حقول النفط الليبية... التحدّي الأكبر لشرعية حكومة السراج

حقول النفط الليبية... التحدّي الأكبر لشرعية حكومة السراج

26 ابريل 2016
تعرّضت منشآت النفط الليبية لعدة اعتداءات (فرانس برس)
+ الخط -
تواجه حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يرأسها فائز السراج، جملة من التحديات الجديدة؛ على الرغم من نجاحها في إحراز تقدّم مهم منذ انتقالها إلى طرابلس وتسلمها عدداً من الوزارات، آخرها كان مقر وزارة الخارجية، جاءت تطورات الأيام الأخيرة لتوضح صورة المشهد الليبي بشكل أدق، إذ يتواجه معسكران توضّحت ملامحهما، أحدهما في طرابلس ويجمع حكومة الوفاق ومسانديها من النواب وبعض أحزاب الغرب الليبي، ومن ورائها أغلب دول الجوار والمجتمع الدولي، والثاني في شرق البلاد ويضم أغلب قبائل المنطقة وبعض أحزابها وعدداً من نوابها والجيش الذي يقوده خليفة حفتر. ووقع وزير الدولة لشؤون المجالس المتخصصة في حكومة الوفاق، محمد عماري، على محضر التسليم والاستلام في مقر وزارة الخارجية في شمال طرابلس، يرافقه عدد من المسؤولين الأمنيين، بحسب ما افاد مراسل وكالة "فرانس برس". ومقر وزارة الخارجية هو سادس مقر وزاري تتسلمه حكومة الوفاق منذ الاثنين الماضي، بعد استلامها وزارات المواصلات والحكم المحلي والشؤون الاجتماعية والاسكان والشباب والرياضة.

ولم تنجح محاولة تقريب وجهات النظر على امتداد الأسبوع الماضي، وفشل طرفا برلمان طبرق من مؤيدي ومعارضي حكومة الوفاق في إيجاد صيغة تمنحها الثقة، وتقدّم الضمانات التي يطالب بها كل طرف. وفيما يلعب المعسكر الشرقي على سحب الشرعية من السراج لعدم حصوله على ثقة مجلس النواب، وتجميد الوضع السياسي، واستثمار الزمن قبل تسليم السلطة كاملة للسراج، ينفد صبر المجتمع الدولي الذي يريد أن يبدأ في مناقشة أولوياته مع حكومة استوفت شروطها القانونية، وأمسكت بزمام مؤسسات الدولة، وحققت الحد الأدنى الأمني.

غير أن تطوراً لافتاً شهدته البلاد، يوم أمس الأول الأحد، وشكّل مؤشراً على أجواء المرحلة الليبية المقبلة، إذ أصدر المجلس الرئاسي بياناً هو الأول من نوعه، أشار فيه إلى تقارير أمنية حول احتمال وقوع هجمات إرهابية على بعض المواقع النفطية البحرية من قبل مجموعات تنتمي إلى النظام السابق وجماعات متمردة من دول الجوار الأفريقي كحركة "العدل والمساواة". وقال البيان إن الهدف من وراء ذلك هو "إفساد مشروع الوفاق الوطني وخلط الأوراق"، داعياً دول الجوار الأفريقي والأوروبي إلى تعزيز التعاون مع السلطات الليبية وتكثيف مراقبة الحدود، لمنع وقوع هذه الهجمات وإيقاف تدفق الأفراد والأسلحة التي يمكن أن تُستخدم في مثل هذه الهجمات. ولكنه دعا خصوصاً، المجتمع الدولي والأمم المتحدة لمساعدة حكومة الوفاق الليبية، طبقاً لقرارات مجلس الأمن، وعدم السماح لأي طرف كان بالسيطرة أو استغلال الموارد النفطية خارج شرعية الدولة.

وتبدو هذه المواجهة حول حقول النفط، اختباراً حقيقياً للجميع، لأنها ستوضح بشكل كامل ما إذا كانت حكومة الوفاق هي صاحبة الأمر في البلاد، وما إذا كان المجتمع الدولي صادقاً في دعمها على الأرض وليس سياسياً فقط، وستوضح أيضاً ما إذا كان معارضوها قادرون على فرض تقسيم السلطة مع الحكومة الجديدة، بحيث يعود الوضع إلى ما كان عليه، حكومة في الغرب وأخرى في الشرق.


لكن السراج يدرك أن هذا الاختبار هو من التحدّيات الأهم أمامه، لأنه إذا نجح في منع حكومة طبرق من الاقتراب من حقول النفط فهو يجردها من أهم الأسلحة، ويجعلها حكومة صورية لا تأثير لها على الأرض، كما حدث في طرابلس. ولكن السراج سيكون في حاجة لاستكمال الخطوة الدستورية الأخيرة التي فشلت في طبرق وهي الحصول على ثقة البرلمان، ويجري البحث عن تنفيذها بأي شكل، خصوصاً أنه يحظى بتأييد أغلبية النواب. ويبدو المجتمع الدولي أيضاً راغباً بحصول حكومة السراج على ثقة برلمان طبرق.

وعبّرت معظم الدول الغربية الكبرى عن دعمها لنواب طبرق الذين صادقوا على الحكومة خارج قبة البرلمان، في إشارة لاستعداد هذه الدول لقبول هذا الإجراء شكلاً ومضموناً، وهو ما بدا واضحاً في الموقف الأميركي الذي جاء على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إليزابيث ترودو، التي أكدت أن "الولايات المتحدة تقف مع الأعضاء الذين يعملون من أجل تقدّم العملية السياسية وتنفيذ الاتفاق السياسي، على الرغم من التخويف والتهديدات الموجّهة لهم".

موقف مماثل يتبناه المبعوث الأممي مارتن كوبلر، الذي حدد مهلة "10 أيام فقط لمنح الثقة للحكومة المقترحة التي يجب أن تؤدي اليمين الدستورية لتباشر عملها"، وفق قوله. وهدّد كوبلر بأنه "من المتوقّع صدور مزيد من العقوبات الدولية على شخصيات وكيانات ليبية على خلفية عرقلتهم مجلس النواب لمنح الثقة لحكومة الوفاق المقترحة".

إلى ذلك، عاد النواب المؤيدون للحكومة من طبرق إلى طرابلس، وبدأوا على الفور في عقد مشاورات لتحديد مكان انعقاد جلسة أداء اليمين القانوني للحكومة أمام مجلس النواب، في مكان آخر غير مقر طبرق، على الأرجح في مدينة غدامس، وفي أجَل قصير قد لا يتجاوز نهاية هذا الأسبوع. وعلى الرغم من الجدل القانوني حول دستورية هذا التحرك، فإنه يبدو الحل الوحيد المتبقي أمام مؤيدي الحكومة، بعد فشل اجتماعات الأسبوع الماضي، ولكن تبقى الخشية من أن يُعمّق هذا التوجّه الخلافات ويغذي التقسيم بين شرق البلاد وغربها، ولذلك تحدث بعض النواب عن العودة إلى طبرق، بعد جلسة غدامس الممكنة، والتمسّك بالبرلمان كجسم تشريعي كما ينص الاتفاق السياسي.

المساهمون