اعتداءات بروكسل تُجدد سجال انتشار كاميرات المراقبة أوروبياً

اعتداءات بروكسل تُجدد سجال انتشار كاميرات المراقبة أوروبياً

27 مارس 2016
تريد جهات أمنية أوروبية تعزيز نشر الكاميرات(كينزو تريبويارد/فرانس برس)
+ الخط -

في صباح السابع من يوليو/ تموز 2005، انفجرت ثلاث قنابل في ثلاثة من قطارات الأنفاق في العاصمة البريطانية لندن وانفجرت قنبلة رابعة في حافلة نقل عمومي، ما أسفر عن مقتل 52 شخصاً. وخلال ساعات قليلة، استطاعت أجهزة الأمن تحديد هوية الانتحاريين الأربعة بالاعتماد على صور سجلتها كاميرات المراقبة الموضوعة في محطات القطارات وعلى متن الحافلة وغيرها من الكاميرات المنتشرة في معظم شوارع لندن وطرقها.

وبعد أسبوعين من ذلك اليوم الدامي، فشلت محاولة أربعة مسلحين آخرين لشنّ هجمات مماثلة على أهداف عمومية في لندن، وتمكنت أجهزة الأمن والشرطة من التعرف على المُشتبه بهم بالاستعانة بصور الدوائر التلفزيونية المغلقة التي تعقبت المتورطين حتى بعد هروبهم بعيداً عن المواقع المُستهدفة. وقد دفعت هجمات 7/7 في لندن، الجهات الأمنية البريطانية إلى مضاعفة عدد كاميرات المراقبة في لندن وغيرها من المدن حتى بات البعض يصف بريطانيا بـ"غابة كاميرات المراقبة"، فيما يتجدد الحديث في الدوائر الأمنية والسياسية البريطانية والأوروبية حول أهمية كاميرات المراقبة في مكافحة الإرهاب بعد الاعتداءات التي شهدتها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتفجيرات الانتحارية التي وقعت أخيراً في بروكسل.


اقرأ أيضاً: صحافيون وثقوا هجمات بروكسل... صدفة

وبينما تولي بعض الجهات الأمنية الأوروبية أهمية قصوى لنشر المزيد من كاميرات المراقبة في المرافق العمومية والمواقع الحيوية لمنع وقوع المزيد من الاعتداءات التي باتت تستهدف العواصم والمدن الأوروبية، تقلل جهات أخرى من أهمية كاميرات المراقبة التي لا يتعدى دورها تسجيل وحفظ وقائع الأحداث أثناء وبعد وقوعها، من دون النجاح في منع وقوعها، وتدعو إلى استثمار الأموال في برامج وقائية تحول دون التحاق المزيد من الشباب الأوروبي في المنظمات الإرهابية، وتعمل على تعزيز اندماج هؤلاء الشباب في المجتمعات الأوروبية.

ومع هذا التباين لا يُشكك أي من المهتمين بمكافحة الإرهاب في أوروبا بأهمية المعلومات والبيانات التي تقدمها كاميرات المراقبة سواء في حالة حدوث اعتداء أو من خلال تقديم معلومات وقائية تمنع نجاح مخططات معدي الاعتداءات.

ويستدل أصحاب هذا الراي على أهمية المعلومات التي قدمتها كاميرات المراقبة في مطار بروكسل للتعرف على هوية الانتحاريين اللذين قتلا، ورفيقهما الثالث الذي رصدته الكاميرات يغادر المكان بعد ترك حقائب محشوة بالمسامير والمواد المُتفجرة. وقد ساعدت الصور التي التقطتها الكاميرات أجهزة الأمن البلجيكية في تحديد هوية جميع منفذي الاعتداءات، والتعرف على صلاتهم ببعضهم البعض وبغيرهم من المسلحين الناشطين في بلجيكا وفرنسا.

وعلى الرغم من الدور الهام الذي تؤديه كاميرات المراقبة سواء في منع وقوع اعتداءات أو التعرف على هوية المتورطين فيها، وكذلك تقديم أدلة مصورة تكشف عن ملابسات كثير من الجرائم الجنائية أو حتى المخالفات والجُنح المدنية، إلا أن الكثير من منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، ترى أن نشر هذا الكم الهائل من الكاميرات يعد انتهاكاً للحريات الخاصة، على حد تعبير منسق الحملات بمنظمة "ليبرتي" دوغلاس جويل.

في المقابل لا ترى الأجهزة الأمنية في نشر آلاف كاميرات المراقبة تضييقاً على الحريات الشخصية. وتقول الشرطة البريطانية تحديداً "إن معظم الكاميرات توجد في المناطق التجارية أو بالقرب من محطات المترو، والأماكن العامة الحساسة بعيداً عن الأحياء السكنية، ما يعني أنها توفر للناس حماية دون التعدّي على خصوصياتهم".

ومع أن بريطانيا كانت السبّاقة عالمياً في استخدام كاميرات المراقبة المغلقة لحماية مدنها من العمليات الإرهابية، ولا سيما خلال المواجهة مع الجيش الأحمر الإيرلندي الذي نفذ في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي الكثير من العمليات الإرهابية في المدن البريطانية، إلا أن عددها ارتفع بشكل غير مسبوق بعد هجمات 7/7. وتكشف بيانات الشرطة أن كل شخص يمشي في شوارع بريطانيا يخضع لرصد كاميرات المراقبة التي تعمل بنظام الدوائر التلفزيونية المغلقة بمعدل 70 مرة في اليوم. ولا ريب أن وتيرة المراقبة لكل ما يدب أو يسير في شوارع المدن البريطانية ترتفع كلما ارتفعت درجة الخطر من تعرض بريطانيا لهجمات شبيهة بتلك التي ضربت بروكسل مطلع الأسبوع الحالي وباريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أو حتى شبيهة بالاعتداءات التي ضربت العاصمة البريطانية في 7/7 من العام 2005.

وتشير مصادر غير حكومية إلى وجود 4.2 ملايين كاميرا مراقبة تعمل بنظام الدائرة المغلقة في بريطانيا، أي ما يعادل كاميرا واحدة لكل 14 شخصاً من سكانها البالغ عددهم نحو 61 مليون نسمة. وحسب أرقام نشرتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن بريطانيا تمتلك 20 في المئة من مجموع كاميرات المراقبة في العالم. وفي مقابل هذه الأرقام تعترف الشرطة البريطانية بنحو 1.85 مليون كاميرا مراقبة ترصد على مدار الساعة الحركة في شبكة مترو الأنفاق والقطارات وشبكة الحافلات وفي الشوارع والمحلات التجارية ومواقف السيارات وحول المباني العامة والأحياء السكنية.

اقرأ أيضاً ما بعد بروكسل: أوروبا مصدومة بخلايا مستيقظة وأجهزة نائمة

المساهمون