25 إبريل المصري: موعد ضد الاستسلام يُقلق السلطة

25 إبريل المصري: موعد ضد الاستسلام يُقلق السلطة

25 ابريل 2016
شدّد النظام الإجراءات الأمنية في البلاد (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
بلهجة حازمة تعبّر عن القلق والضغوط من الشارع ورأس النظام، تحدث وزير الداخلية المصري، مجدي عبد الغفار، صباح أمس، الأحد، وقبل أقل من 24 ساعة على التظاهرات المرتقبة، اليوم الإثنين، لمعارضي سياسات نظام الرئيس، عبد الفتاح السيسي، وتحديداً قرار تسليم السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وقد حذّر عبد الغفار من المساس بالمنشآت الحيوية والمرافق الشرطية، مؤكداً أن "القانون سيطبق على الجميع بكل حزم وحسم، ولن تسمح الشرطة بالخروج عنه تحت أي مسمى".

ويسود القلق دوائر النظام السياسية والإعلامية والقضائية والشرطية، مع اقتراب موعد التظاهرات التي يتوقع النشطاء أن تكون الأكبر في عهد السيسي، لا سيما وأنها ستضم مختلف التيارات السياسية التي شاركت في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، باستثناء بعض الأحزاب المشاركة في تحالف "دعم مصر"، الذي يمثل الأكثرية النيابية الموالية للسيسي في مجلس النواب.

في هذا السياق، تكشف مصادر أمنية، لـ"العربي الجديد"، أن "القاهرة ستشهد تواجداً أمنياً مشدداً في جميع الميادين الحيوية والشوارع، التي اعتاد المتظاهرون على التجمع فيها، بهدف منع أية تجمعات محتملة مبكراً، والحيلولة دون تطوّر الأمور إلى اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة".

وتضيف أن "الخطة التي اعتمدها وزير الداخلية، شبيهة بما تم يوم ذكرى الثورة في 25 يناير الماضي، حين أدى الانتشار المكثف لعناصر الأمن في القاهرة، واعتماد نظام الكمائن الثابتة والمتحركة في جميع أنحاء العاصمة، إلى تخويف المواطنين من النزول". وتصف المصادر هذه الخطة بأنها "الحل الوحيد ليمر اليوم على خير"، مشيرة إلى أن "أي اشتباك أو تشديد للحصار على المتظاهرين في أي موقع، سيؤدي لتكرار ما حدث في الأيام الأولى من ثورة يناير 2011، بسقوط ضحايا وزيادة عدد المتظاهرين".
كما توضح المصادر أن "الحسم الذي يقصده وزير الداخلية، سيكون في سياق استمرار حملات الاعتقال والمداهمة السريعة، التي تشنّها الشرطة منذ أسابيع عدة، وزادت وتيرتها منذ يوم الخميس، بعد أن أصدر توجيهاته بسرعة، واعتقال أفراد أي تجمع من المواطنين، قبل زيادة الأعداد"، مراهناً في ذلك على العدد الكبير من قوات الأمن المركزي والمباحث التي ستتواجد اليوم في الشوارع.

وردّاً على سؤال عن سبب تضرر النظام من حملة الاعتقالات العشوائية، التي شنّها جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة)، مساء الخميس الماضي، تنوّه المصادر إلى أن "الحملة التي كان مخططاً لها لم تكن تتضمن هذا الإجراء أبداً، وكانت تقتصر على اعتقال نحو 100 فرد من منازلهم بموجب أوامر ضبط وإحضار من النيابة. لكن المظهر العشوائي للحملة، أضرّ بصورة الداخلية والحكومة"، قاصداً بذلك صورة النظام بعد نفي الرئاسة المصرية خبراً نشرته صحيفة "الشروق" الخاصة، عن صدور أوامر من السيسي بمنع التظاهرات المرتقبة بأية وسيلة، وانتقاده التعامل الناعم للأمن مع تظاهرات الجمعة 15 إبريل/نيسان الحالي المعروفة بـ"جمعة الأرض".

