3 أسباب تعرقل توحيد القوى الليبية في مواجهة "داعش"

3 أسباب تعرقل توحيد القوى الليبية في مواجهة "داعش"

11 مايو 2016
تتباين الأولويات بين القوى المسلحة الليبية (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو المشهد الليبي سياسياً وأمنياً يسير نحو مزيد من التعقيد، على الرغم من توقيع شخصيات محسوبة على طرفي النزاع الأساسيين في البلاد (معسكري طرابلس وطبرق) اتفاقاً سياسياً في الصخيرات المغربية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي موازاة إعلان قوات اللواء خليفة حفتر، الموالي لبرلمان طبرق المطعون في شرعيته من المحكمة العليا، عن تقدمها باتجاه مدينة سرت لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السرّاج، الذي وصل إلى طرابلس في 30 مارس/آذار الماضي إلى طرابلس، عن تكليفه ضباطاً ليبيين بتشكيل غرفة عسكرية لقتال التنظيم.
يكرّس هذا المشهد استمرار الانقسام بين الأطراف الليبية، لكنه يتركز هذه المرة بالقرب من المنطقة الأخصب بالنفط في البلاد، وسط مخاوف من انتقال الصراع مرة أخرى من دهاليز السياسة إلى ميادين الاحتراب الأهلي، بدلاً من الهدف المعلن وهو "محاربة الإرهاب".
وكانت سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق جديدة وسعيه للتوسع غرباً وصولاً إلى مناطق متاخمة لمصراتة، وجنوباً حتى مشارف الجفرة، قد أثارت استغراباً دفع إلى التساؤل حول قوة التنظيم وحجمها. وقد تمكن التنظيم أخيراً من السيطرة على منطقة بوقرين التي لا تبعد عن مدينة مصراتة، المدينة الأكثر تسليحاً والتي يتواجد فيها العدد الأكبر من المقاتلين المتمرسين، أكثر من مائة كيلومتر، بل وصل هجومه إلى "بوابة السدادة" (90 كيلومتراً جنوب شرقي مصراتة).


وطيلة السنوات الماضية، لم تملك القوى المسلحة الليبية سوى محاولة صدّ ضربات التنظيم المتقدمة والمتكررة. أما المرة الوحيدة التي اشتبكت فيها قوة مسلحة، بشكل مباشر ولفترة مع التنظيم، فكانت مطلع عام 2015. يومها خاضت "الكتيبة 166"، المكلفة من قبل المؤتمر الوطني بتأمين مدينة سرت واستعادتها من سيطرة التنظيم، حرباً لأكثر من شهرين ضد "داعش" قبل أن تنسحب في مارس/آذار من العام نفسه.
ومنذ انسحاب "الكتيبة 166" في مارس/آذار 2015 من دون أن تذكر الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ قرارها، أصبح التنظيم هو المبادر والمهاجم عبر تنفيذ ضربات مفاجئة ودامية، كان أبرزها عمليات انتحارية عدة نفذها مقاتلوه في عدد من منافذ مدينة مصراتة، بل نجح في إحداها في الوصول إلى مقر الكلية الجوية وسط المدينة ونفذ فيها هجوماً أسفر عن مقتل العشرات. لكن أكثر الضربات دموية استهدفت مقراً تابعاً لوزارة الداخلية في زليتن المتاخمة غرباً لمصراتة في 7 يناير/كانون الثاني 2016، حيث تسبب تفجير التنظيم لسيارة مفخخة في مقتل أكثر من 90 متدرباً في المقر.

ضربات التنظيم التي ازدادت حدتها تباعاً قوبلت بردود فعل محدودة في أغلبها. وعلى الرغم من كثرة المجموعات المسلحة في البلاد، التي تفوق قدرة التنظيم عدداً وعتاداً، إلا أن هذه القوى لم تقدم على عمل عسكري منظّم ضد التنظيم في سرت التي باتت أكبر معاقله في الشمال الأفريقي ككل.
وعلى الرغم من المبررات التي يطلقها قادة المجموعات المسلحة، ولا سيما من قبل الكتيبة 166، التي ينحدر أغلب مقاتليها من مصراتة، وتحديداً لجهة القول إن قتال التنظيم يحتاج تعبئة ودعماً لوجستياً كبيراً لا طاقة لهم به، إلا أن الأسباب الحقيقية تكمن في حالة الانقسام السياسي المستمرة التي كانت، حتى وقت قريب، تقتصر بين حكومتين قبل أن تصبح بين ثلاث حكومات بدخول حكومة الوفاق إلى طرابلس، وإصرار الحكومة المنبثقة عن المؤتمر الوطني (المنتهية ولايته) على إثبات وجودها ولو من خلال البيانات، وهو ما ينعكس على المشهد الأمني والسياسي.
وقد زادت من تعقيد الموقف في غرب ليبيا الانقسامات الحادة بين المجموعات المسلحة التي كانت تقاتل صفاً واحداً ضمن عملية "فجر ليبيا"، بسبب الموقف من حكومة الوفاق. فأكثر هذه المجموعات يوالي الحكومة الجديدة، في حين يصرّ بعضها الآخر على موقفه الرافض لها. وقد أثّر هذا الانقسام بشكل أكبر عند انتقاله إلى داخل مصراتة. وعلى الرغم من ولاء أغلب المجموعات المسلحة في المدينة لحكومة الوفاق، إلا أن قسماً منها بقيادة صلاح بادي، أحد أبرز قادة عملية فجر ليبيا، لا يزال يعارض الحكومة، وبالتالي يزيد من التباين بين الطرفين في تحديد الأولويات، وفي مقدمتها تحديد الخطر الأهم المتمثل في "داعش" وتوحيد الطاقات والإمكانيات لمكافحته.
ويمكن للحالة في مصراتة أن تنسحب على كل القوى المسلحة في أغلب مدن الغرب. فالتوافق ومن ثم التعبئة وإعادة تنظيم القوات لخوض معركة سرت بفاعلية، هو ما تفتقده هذه القوى، على الرغم من أنها تمتلك مواقع تمكنها من قطع خطوط الإمدادات على التنظيم في سرت، فضلاً عن امتلاكها طيرانا حربيا يساهم في إضعاف القدرة القتالية على الأرض للتنظيم.

أما في شرق البلاد، حيث يتوفر التوافق والسلاح والجنود، فإن عاملاً مختلفاً يسهم بشكل كبير في مساعدة "داعش" على التمركز في سرت والتوسع خارجهاً. نظرياً يشكل تنظيم "داعش" خطراً مشتركاً بين غرب البلاد وشرقها، إلا أن قادة معسكر الشرق يعتبرون أن المجموعات المسلحة في طرابلس ومصراتة وحلفائها في سلة واحد مع التنظيم بدون تمييز أو تفريق. وتعتبر قيادة الجيش الموالية لحفتر وكذلك برلمان طبرق، أن المجموعات المسلحة في مصراتة وطرابلس تمثل "بقايا عملية فجر ليبيا" التي صنّفتها في قراراتها السابقة بأنها "مجموعات إرهابية". ويرجح أن يكون هذا التصنيف عاملاً أساسياً في عرقلة جهود توحيد القوى المسلحة في البلاد وتوجيه سلاحها ومقاتليها ضد تنظيم "داعش".