حلول عقد حكومة السراج مؤجّلة: بوسهمين وصالح يواجهان العالم

حلول عقد حكومة السراج مؤجّلة: بوسهمين وصالح يواجهان العالم

14 ابريل 2016
حملة عقيلة صالح طالت المبعوث الأممي كوبلر(طه جاوشي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يهدأ الصراع السياسي في ليبيا بعد، خصوصاً عقب وصول حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج إلى العاصمة طرابلس لممارسة مهامها وتشكيل المجلس الرئاسي اللذين يرفضهما المؤتمر الوطني العام وبرلمان طبرق، على الرغم من المساعي الدولية والأممية لحلّ الأزمة السياسية القائمة. وفي الوقت الذي كانت فيه عشرات الدول في تونس، ووزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني في طرابلس، أول من أمس الثلاثاء، يدعمون حكومة السراج بقوة، كان كل من المؤتمر الوطني العام برئاسة نوري بوسهمين، وبرلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح يسبح عكس التيار، ويؤكد ثباته على الموقف الرافض لحكومة السراج، وللسراج نفسه.

ويصرّ كل من بوسهمين وصالح على طرح الأسئلة ذاتها التي لم يجب عنها السراج، لغاية الآن، عن ماهية الضمانات والتسويات التي سيقدّمها السراج لكل مخالفيه، وكيفية المشهد السياسي العام في ليبيا إذا ما استقر الأمر، نهائياً، لصالح حكومة الوفاق. ويُحسب لكل هذه الأطراف المتنازعة في ليبيا، بحسب مراقبين، أنها لم تسع إلى حسم خلافاتها بالسلاح، وحوّلت المعركة والخلافات الجوهرية بينها إلى معارك سياسية وقانونية، ما يعني أنها تترك الباب واسعاً أمام التفاهمات.

وفي حين بدأت الساحة الدولية والداخلية تطمئن لتسلّم السراج زمام الأمور في البلاد، خصوصاً بعدما سيطر على المؤسسات وبدأ بإصدار القرارات، وسط انسحاب تدريجي لكل من المؤتمر العام وحكومة خليفة الغويل، دبّت الحياة من جديد في الجسمَين. وأصدر المؤتمر بياناً، الثلاثاء، دعا فيه إلى إعادة تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. واعتبر المؤتمر في بيانه، على لسان المتحدث باسمه، عمر حميدان، أنّه (المجلس) أصبح خصماً وطرفاً في الصراع، مشيراً إلى أن "المجلس الرئاسي قفز حتى على اتفاق الصخيرات". ورفض المؤتمر ما وصفه بـ"قيام مجموعة من أعضائه بتكوين المجلس الأعلى للدولة، بهدف تقاسم المناصب"، معلناً أن "عضوية المجلس الأعلى ستكون ممثلة لكل مكوّنات ليبيا، بعد اعتماد المعايير والضوابط لعضوية المجلس بالتنسيق مع البرلمان".

وأكد البيان أنّ المؤتمر لا يزال مع الحوار الذي يجمع شمل الليبيين للوصول إلى حلّ حقيقي متوازن للأزمة الليبية. وحذّر المؤتمر من انتهاج بعض الأطراف السياسية أسلوب التهديد بالقوة، مشيراً إلى أنه أصدر قراراً باستمرار حكومة الإنقاذ في أعمالها إلى حين تشكيل المجلس الرئاسي. وقال عضو المؤتمر الوطني العام، محمود عبدالعزيز الورفلي، في تصريح صحافي، عن أنّ المؤتمر أصدر قراراً باستمرار تكليف الحكومة (حكومة الغويل)، وأنه يحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الأوضاع الراهنة لما يسمى المجلس الرئاسي، على حد وصفه.

وأشار إلى أن بعض أعضاء المؤتمر الوطني الذين عقدوا جلسة، أخيراً، يتحملون المسؤولية مع هذا المجلس لأنهم خالفوا لوائح المؤتمر، والاتفاق السياسي الذي وقّع عليه، ومن ثم اختيارهم لرئاسة ما يسمى مجلس الدولة، وفقاً له. وبالفعل، خرج الغويل عن صمته الطويل، منذ أيام، وعقد مجلس الوزراء لحكومة الإنقاذ الوطني اجتماعه العادي الحادي عشر، ليتخذ جملة من القرارات المتعلقة بالتصدير، والكهرباء، والسياحة، والإعلام والثقافة، كأي حكومة عادية لا شيء يعطلها أو يزعجها، في تجاهل تام لحكومة الوفاق.

في المقابل، قرر المجلس الأعلى للدولة الذي انتخب عبد الرحمان السويحلي رئيساً له، إيقاف جميع أشكال التعاملات الرسمية مع ما سماه "بقايا المؤتمر الوطني العام". وقرر مكتب رئاسة المجلس مخاطبة كافة مؤسسات الدولة وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي، وهيئة الرقابة الإدارية، وديوان المحاسبة بضرورة وقف جميع أشكال التعاملات الرسمية مع "بقايا المؤتمر الوطني العام"، وحصر تعاملاتها مع المؤسسات الشرعية السيادية المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي.