وكانت كلمات وزير الداخلية قد عبّرت عن القلق الحكومي من التظاهرات، بقوله إنه "في ضوء ما اتخذته الدولة من خطوات جادة نحو الاستقرار وإرساء دعائم التنمية، وما حققته من نجاحات في شتى المجالات في ظل مناخ يسوده الأمن، بات من غير المسموح لجوء البعض إلى ممارسات غير دستورية تخرج عن الأطر القانونية".

وكما تغيرت لهجة وزير الداخلية من الحديث فقط عن "المواجهة الأمنية" إلى محاولة تسييس وتقنين التعامل المنتظر مع التظاهرات، تغيرت أيضاً لهجة السيسي نفسه. وكان الرئيس المصري قد وجّه خطاباً في كلمته المسجّلة للمواطنين، أمس الأحد، بمناسبة الذكرى الـ34 لتحرير سيناء عام 1982، مطلقاً تعهّدات عدة بتحسين الأوضاع الاقتصادية، خصوصاً لمحدودي الدخل، في محاولة لتحييدهم في المواجهة بين نظامه وبين المتظاهرين. بالتالي كلّف الحكومة بتعويض محدودي الدخل بنقاط تموينية، تعادل حجم زيادة سعر الدولار مما سينتج عنه زيادة السلع الممنوحة لهم شهرياً، كما كلف الجيش بتوزيع السلع التموينية على مليوني أسرة في المناطق الأشد فقراً.

ولم يتحدث السيسي في هذا السياق عن مشكلة ارتفاع أسعار جميع السلع نتيجة الانخفاض الحاد في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، ووقف استيراد العديد من السلع الأساسية والاستهلاكية وبصفة خاصة الدوائية، مقابل عدم زيادة الصادرات مما يؤدي لتفاقم ميزان المدفوعات وزيادة التضخم.

وبدلاً من اللهجة الحاسمة والحازمة التي تحدث بها السيسي في خطاباته الأخيرة، اكتسى وجهه خلال كلمة الأمس بابتسامة قلقة، وهو يدعو المواطنين "للحفاظ على مؤسسات الدولة التي أعدنا بناءها خلال 30 شهراً (قاصداً بذلك الرئاسة والبرلمان والحكومة والدستور) وعدم التفريط في مكاسب تحقيق الأمن والأمان"، في خطاب شبيه في منطقه بالخطابات الأخيرة للرئيس المخلوع، حسني مبارك، خلال ثورة يناير، عندما كان يتحدث عن ضرورة الحفاظ على الأمن والأمان ومواجهة دعاة الفوضى والتخريب.

وأفرد السيسي في حديثه جانباً لما وصفه بـ"نجاحه في إرساء قواعد دولة القانون" وذلك ارتباطاً بزيارته دار القضاء العالي، يوم السبت، التي تحدث فيها طويلاً عن الالتزام بالدستور والفصل بين السلطات، متناسياً حملات الاعتقال التي تشنها شرطة النظام في أوساط الشباب والنشطاء السياسيين والطلاب على مدار الأسابيع الأخيرة، التي تتناقض مع الدستور وقانون الإجراءات الجنائية، ويتم تغطيتها بواسطة قرارات ضبط وإحضار لاحقة تصدر من النيابة العامة بناء على تحريات الأمن العام فقط.

في هذا الإطار، يكشف مصدر قضائي بمحكمة النقض، لـ"العربي الجديد"، بأن "الإشارات الواردة من النيابة العامة تكشف بوضوح وجود أوامر عليا لها، بالتغطية على الاعتقالات المتتابعة في أوساط الشباب تحت مسمى قرارات الضبط والإحضار"، واصفاً ما يحدث بـ"أسوأ ما يمكن للنيابة العامة فعله في الوقت الحالي".

