حرائق القاهرة... هل تمهّد الطريق لخطة التخلص من العشوائيات؟

حرائق القاهرة... هل تمهّد الطريق لخطة التخلص من العشوائيات؟

17 مايو 2016
توالت الحرائق في أبنية عدة بالقاهرة (أحمد عبدالجواد/فرانس برس)
+ الخط -
تزامنت ظاهرة اندلاع الحرائق في أماكن متفرقة من أحياء القاهرة الشعبية والقديمة مثل العتبة والغورية، مع إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن "خطة جادة" للقضاء على العشوائيات تقوم أساساً على نقل سكان المناطق العشوائية بالعاصمة إلى مناطق سكنية جديدة يتم تأسيسها في ضواحي شمال وشرق القاهرة، بنظام المساكن الشعبية أو بلوكات إسكان محدودي الدخل. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً منتديات شباب ومواطني هذه المناطق الشعبية، تعليقات يتهم بعضها الحكومة بالمسؤولية عن تلك الحرائق، أو على الأقل التراخي في مواجهتها لدفع المواطنين إلى الشعور بالخوف والقلق نتيجة استمرار السكن والعمل بها، وحثّهم على الاستجابة لخطط نقلهم إلى المناطق السكنية الجديدة.

ولم يحاول السيسي إخفاء أي تفاصيل للخطة التي بدأت تثير غضباً عارماً في تلك المناطق. فخلال افتتاحه عدداً من مشاريع الإسكان الاجتماعي، الخميس الماضي، أكد السيسي وجود "إرادة واضحة للقضاء على العشوائيات خلال عامين، مع تصفية المناطق الأكثر خطورة أولاً"، رافعاً شعار "الدولة لن تترك أبناءها في العشوائيات"، علماً أن أكثر من مليون ونصف مليون مواطن يسكنون عشوائيات القاهرة وحدها.

ومن المقرر، بحسب خطة السيسي، إنهاء مشروع مدينة الأسمرات "1" خلال العام الحالي لإسكان مواطني عدد من المناطق العشوائية بالمقطّم. ويقع المشروع الجديد شرقي المقطّم بالقرب من الطريق المؤدي إلى ضاحية القاهرة الجديدة، أي أن السكان سينتقلون من غرب وجنوب هضبة المقطّم إلى شرقها، ومن مساكن أهالي وحيازات أراض موروثة منذ الستينيات إلى شقق سكنية عادية في عمارات ستنفذها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. كما تتضمن خطة السيسي إخلاء جميع المناطق العشوائية بالقاهرة خلال عامين ونصف، إذ ينتهي النقل والسكن بواسطة وحدات الجيش نهاية العام 2018، على أن تكون الأولوية للمناطق المهددة بالانهيارات أو مشاكل المياه والصرف الصحي، مثل الدويقة، ومنشأة ناصر، وعزبة خيرالله، وتل العقارب.

فيما ترغب بعض الدوائر الحكومية، ومنها محافظتا القاهرة والجيزة، بضمّ عدد إضافي من المناطق إلى الخطة، منها منطقة رملة بولاق الواقعة خلف طريق ماسبيرو الذي يضم مبنى الإذاعة والتلفزيون، ودار الكتب والوثائق، وبرجَي نايل سيتي الفاخرين المملوكين لرجل الأعمال نجيب ساويرس. ويضاف إليها عدد من المناطق التي نمت خلال الأربعين سنة الماضية في حي إمبابة وحي الدقي، وعلى أطراف حي المعادي بالقرب من صحراء المقطّم.

وتعيد هذه الخطة إلى الأذهان برنامجاً للتطوير العمراني كانت حكومة أحمد نظيف في نهاية عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك قد بدأته عام 2004، بإنشاء عدد من مشاريع الإسكان التعاوني التي تحمل اسم زوجة الرئيس آنذاك سوزان مبارك. وشرعت في توزيعها على المواطنين حائزي الأراضي والعقارات بالمناطق العشوائية الأكثر خطورة، وفي مقدمتها الدويقة ومنشأة ناصر، إلّا أن المشروع باء بالفشل. وكان السبب الرئيسي للفشل هو رفض الأهالي، خصوصاً المالكين للأراضي أو الحائزين لحقوق الانتفاع، فكرة ترك أراضيهم والخروج من المناطق التي عاشوا فيها لسنوات طويلة، وحصلوا على وظائف أو أماكن خاصة للعمل بالقرب منها.

