ليبيا وتحديات بناء الثقة

ليبيا وتحديات بناء الثقة

28 مارس 2016
تنتظر ليبيا محطات مفصلية (عبدالله دومة/فرانس برس)
+ الخط -
ينتظر الليبيون حصول "معجزة"، تتجلّى في إمكانية تقبّل جميع الأطراف بأن تُمنح الفرصة لحكومة الوفاق بقيادة فائز السرّاج، بدخول العاصمة طرابلس، علّها تنجح في حلحلة الوضع، وتبدأ في إعادة ترتيب البيت الليبي، وتوجيه رسالة إيجابية للعالم، لناحية الشروع عملياً في بناء الدولة.

وقد نُظّمت أخيراً في تونس ورشة، جمعت عدداً من الشباب الليبي من مختلف المناطق، لا انتماء سياسياً مشتركاً لهم. وقد كشف الشباب عن خيبة أمل كبرى يشعرون بها تجاه نخبتهم السياسية بمختلف مكوناتها وانتماءاتها.
عاش الليبيون طيلة حكم معمّر القذافي في ظل الصوت الواحد واللون الواحد والشعار الواحد. أمضوا سنوات طويلة وهم لا يرون سوى اللون الأخضر، حين أعلمهم القذافي، صاحب "الكتاب الأخضر" بأن بلادهم تحوّلت إلى جماهيرية، وأن المؤتمرات الشعبية هي التي أصبحت تمارس السلطة من خلالهم لأن "من تحزّب خان" و"التمثيل تدجيل". في تلك الأجواء التي توقف فيها الزمن، كانت بعض الأصداء تصلهم سرّاً عن "أبطال يعيشون في المهجر ويقاومون الدكتاتورية، وينتظرون لحظة العودة إلى بلادهم لقيادتها نحو الديمقراطية والنهضة الشاملة".

جاءت تلك اللحظة عندما تصدّع النظام تحت وقع الغاضبين في الداخل وضربات الطيران الفرنسي من الخارج. دخلت ليبيا بعد ذلك مرحلة جديدة، وعاد المنفيون إلى بلادهم فوجدوا الترحيب والتهليل من أسرهم وقبائلهم وشعبهم. ولم تمض على هذه العودة إلا فترة وجيزة حتى نظمت خلالها الانتخابات البرلمانية في أجواء إيجابية فاجأت العالم، وأسفرت عن فوز معظم من ترشح من هؤلاء العائدين الذين وجدوا أنفسهم يقودون البرلمان والبلاد.

اقرأ أيضاً: كوبلر في طرابلس غداً لتأمين الدخول الآمن للسراج

هدأ الحماس، ووزعت الحقائب والأدوار، ولم تمض سوى بضعة أشهر حتى دب الخلاف بين مكونات النخبة الحاكمة الجديدة، واشتد الصراع بين أجنحتها، وتبادلوا التهديدات، وتجلى العجز عن إدارة شؤون البلاد، وبدلاً من أن تستمر الجهود في اتجاه بناء الدولة ومؤسساتها، انحرف الصراع بين هذه الأطراف عن مساراته الطبيعية، وانقسمت ليبيا إلى مناطق كل واحدة تدّعي أنها الأصل أو أنها أمة، فانقسمت الحكومة لحكومتين والبرلمان لبرلمانين.

لم تخفق النخبة فقط في بناء جيش وطني يحمى الحدود والدولة، بل الأخطر حصل، مع تورّط معظم أطرافها في تشكيل المليشيات وتفريخها. سمح هذا بتوفير المناخ الملائم لكل المخاطر، بفعل تسلّل أكثر التنظيمات عنفاً إلى داخل ليبيا، وباتت للإرهاب أراضٍ ومدنٍ يتخذ منها قواعد للتدريب وفرض ثقافة دينية وسياسية متشددة.

أدى ذلك إلى تحوّل البلاد إلى ساحة لمختلف أشكال التدخل الخارجي، وتعددت مصادر التمويل المشبوه، التي تتحكّم فيها شبكات تهريب كل شيء، من البضائع والحشيش ومختلف أنواع السلاح. وكانت النتيجة الطبيعية لذلك كله هو انهيار الاقتصاد.

لا يملك الليبيون ثقة فعلية في المستقبل، لعدم اقتناعهم بوجود نخبة متماسكة وقادرة على إخراج البلاد من مأزقها. لكنهم في الآن نفسه غير مطمئنين لمختلف الأطراف الخارجية، التي تزعم بأنها تعمل على مساعدتهم. حتى أن الأمم المتحدة لم تعد مقنعة لعموم المواطنين، وإن بقيت الجهة الوحيدة التي تُفضّل الأغلبية الاستمرار في المراهنة عليها، للدفع بمختلف الأطراف نحو التوافق.

يتمثل التحدي الكبير اليوم في كيفية تحقيق هدفين أساسيين، فبدونهما ستواصل ليبيا الدوران في متاهة لا نهاية لها. التحدّي الأول هو تركيز مؤسسات موحّدة، تتولى إشعار جميع الليبيين بأن هناك مشروع يوحي بأن الدولة في طريقها إلى العودة. وذلك أمر أساسي يحتاجه كل شعب يعمل على إثبات وجوده. أما التحدي الثاني فيخصّ طرق سحب السلاح الموزع بشكل فوضوي. إذ لا يمكن أن يشهد هذا البلد استقراراً فعلياً إلا بعد أن تصبح السلطة الشرعية هي صاحبة السلاح فقط.

اقرأ أيضاً: بان إلى تونس... ليبيا والإصلاحات التشريعية محور اللقاءات

دلالات

المساهمون