ما بعد اعتداءات بروكسل: أسئلة عن الإخفاقات الأمنية

ما بعد اعتداءات بروكسل: أسئلة عن الإخفاقات الأمنية

24 مارس 2016
غضب بلجيكي بسبب إخفاقات القوى الأمنية (دورسون ايدمير/الأناضول)
+ الخط -

طرح تبنّي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الهجمات التي استهدفت العاصمة البلجيكية بروكسل أمس الأول الثلاثاء، بعد أن ضرب العاصمة الفرنسية من قبل، أسئلة عن التهديدات والجماعات الإرهابية المنتشرة في بلجيكا، وأسباب الفشل الأمني في التصدي لها. والغريب أن هذا البلد الأوروبي كان يعرف، منذ فترة طويلة جداً، تواجد عناصر متشددة قادرة على أن تضرب، في وقت ما، داخل الأراضي البلجيكية. ولم يكن الأمر خافياً على أحد، خصوصاً بعد قرار رئيس النظام السوري بشار الأسد الرد عسكرياً على الثورة السورية، ما أوجد مواكب شباب تغادر البلاد لتقاتل في سورية، قبل أن تعود إلى الأراضي البلجيكية، ما جعل الصحافة تحذر بشكل متكرر من توجيه هؤلاء أسلحتهم لبلجيكا ولمواطنيهم. كما أن إدماج بلجيكا لمواطنيها المنحدرين من قوميات وطوائف مختلفة أثبت قصوره، وخلق مناطق ومستويات اجتماعية متعددة.

وإذا كان المحللون الفرنسيون يروق لهم أن يُسقِطوا المثال الفرنسي على أية قراءة لمجتمع غربي، وهو ما يفعلونه مع الجارة بلجيكا، إلا أن الأمر ليس مشابهاً، خصوصاً حين الحديث عن منطقة مولنبيك، القريبة من العاصمة بروكسل، باعتبارها "وكراً للإرهابيين"، أو حتى وصفها بأنها "غيتو"، على الطريقة البريطانية والأميركية، أو أنها تعاني من "أبرتهايد" اجتماعي، وفق كلام سابق لرئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس. بينما هذه المنطقة هي حيّ شعبي غرب العاصمة، يقطنه ما يزيد عن 100 ألف مواطن، وهو مفتوح على الأحياء الأخرى، ولكن ظروف الأغلبية من سكانه، وهم مغاربيون وأتراك، صعبة، ولا يتجاوز الدخل السنوي لأفراده تسعة آلاف يورو سنوياً. هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية دفعت كثيرين من سكان هذا الحي إلى "الانزواء" وفق الهوية، وعبّر عن نفسه من خلال انتشار الحجاب بين الفتيات والنساء، وأيضاً من خلال التأثير المتصاعد لشيوخ "الإسلام السياسي"، لتأتي المأساة السورية لتمنحه صاعقاً كبيراً.

هذا الحي اشتهر بعد تأكيد مشاركة "كتيبة" منه في هجمات باريس الدامية، وهو ما أغضب الدوائر الرسمية الفرنسية، ورأت في الأمر تقصيراً بلجيكياً كبيراً، لكن حوادث أخرى سابقة كانت كفيلة بدفع السلطات البلجيكية للمزيد من اليقظة والحيطة. ولا يعود الأمر للسنة الماضية فقط، فقد أقدم الشاب عبد الستار دحمان، وهو منحدرٌ من هذه المنطقة البلجيكية، على اغتيال القائد الأفغاني الشهير أحمد شاه مسعود في العام 2001.

اقرأ أيضاً: بروكسل:المنفذ الثالث للاعتداءات ما يزال فاراً

ويرى الكثير من المراقبين أن الضغوط الفرنسية على بلجيكا ساهمت في التعجيل بهذه الهجمات الإرهابية في بروكسل. وكانت هذه الضغوط قد تُرجمت بمشاركة أمنية واستخباراتية فرنسية نشيطة أخيراً في البحث في بلجيكا عمّن تبقّى من الخلية التي ضربت باريس، وأدت هذه المشاركة إلى تصفية محمد بلقايد، كما انتهت إلى اعتقال صلاح عبد السلام على الرغم من تصريح وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف أنها لا تستهدف عبد السلام.

ويبدو أن الجميع في بلجيكا، وليس فقط رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال، كانوا ينتظرون ضربة إرهابية في بلدهم. وعلى الرغم من أن العمود الفقري لـ"الخلية الباريسية"، أصيب في مقتل، إلا أن خلايا أخرى نائمة، انبثقت من رَحم أكثر من 500 جهادي، تدربوا وقاتلوا في سورية، قررت الانتقال إلى العمل وهي التي كانت مطاردة من السلطات البلجيكية.

وتبرز الكثير من العوامل التي تجعل العمل الاستخباراتي والأمني البلجيكي في مطاردة هؤلاء المرشحين للموت والقتل، صعباً، من بينها انتقال الكثير من هؤلاء الإرهابيين من عالم الجريمة والسرقة إلى مستوى الإرهاب العالمي، ذروته الانتماء إلى تنظيم "داعش". كما أن انضواء أُسر كاملة في العمل الإرهابي يجعل تسرب المعلومات صعباً، ويساهم في سرية العمل الإرهابي، مثل الإخوة مرّاح، وكواشي، وعبد السلام، وأخيرا الأخَوَين البكراوي، المسؤولين كما يبدو عن تفجيرات بروكسل.

وفي انتظار اعتقال أو تصفية نجم عشراوي، عدو بلجيكا رقم واحد، والذي تتهمه السلطات البلجيكية بالضلوع في العديد من الهجمات الإرهابية، ومن بينها ما حدث قبل يومين، لا يخفي مسؤولون أمنيون أن يكون عشراوي الشجرة التي تخفي غابة من "الإرهابيين"، كما حدث مع صلاح عبد السلام، الذي ابتهج الكثيرون لاعتقاله، قبل أن يظهر أنه لم يكن بالأهمية ولا الهالة اللتين أسقطتا عليه.

ويبدو الرأي العام في بلجيكا حزيناً وغاضباً، بسبب الكثير من إخفاقات شرطته وجنوده، ولعلّ انتظار أربعة أشهر قبل اعتقال صلاح عبد السلام، أغرق البلاد في قلق من اعتداءات إرهابية، وجعل الأقليات الإثنية والعرقية عرضة لكثير من التمييز.

اقرأ أيضاً: من هم منفذو هجمات بروكسل؟

دلالات