وتحوّل هذا المشروع إلى صورة مثالية للفساد الإداري في ذلك الوقت، إذ فتح رفض المواطنين للانتقال الباب لاستغلال الوحدات السكنية التي تم بناؤها بشكل تجاري، سواء ببيعها مباشرة للباحثين عن مساكن، أو تسليمها للمواطنين المتضررين ثم بيعها لآخرين، مما أفرغ المشروع من مضمونه وأهدافه، ولم يساعد البتة على تقليل عدد السكان في المناطق العشوائية الخطيرة. وجاءت كارثة انهيار صخرة الدويقة فوق عدد من المساكن العشوائية في المنطقة صيف 2008 لتطرح من جديد فكرة ضرورة التخلص من العشوائيات أو رفع كفاءتها المرفقية، لتبدأ حكومة نظيف عملية نزع ملكية أراضي عدد من العزب العشوائية التي نمت على أطراف القاهرة والجيزة في الخمسينيات والستينيات من حيازة قاطنيها. وعرضت الحكومة على الأهالي نقلهم إلى مناطق أكثر أماناً، لكن بعيداً عن المناطق التي ولدوا وتربّوا فيها، فرفضوا ذلك، ولجأ المواطنون في بعض الحالات إلى القضاء الذي وقف حائلاً من دون إخلاء الدولة لهذه الأراضي.

وأصدرت محاكم مجلس الدولة في الفترة بين 2008 و2013 عدداً من الأحكام التي تمنع الدولة من انتزاع ملكية أراضي المناطق العشوائية، حتى وإن كانت تحيطها المشاكل المرفقية، وكان السكان حائزين لأراضيهم بنظام وضع اليد وليس الملكية الثابتة. وبلغت هذه الأحكام ذروتها في 28 أغسطس/ آب 2013 ببطلان قرار محافظ القاهرة ورئيس مجلس إدارة صندوق تطوير العشوائيات بالاستيلاء المؤقت على أراضي عشوائيات رملة بولاق.

وتقف هذه الأحكام القضائية وأمامها النص الدستوري الجديد الذي يحظّر ويجرّم التهجير القسري للمواطنين، عائقاً أمام تنفيذ خطة السيسي لنقل أهالي العشوائيات خلال عامين إلى مناطق جديدة، لا سيما وأن الطريقة التي تحدث بها السيسي عن تنفيذ الخطة توحي بأنها ستنفذ قسراً. وأوكل الرئيس المصري للقوات المسلحة مهمة إنشاء المساكن والنقل والإسكان، بينما يقتصر دور الحكومة على اختيار المناطق الأكثر تضرراً للبدء بها أولاً.

وبالإضافة للمعارضة المتوقعة للخطة على خلفية قانونية ودستورية، فإن أبناء تلك المناطق أنفسهم سيعارضون بشدة تهجيرهم من مناطقهم إلى ضواحي جديدة غير مجهزة أو بعيدة عن أماكن مصالحهم وأشغالهم، خصوصاً أن لديهم الحسّ المتوارث بالإهمال نتيجة عدم تطوير مناطقهم، وتأخر مد بعض المرافق إليها، ثم الانقضاض فجأة عليهم للمطالبة بترحيلهم من أماكنهم. كما أن هناك أطماع استثمارية لا يمكن التغاضي عنها في بعض المناطق، وتحديداً في وسط العاصمة وسفح المقطم ورملة بولاق، إذ سبق وأعلنت الحكومة في عهد مبارك عن وجود مخططات للاستيلاء على بعض المناطق وإعادة بيعها أو تخصيصها للمستثمرين لإنشاء مشاريع لإسكان المتوسط أو الإسكان الفاره، وهذا ما يعتبره الأهالي سبباً إضافياً لرفض التنازل عن منازلهم أو تهجيرهم منها.

ويرى مراقبون أن تزامن الحرائق الأخيرة بالقاهرة وحديث السيسي عن خطة إعادة تخطيط العاصمة هو سبب آخر يضاف إلى قائمة طويلة تؤثر سلباً على شعبيته، وتمنح فرصة التحرك للقوى المناهضة لسياساته كما حدث، أخيراً، في أزمة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية وتوقيع اتفاقية بضم جزيرتَي تيران وصنافير للمملكة، والتي أعادت المواطنين للشوارع متظاهرين ضد السيسي بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال السيسي يراهن على إمكانية استرداد الجزء الأكبر من شعبيته من خلال الدعاية الحكومية والإعلامية والترويج لمشاريعه التي تمتد فترات تنفيذها إلى عامين وثلاثة، ومن بينها مشروع القضاء على العشوائيات، متجاهلاً شكاوى المواطنين المستمرة من سوء حالة الخدمات، وزيادة أسعار السلع، والخدمات المرفقية، ونقص المواد الغذائية.