وجرت كل هذه الاجتماعات، الثلاثاء، في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الإيطالي يلتقي السراج، ليبرم الاتفاقات ويتحدث عن المشاريع الإنمائية والصحية. وانتهى المشهد، ليلاً، بحوار مطوّل لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح في حوار مع قناة "218" الليبية، أطلق فيه النار على الجميع، وفي مقدمتهم السراج. واعتبر صالح أن السراج "ما كان عليه الدخول بتلك الطريقة إلى طرابلس"، مشيراً إلى أنه سمع بدخول السراج إلى طرابلس "عبر قطعة بحرية إيطالية، ثم نقل بواسطة قطعة ليبية تسمى السدادة، عندما دخل المياه الإقليمية". وأضاف "كان عليه أن يأتي إلى طبرق، أولاً، ليحصل على الثقة. وكل الأعمال التي قام بها بعد وصوله إلى طرابلس باطلة".

ولفت صالح إلى أن قرارات السراج الأخيرة "تثبت أنه ليس رجل المرحلة"، مستغرباً كيفية ترشيحه لرئاسة مجلس الوزراء، ومشدداً على أنّ "البرلمان لم يرشحه، ولم يكن شخصية معروفة قبل هذا الأمر. لا تجربة سياسية أو ماضي سياسياً له"، وفقاً لصالح. وقال "إذا لم يتم التصويت على منح الثقة للحكومة، فإن في ليبيا كفاءات كثيرة غير السراج".

كما طاول نقد صالح المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، معتبراً أنه يقوم بتنفيذ أجندة ما، "ولا يتصرف كوسيط بل كصاحب قرار". ورجّح صالح أن "كوبلر الذي عاد للتأكيد على شرعية البرلمان، فعل ذلك بعد خطابه الأخير الذي نبّه فيه من مغبة تجاوز البرلمان، وبعد التظاهرات المؤيدة لهذا الموقف في كل المدن الليبية". واعتبر صالح أن الخلافات الليبية ـ الليبية هي سبب التدخل الأجنبي، وهدف المجتمع الدولي هو خيرات ليبيا". وفي ما يخص لقاء صالح وبوسهمين في مالطا، قال الأول إنهما لقيا تطابقاً في مستقبل البلاد، وطلبا من وزير الخارجية المالطي، جورج فيلا الاتصال بكوبلر ودعوته للحضور لتضمين بنود اللقاء في الاتفاق السياسي ليلة إمضائه في الصخيرات، لكنه رفض ذلك، وطلب الإمضاء على الاتفاق كما هو، وفقاً لصالح.

وعن تأخر البرلمان في المصادقة على الحكومة، أكد صالح وجود خلاف حقيقي بين شقّي البرلمان. "ففي حين يطالب طرف بالتعديل الدستوري أولاً، يطالب الطرف الثاني بالمصادقة على الحكومة قبل ذلك". واعتبر أن هذه المشكلة يمكن أن يقع حلّها بالمصادقة على المسألتَين في جلسة واحدة. وعن تصريحات اللواء حفتر، الأخيرة، والتي نفى من خلالها سعيه لتشكيل مجلس رئاسي ودعمه لأي حكومة وفاق يتفق عليها الليبيون، قال صالح إن "المؤسسة العسكرية بعيدة عن التجاذبات السياسية وما صرّح به حفتر كان مطلوباً ويخدم الوفاق بين الليبيين. ودحض بتصريحاته الشكوك حول المؤسسة العسكرية، مذكراً بأنّ "مسألة الجيش غير قابلة للنقاش، لأنّ المؤسسة العسكرية التي تحارب الإرهاب لا يمكن التلاعب بها". وشدد على أن الأسلحة التي استولى عليها الجيش في بنغازي تمكّنه من ملاحقة التنظيمات المتشددة في سرت وكل مكان.

وتبقى المادة الثامنة في الاتفاق السياسي حجر العثرة بين الفرقاء الليبيين، إذ تنص على انتقال جميع صلاحيات المناصب العسكرية، والمدنية، والأمنية العليا، المنصوص عليها في القوانين والتشريعات الليبية النافذة إلى مجلس الوزراء. ويعتبر أعضاء من شرق ليبيا أن عدم وجود ضمانات حقيقية بعدم المساس بالمؤسسات العسكرية، ستكون العائق أمام منح الثقة لحكومة الوفاق.

في غضون ذلك، يواصل السراج عمله متجاهلاً كل ما يحدث حوله، متسلحاً بالتأييد الشعبي، والدعم الدولي الذي يتزايد يومياً. لكن السراج، بحسب متابعين، سيكون مجبراً، في نهاية المطاف، على الإجابة عن كل هذه الأمور، قبل أن ينكسر هذا الهدوء النسبي، ويعود الجميع إلى المربع الأول.

المساهمون