حروب الأنبار بعد "داعش": أموال إعمار وعداء عشائر

حروب الأنبار بعد "داعش": أموال إعمار وعداء عشائر

27 ابريل 2016
آلاف النازحين ينتظرون العودة إلى الأنبار (معاذ الدليمي/فرانس برس)
+ الخط -

تصاعدت حدّة الخلافات بين المسؤولين في محافظة الأنبار، غرب العراق، على خلفية مقتل وإصابة عشرات المدنيين العائدين إلى منازلهم في مدينة الرمادي عقب تحريرها، مطلع العام الحالي، مع توجيه ديوان الوقف السنّي اتهامات لجهات وأحزاب سياسية في ديوان المحافظة والمجلس المحلي بتفخيخ المنازل لمنع عودة السكان إليها في الوقت الحالي، لنوايا يقول المجلس إنها تتعلق بأموال إعادة الإعمار والشركات التي سيتم الاتفاق معها. في المقابل، تنفي حكومة الأنبار المحلية ومجلسها ذلك، وتتهم رئيس الديوان عبد اللطيف الهميم بأنه تجاهل دعوات تأخير إعادة النازحين لحين التأكد من خلو المدينة من أي أجسام متفجرة، وأنه يسعى إلى كسب سياسي من الشارع للانتخابات المقبلة، وفقاً لتصريحات مسؤولين فيهما.
وتشهد الرمادي التي استعادت القوات العراقية السيطرة عليها من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) نهاية العام الماضي، عودة آلاف النازحين من أبنائها، بعد إعلان الجهات المسؤولة عن أمن المدينة تأمينها وصلاحيتها للسكن. لكن عائلات عدة قُتلت بالكامل بتفجير منازلها وهي بداخلها بعد عودتها إليها من النزوح عقب تحرير المدينة وتأكيد المسؤولين عنها بتأمين منازل المدينة، وهو ما أثار زوبعة اتهامات متبادلة بين المسؤولين في المدينة.

تبادل اتهامات
عمد تنظيم "داعش" إلى تلغيم العديد من المباني والمنازل والشوارع والمحال التجارية، في مدينة الرمادي، قبل استعادتها من قِبل القوات الأمنية العراقية، وهو أسلوب معروف يتبعه التنظيم قبل انسحابه من المدن، سعياً لإيقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوف القوات العراقية، ولعرقلة تقدّمها في وقت المجابهة. وقُتل حتى الآن نحو 50 مدنياً جراء تلك التفجيرات التي حدثت عقب إعادة أكثر من 10 آلاف عائلة إلى المدينة، فيما أعلن محافظ الأنبار، صهيب الراوي، مقتل أكثر من 100 خبير متفجرات في عمليات تطهير المدينة.
أما مجلس محافظة الأنبار، فحمّل رئيس الوقف السنّي، عبد اللطيف الهميم، وهو المسؤول عن ملف عودة النازحين إلى المدينة، مقتل المدنيين بانفجار المنازل المفخخة والمتاجر وحتى أعمدة الكهرباء وفتحات شبكات تصريف المياه. ويقول المتحدث باسم الحكومة المحلية لمحافظة الأنبار، عيد عماش، لـ"العربي الجديد"، إن عملية إعادة النازحين التي تبنّاها الهميم كانت متسرعة وتمت قبل تطهير المدينة.
لكن الهميم اتهم، في بيان تلقت "العربي الجديد" نسخة منه، مسؤولين في مجلس محافظة الأنبار، بإعادة تفخيخ المنازل التي طهّرتها الفرق الهندسية في الرمادي لـ"عرقلة" إعادة النازحين". وأكد البيان، أن "المناطق التي أعلنت لجنة إعادة النازحين إلى الرمادي برئاسة عبد اللطيف الهميم بأنها خالية من المتفجرات، تم تطهيرها بالكامل، ولم تشهد أي خروق أمنية"، متهماً مسؤولين في الأنبار بتدبير حوادث "للحصول على أموال مشاريع إعادة النازحين، وربط عودة النازحين بحصولهم على عقود المشاريع".
وقال البيان إن "بعض أصحاب السلطة (في الأنبار) يجنّدون الإرهابيين لتفخيخ المنازل وإرعاب ساكنيها، بهدف عرقلة ومنع عودة أهالي الأنبار، وإبقائهم في مخيمات النزوح، لتحقيق مكاسب مادية وكتلوية بائسة"، مهدداً "بالكشف عن أسماء وصور وتسجيلات هؤلاء الإرهابيين، والجهات التي تقف وراءهم، فور انتهاء تحقيق الجهات المختصة فيها".


