"أوراق بنما"... الأسد ومبارك والقذافي وعلاوي أبرز المعنيين العرب

"أوراق بنما"... الأسد ومبارك والقذافي وعلاوي أبرز المعنيين العرب

05 ابريل 2016
استخدم مخلوف حسابات في مصرف "أتش. أس.بي.سي" (هارولد كونيغهام/Getty)
+ الخط -
بعد عواصف جوليان أسانج السياسية، عبر تسريبات ويكيليكس، والتي بدأت بكشف ما يدور في أروقة السياسة العالمية للعلن، بصورة غير مسبوقة، والفضائح الأمنية والمخابراتية، التي أثارها الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، عبر كشفه عن تفاصيل طرق تجسس الاستخبارات الأميركية، عالمياً، تأتي "أوراق بنما" كموجة جديدة كاشفة لجزء يسير من الفساد المالي العالمي هذه المرة، بشكل غير مسبوق. 
"أوراق بنما" تمسّ قطاعات متنوعة هذه المرة، تشمل قادة دول وسياسيين، بالإضافة إلى موظفين في الأمم المتحدة، والاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، ورياضيين، وأبناء أصحاب النفوذ، في هزة ستكون الأكبر من نوعها عالمياً.
"أوراق بنما"، التي تعد الأضخم حتى الآن، من ناحية حجم الوثاق المسربة، كشفت عن 2.6 تيرابايت من الوثائق المنشورة إلكترونياً، ما مقداره 11.5 مليون وثيقة، تشمل إيميلات وقواعد بيانات وصورا، ووثائق نصية، تغطي الفترة ما بين 1977 و2016. وقد عمل على الوثائق قرابة 400 صحافي من 100 مؤسسة إعلامية و80 دولة، حيث قاموا وعلى مدى سنة كاملة بمراجعة الوثائق وتصنيفها وتجهيزها للنشر.
وتكشف "أوراق بنما" وثائق تتعلق بـ 200014 شركة مرتبطة بمشاهير وأثرياء، وتشمل معلومات أنشطة مالية لـ 72 رئيس دولة، وقرابة 143 سياسيا مع عائلاتهم، ممن ارتبطت أعمالهم بـ"صفقات مشبوهة". ما تتميز فيه "أوراق بنما"، علاوةً على ضخامة حجمها، أنها أثارت بشكل مباشر موجة من التحقيقات القضائية، في قضايا تتعلق بالتهرب الضريبي، والتحايل على قوانين التمويل المالي، وتسجيل شركات وهمية من أجل عقد صفقات مشبوهة.
بدأت قصة "أوراق بنما" المسربة، قبل عام من الآن، عندما تواصل شخص مجهول مع صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ الألمانية" (Süddeutsche Zeitung )، وقام بإرسال مجموعة من الوثائق التي تتعلق بمؤسسة قانونية، مقرها في بنما، تسمى موساك فونسيكا (Mossack Fonseca) وتبين أن الشركة تقوم ببيع شركات "أوفشور"، تتيح لبعض مالكيها تغطية صفقاتهم الوهمية، وغسل أموالهم، وتسيير أنشطتهم المالية المحظورة. مع مرور الوقت، بدأت الوثائق بالتراكم، حتى وصلت إلى رقم مهول، لم تتمكن صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" من التعامل مع الوثائق وحدها، فقامت بالتعاون مع الجمعية الدولية للصحافيين الاستقصائيين، بمشاركة أبرز المؤسسات الصحافية العالمية، مثل مجموعة "بي بي سي" و"ذا غارديان" البريطانيتين، وصحيفة "لوموند" الفرنسية، بالإضافة إلى الصحيفة الألمانية، وصحف أخرى في مناطق مختلفة من العالم.
فيما يخص العالم العربي، تكشف "أوراق بنما" تفاصيل حول فساد أقارب الرئيس السوري بشار الأسد، رامي مخلوف، وحافظ مخلوف، بالإضافة إلى الفساد المالي الذي تورط فيه علاء مبارك، ابن الرئيس المصري، حسني مبارك، والذي أطاحت به ثورة 25 يناير في 2011. كذلك تكشف الوثائق معلومات عن رئيس الوزراء العراقي السابق، إياد علاوي.


