف لاستئناف المباحثات".

ولفتت المصادر إلى أن "المشكلة الجوهرية الآن هي أن النظام غير مستعد لتنفيذ بند إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يحاصرها، منذ سنوات، فكيف سيكون مستعداً للانخراط في عملية انتقال سياسي حقيقية؟". وأشارت مصادر المعارضة إلى أن "النظام قام نهاية، الأسبوع الماضي، بمنع قافلة تحمل مساعدات طبية وقرطاسية وملابس تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر من دخول مدينة داريا، التي تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق وتحاصرها قوات النظام منذ نهاية عام 2012، وقامت قوات النظام التي تحاصر المدينة بقصف تجمعات المدنيين داخل المدينة الذين كانوا بانتظار القافلة، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم وإصابة عشرة آخرين بجراح". ويشير ذلك إلى مدى رفض النظام السماح بالتقدم خطوة إلى الأمام باتجاه إنجاح العملية السياسية في سورية.

ويقلل كل ذلك من احتمالات نجاح اجتماع فيينا، أو إحداث أي خرق حقيقي باتجاه الحل السياسي في سورية. ذلك أن أي اتفاق هدنة جديد قد يتم التوصل له، سيكون هشاً ومعرضاً لخرق قوات النظام والمليشيات الداعمة لها، بحجة وجود مجموعة تابعة لـ"جبهة النصرة" في المنطقة التي يهاجمها النظام.

المساهمون