تنافس لمصالح شخصية
وتكشف جهات أمنية وناشطون ومقاتلون من عشائر أهالي الأنبار، لـ"العربي الجديد"، عن التوصّل إلى معلومات خطيرة، تؤكد أن الأيام المقبلة ستشهد أعمال عنف واشتباكات بين الجهات المسؤولة عن أمن المحافظة.
وتقول مصادر لـ"العربي الجديد"، إن خلافات شديدة بين عدد من الجهات المسؤولة في المحافظة عن هذا الملف، سببها الحصول على المكاسب والمناصب، في الوقت الذي تشير فيه معلومات إلى قرب وصول دعم عربي ودولي لإعادة إعمار المحافظة. ووفقاً للمصادر، فإن عبد اللطيف الهميم، يحاول جاهداً أن يكون صاحب الدور الأكبر في تأمين المحافظة من الألغام، ويسارع في إعادة النازحين إليها، ويدعم فرقاً خاصة بتطهير المنازل من الألغام. وتقول المصادر إن سبب استعجاله بعودة النازحين، هو سعيه ليكون هو صاحب الحظ الأوفر في تسلّم ملف إعادة إعمار المدينة.
وتُوجّه إلى الهميم اتهامات بالتعاون مع "مليشيات" مُنعت سابقاً من قِبل مجلس محافظة الأنبار ومقاتلي العشائر من الدخول إلى الأنبار، بسبب وجود اتهامات لهذه المليشيات بالقيام بأعمال طائفية في المناطق التي يتم تحريرها. وتقول المصادر، إن هذه المليشيات تدخل اليوم على شكل فرق متخصصة بإبطال العبوات الناسفة وتطهير المنازل، لكنها تعمل على تفخيخ بعض المنازل، وتكتب في تقريرها بأنها مؤمّنة وصالحة لعودة أهلها، وحين يعود أهلها تنفجر فيهم. وبحسب المصادر، فإن تلك الفرق تعمل لإبقاء المحافظة غير مؤهلة، خوفاً من تحوّلها إلى إقليم "سنّي"، وإعادة إعمارها من قِبل دول عربية.
وتؤكد مصادر من داخل الوقف السنّي، الذي يرأسه عبد اللطيف الهميم، أن الأخير ينفق مبالغ طائلة من أموال الوقف على دعاياته، سعياً منه للاستحواذ على الدعم الخارجي لإعمار الأنبار. كما أنه يدعم عشرات المواقع الإلكترونية التي توجّه خطاباتها ضد مناوئيه، كجزء من الحرب الإعلامية التي تُدار من قبله، فيما يواصل مناوئوه حرباً إعلامية مماثلة.

في المقابل، يعمل محافظ الأنبار، صهيب الراوي، للإبقاء على تصدّره المسؤولية عن المدينة، وتشير المصادر إلى أن الراوي تسلّم دعماً من قبل منظمات دولية، منها الأمم المتحدة، لتأمين المحافظة، لكنه يحاول الإبطاء في تنفيذ المشاريع المطلوبة وتأخير عودة النازحين، لأجل إفشال ما يخطط له الهميم. وتقول المصادر إن مجموعات مدعومة من جهات مناوئة لعبد اللطيف الهميم، كتبت على جدران بيوت ملغمة بأنها آمنة، ولكنها انفجرت حين عاد إليها أصحابها، والغاية من هذا الأمر توجيه الاتهام للهميم بالوقوف وراء تفجير المنازل ومقتل السكان عند عودتهم إليها.
هذه الحرب في الأنبار توضح حجم الكارثة التي تمر بها المحافظة بعد تحريرها، ففي الوقت الذي ينتظر فيه سكانها عودتهم إليها بعد عملية نزوح تعرضوا خلالها إلى ظروف صحية واجتماعية سيئة، تنشب صراعات بين المسؤولين لأجل الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من المنافع.
وكان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمر بتقديم الدعم العاجل لمحافظة الأنبار، وهو ما أكده السفير السعودي في بغداد، ثامر السبهان، في تغريدة على حسابه الشخصي في "تويتر"، أمس الجمعة، قال فيها: "أمرني سيدي بالوقوف على الاحتياجات الضرورية لأهلنا في الأنبار، وتقديم كل العون لهم وبشكل عاجل".
ويؤكد مقاولون، لـ"العربي الجديد"، أنهم تجهّزوا منذ أشهر لاستلام مشاريع إعمار المدينة، وهم يرتبطون بعلاقات مع عدد من الجهات المسؤولة في الأنبار. وبحسب فيصل الدليمي، أحد كبار المستثمرين العراقيين، فإن الشخصيات التي تدير المحافظة وأطرافا أخرى تتصارع في ما بينها لأجل الاستحواذ على الدعم المالي المقترح تقديمه دولياً لإعمار المحافظة. ويضيف: "ذلك الدعم تسبّب في مشاكل كبيرة، وانقسامات بين الكيانات الحزبية والعشائر، وليس مستبعداً وقوع اشتباكات مسلحة أو القيام بجرائم في سبيل المصالح الشخصية، وهو ما أدى إلى عدم استجابة الكثير من المستثمرين لدعوة المسؤولين عن المدينة لأجل العمل في مشاريع إعمارها".
يشار إلى أن القوات العراقية استعادت السيطرة على الرمادي، مركز محافظة الأنبار، نهاية العام الماضي، بعد أن دُمرت الكثير من مناطقها بسبب المعارك، فيما عمد تنظيم "داعش" إلى تلغيم أعداد كبيرة من البيوت والمباني والشوارع، وهو ما دعا إلى الاعتماد على فرق متخصصة بإزالة الألغام، لأجل إعادة سكان المدينة النازحين إليها. وعلى خلفية تصاعد الخلافات وتبادل الاتهامات، أصدر رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، أمراً بفتح تحقيق في اتهامات رئيس الوقف السنّي بوجود جماعات تقوم بتفخيخ المنازل ووضع المتفجرات لمنع إعاقة عودة النازحين. وحصلت "العربي الجديد" على وثيقة صادرة من مكتب المحافظ تكشف عن تشكيل لجنة تحقيق في الاتهامات المتبادلة بأمر من العبادي، وبرئاسة ضباط في الجيش والشرطة.

المساهمون