إمبراطورية الأسد ــ مخلوف
قاد بشار الأسد تحولاً اقتصادياً في سورية، بعد توليه مقاليد الحكم في دمشق سنة 2000، كانت أبرز ملامحه التخلي عن السياسات المحافظة التي رسخها والده، حافظ الأسد، خلال فترة حكمة لسورية التي قاربت الثلاثة عقود. اتسم "الإصلاح الاقتصادي الليبرالي" للدولة، بملامح عدة، أهمها صعود طبقة جديدة من رجال الأعمال، المرتبطين بالأسد، والذين سيطروا بشكل واسع على الاقتصاد السوري، ورُصد إثراؤهم السريع، بسبب علاقاتهم بالسلطة، متمثلة بالأسد.
والملمح الثاني، والمتصل بالأول، كان تدمير البنية الاقتصادية التقليدية في السورية، المعتمدة على التجارة المحلية ومع دول الجوار، والزراعة، وتجاهل الدولة لسياساتها القديمة التي شملت تثبيت الأوضاع الاقتصادية للمواطنين عند مستوى معقول نسبياً، لتحل محلها بنية اقتصادية ليبرالية – إن صح الوصف – فاقمت من تهميش الفقراء، وأولئك الواقعين خارج دائرة السلطة، مما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة تهميش المناطق التي تُوصف في سورية بأنها "مناطق محرومة" والتي أصبحت لاحقاً ميداناً رئيسياً للثورة السورية على نظام الأسد، والتي انطلقت في 2011 ضمن ثورات الربيع العربي.
ابنا خالة الأسد، رامي وحافظ مخلوف، كانا من الأسماء البارزة الصاعدة في حقبة بشار الأسد، منذ 2000، وامتلكوا نفوذاً اقتصادياً هائلاً في دمشق، بسبب علاقتهم العائلية به. وقد عُرف على نطاق واسع، أن أي شركة أجنبية تريد العمل في سورية، بحاجة إلى "تعميد" رامي مخلوف، الذي ظهر وكأنه متحكم بالاقتصاد السوري ككل. ويحمله السوريون مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، خلال العقد "الهادئ" لحكم الأسد من 2000 وحتى 2010، والذي عُرف بوعود الإصلاح التي لم يجن منها السوريون إلا الإصلاحات الاقتصادية الشكلية.
وطاولت العقوبات الدولية كلا من رامي مخلوف، وشقيقه حافظ (الذي يدير حالياً حسابا غير مجمد في سويسرا يحوي قرابة أربعة ملايين دولار)، بسبب الدور الذي أدّاه الأخوان في دعم جرائم الأسد في حق الشعب السوري، بعد ثورة 2011 على حكمه.
وتكشف "أوراق بنما" عن وثائق تسجيل شركة (Drex Technologies S.A) التي يمتلكها رامي مخلوف، والتي امتلك عن طريقها 63 في المائة من أسهم شركة "سيرياتل" للاتصالات (Syriatel )، بشكل غير مباشر، مما أدى إلى خلافات بينه وبين مستثمرين أردنيين شاركوه في تأسيس الشركة في 2002. ويستحوذ مخلوف على 10 في المائة من أسهمها بصفته الشخصية، و63 في المائة منها عن طريق شركة (Drex Technologies S.A) والمسجلة في الجزر العذراء البريطانية.
قام شركاء مخلوف برفع قضية ضده في فيينا في العام 2002، حيث تمتلك شركة (Drex Technologies S.A) حسابا بنكيا يحوي 2.6 مليون دولار. كما قامت الشركة بفتح حساب بنكي آخر في "أتس أس بي سي" في جنيف. كذلك فتح رامي مخلوف حسابات لثلاث شركات يمتلكها، وهي (Lorie Limited) و (Dorling International Limited) و(Ramak Ltd) في مصرف " أتش أس بي سي".
وتعامل المصرف مع شركة (Cara Corporation) والتي يديرها مخلوف، وشركة (Seadale International Corporation) التي يتقاسم ملكيتها مع أخيه حافظ، بالإضافة إلى شركة (Eagle Trading & Contracting Limited) والتي يتقاسم حافظ مخلوف ملكيتها مع شركة (Lane Management LLC).
لم تكشف أوراق شركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية (Mossack Fonseca)، أو "أوراق بنما" إلا تفاصيل إضافية على قصص الفساد المتداولة حول عائلة مخلوف، مدعمة بالوثائق التي تثبت ملكيته في شركة Drex Technologies S.A. . وتظهر "أوراق بنما" أن الشركة (موساك فونسيكا) ناقشت ابتداءً من فبراير/شباط 2011 عمليات فساد، ورشى، قام بها أقارب مخلوف، تزامناً مع العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية على رامي وحافظ مخلوف. وأن لجنة "بي في إي" (the BVI Financial Services Commission) راسلت شركة "موساك فونسيكا" فيما يتعلق بتحقيقات حول قيام الشركة التي يمتلكها رامي مخلوف (Drex Technologies S.A) بالتورط في عمليات غسيل أموال، وطالبت اللجنة موساك فونسيكا بقطع علاقتها بشركات عائلة مخلوف، الأمر الذي استجابت له الشركة في 2012، وأرسلت إلى رامي مخلوف، كما هو مبين في الوثائق، قرارها بالتوقف عن العمل معه.