وينوّه المصدر إلى اعتذار عدد من وكلاء النائب العام بنيابة أمن الدولة العليا، ونيابات شرق ووسط القاهرة عن التحقيق في وقائع الاعتقالات الأخيرة، تهرباً من الضغوط التي يمارسها عليهم رؤساؤهم لسجن عدد من الشباب بتهم "التحريض على التظاهر وتكدير السلم العام والسعي لقلب نظام الحكم".

كما يضيف أن "قرارات الاتهام والحبس الصادرة من نيابة شرق القاهرة تحديداً، ضد 11 شاباً تم اعتقالهم مساء الخميس الماضي، جاءت مليئة بالتناقضات، إذ تم توجيه اتهامات واردة في قانون الإرهاب إليهم، وتم توصيف وقيد الواقعة كجنحة وليست كجناية، مما يدل على تعرض وكلاء النيابة لضغوط معينة تؤدي لإضعاف عملهم القانوني بهذه الصورة".

ويُرجّح المصدر أن "تخرج تحقيقات النيابة في هذه الوقائع رديئة وضعيفة، مما يتعذّر قبولها من محكمة الجنايات أو محكمة النقض"، مشيراً إلى "عدم مشروعية القبض على الأشخاص والتحقيق معهم لمجرد نيتهم التظاهر، لأن العبرة بتحقق الواقعة وليس الشروع فيها، لا سيما وأن الشروع لم يترتب عليه أي أثر مادي في حالة الشباب المسجونين وكذلك القيادي الاشتراكي الثوري، هيثم محمدين".

أما في ما يتعلق باستعدادات الإعلام المؤيد لنظام السيسي لتظاهرات اليوم، فقد حملت المنابر الإعلامية الفضائية، مساء السبت، مفارقات غريبة، فللمرة الأولى يتحدث الإعلاميون الشبان، المنتمون إلى المجموعة المعروفة باسم "شباب الإعلاميين" والتابعة للدائرة الاستخباراتية ـ الرقابية، التي يديرها عباس كامل، مدير مكتب السيسي، بلهجة أكثر حدة وأكثر تخويفاً وأقرب للهجة الإعلاميين في أيام مبارك الأخيرة، من لهجة الإعلاميين المخضرمين المحسوبين على نظام مبارك، بما في ذلك بعض من عرفوا بموقفهم المناهض من الثورة والتحول الديمقراطي.

وقد ارتفعت نداءات التحذير من انهيار الدولة ومؤسساتها وضرورة الحفاظ على النظام والتصدي لدعوات التظاهر من الإعلاميين الشبان، الذين وزعهم مكتب السيسي على القنوات الفضائية والإذاعات والصحف. واستغلوا في ذلك حتى صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما اتسم حديث إعلاميين معروفين بموقفهما المؤيد تماماً لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013، وهما وائل الإبراشي، وسيد علي، بمعارضة حملات الاعتقال العشوائية، وطالبا بتطبيق الدستور والقانون وعدم التخوف من تظاهرات اليوم.

وتعكس هذه المفارقة، في رأي مراقبين، دفع بعض دوائر النظام، بل وأجنحة داخل بعض الدوائر، في اتجاه إحراج السيسي سياسياً وشعبياً من خلال تضخيم حالة الغضب الشعبي ضده، والاعتراضات على التعامل الأمني مع المظاهرات المرتقبة، والتعامل السياسي مع الأزمات المختلفة وأبرزها ملف جزيرتي تيران وصنافير.

ويتشابه هذا الرأي مع ما رجحه مصدر حكومي من خلفية أمنية عن وقوف جناح (أو أجنحة) داخل جهاز الأمن الوطني، خلف حملات الاعتقال العشوائية في صفوف الشباب ثم ترك معظمهم خلال الأيام القليلة الماضية، لإحراج رأس النظام وتصفية الخلافات مع الدائرة الاستخباراتية ـ الرقابية، التي شكلها السيسي العام الماضي لإدارة المشهد السياسي في البلاد.

المساهمون