حسني وعلاء مبارك
ورد اسم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في "أوراق بنما" من خلال ابنه البكر علاء مبارك الذي اتضح أنه يمتلك شركة استثمارات عالمية عملاقة مسجلة في الجزر العذراء البريطانية ويديرها بنك "كريديت سويس". وتأكيداً لذلك تضمنت الوثائق صورة ضوئية مصدّقة لجواز سفر علاء مبارك تبين أنه من مواليد العام 1960، ويعمل بوظيفة "أعمال حرة". كما تتضمن الوثائق بعض المراسلات المتعلقة بالشركة التي يمتلكها علاء مبارك لكنها لا تحدد على وجه الدقة حجم أصولها.
في إبريل/ نيسان من العام 2011، اعتقل علاء مبارك مع والده وشقيقه جمال، بعد استقالة حسني مبارك من رئاسة الجمهورية تحت ضغط ثورة 25 يناير الشعبية. وفي العام ذاته صدرت تعليمات من الاتحاد الأوروبي إلى موساك فونسيكا تقضي بتجميد أصول شركة علاء مبارك الاستثمارية.
وفي العام 2013 تشير الوثائق إلى أن السلطات في الجزر العذراء البريطانية فرضت غرامة على موساك فونسيكا مقدارها 37500 دولار لعدم التحقق بشكل صحيح من هوية علاء مبارك الذي وصفته السلطات بـ"زبون ذي مخاطر عالية".
واعترف مسؤولو موساك فونسيكا في تحقيق داخلي بأن إجراءاتهم كانت معيبة بسبب عدم تحديد هوية علاء مبارك في وقت مبكر بما فيه الكفاية. ومع ذلك، كتب "كريديت سويس" إلى موساك فونسيكا، قائلاً إن الأنشطة التي تقوم بها شركة علاء مبارك في عموم العالم لا تتعارض مع تجميد سويسرا أصول مبارك.
وفي العام 2014، فتحت السلطات في الجزر العذراء البريطانية تحقيقاً آخر مع موساك فونسيكا وشركة علاء مبارك. ولمّح بعض موظفي موساك فونسيكا إلى وجود المزيد من المخالفات القانونية، مشيرين إلى ضعف مستوى تحكمهم بشركة علاء مبارك وتم التخلي عن وكالة الشركة في أبريل 2015.
ورفضت أسرة مبارك الاستجابة لطلبات متكررة بالتعليق على المعلومات الواردة في "أوراق بنما".


عائلة القذافي
تضمنت "أوراق بنما" العديد من الأدلة المتعلقة بأصول وشركات مملوكة بشكل أو بآخر لأفراد من أسرة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ولكن التحقيق الاستقصائي التفاعلي الذي تولى نشره الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في موقعه على الإنترنت اكتفى بالإشارة إلى أن ليبيا في عهد القذافي مشمولة في البيانات المسربة، ولم يفرد للقذافي مساحة للتفاصيل ضمن الزعماء الذين أفرد لهم التحقيق نماذج من الشركات التي يملكونها هم أو أقاربهم.
ولكن من المتوقع أن تظهر لاحقاً معلومات أكثر تفصيلاً عن أموال القذافي المخفية وفقا لـ"أوراق بنما" المسربة.

إياد علاوي... مؤسس الشركات
تشير "أوراق بنما" إلى أن موساك فونسيكا زودت شركة (I.M.F. Holdings Inc) والمسجلة في بنما سنة 1985، والتي يمتلكها علاوي، بمدراء تنفيذيين يديرون أعماله. الشركة التي استمر بامتلاكها بشكل كامل حتى 2000، كانت تملك منزلاً في كينغستون، في بريطانيا يطل على نهر التايمز.
في أبريل / نيسان 2013، وتزامناً مع انهيار الشركة التي يمتلكها علاوي، أصبحت ملكية المنزل المطل على التايمز، والذي تقدر قيمته بمليون ونصف المليون دولار، باسم السياسي العراقي الذي شغل في الفترة ما بين 2014 و2015 كنائب لرئيس الجمهورية في العراق.
شركة أخرى من شركات "ما وراء البحار" وهي (Moonlight Estates Limited) والتي تعود ملكيتها إلى علاوي أيضاً، تمتلك عقارا آخر في لندن. الوثائق التي تسربت من موساك فونسيكا، تحدد مصدر الأموال التي امتلك علاوي من خلالها عقاراته في لندن، عن طريق شركتي (I.M.F. Holdings Inc) و(Moonlight Estates Limited) باعتبارها "مدخرات شخصية". الأمر الذي يضع الكثير من الأسئلة حول حقيقة مصدر هذه الأموال، أو "المدخرات الشخصية" التي تمكن علاوي من خلالها من تملك تلك العقارات.
المكتب الإعلامي لإياد علاوي، وبحسب "أوراق بنما" أوضح حقيقة الشركات التي يمتلكها السياسي العراقي. وأكد المكتب الإعلامي امتلاك علاوي بالكامل لثلاث شركات، هي (I.M.F. Holdings Inc) و (Moonlight Estates Limited) و (Foxwood Estates Limited، مشيراً إلى أن تأسيس شركة IMF)) جاء حصرياً من أجل امتلاك منزل علاوي في لندن، بناء على "نصائح قانونية" ولأسباب وصفت بأنها "أمنية". وأكد أن كل حسابات الشركات صحيحة، وأن "الضرائب دُفعت في الحال".