لقاء الفرصة الأخيرة: جوار ليبيا يدعم السراج لتجنّب التدخّل

لقاء الفرصة الأخيرة: جوار ليبيا يدعم السراج لتجنّب التدخّل

23 مارس 2016
دول جوار ليبيا تدعم حكومة السراج (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


شكّل اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا، الذي عُقد أمس الثلاثاء في تونس، لحظة بارزة في المسار الليبي، شكّلت الدفعة الأخيرة لحكومة "الوفاق الوطني" الليبية برئاسة فائز السراج لتدخل إلى العاصمة الليبية طرابلس مسنودة من جيرانها ومن المنظمتين العربية والأفريقية بالإضافة إلى الأمم المتحدة. وبدا هذا الاجتماع كفرصة أخيرة أمام الليبيين لتجنب تدخّل عسكري في بلادهم، عبر تسهيل عمل حكومة السراج. ولم يكن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مخطئاً عندما قال لزواره من وزراء خارجية الدول المشاركة في مؤتمر جوار ليبيا "هذا يومكم". إذ لا ينبغي الاستهانة بدور دول الجوار، فقد سبق أن عبّر مسؤولون أوروبيون ودوليون عن الدور المهم لجيران ليبيا في الملف الليبي، كما أعرب بعضهم عن انزعاجه من رفض تونس والجزائر لأي تدخّل عسكري في ليبيا، وهو موقف لم يتغير على الرغم من الضغوط الدولية التي مورست على الموقفين.

وجدّد جيران ليبيا أمس الموقف نفسه، مع إضافة تنويه على درجة كبيرة من الأهمية، إذ أشار بيانهم الختامي إلى ضرورة "أن يتم أي تدخّل عسكري لمحاربة الاٍرهاب بناء على طلب حكومة الوفاق ووفق أحكام الأمم المتحدة". غير أن مصادر رفيعة سبق وأكدت لـ "العربي الجديد" أنه إذا تمت معارضة دخول حكومة السراج إلى طرابلس، فسيتم استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لفرض ذلك، وهو ما لا يتعارض مع بيان جيران ليبيا، الذي أشار أيضاً إلى "التأكيد على الدعم المحوري للأمم المتحدة ومجلس الأمن استناداً للقرار 2259 والقرارات ذات الصِّلة، والتي تهدف لتمكين حكومة الوفاق من كل الوسائل والآليات اللازمة لأداء دورها في إحلال الأمن واستقرار ليبيا".

وبدأ سيناريو الأيام المقبلة في ليبيا يتوضح أكثر وأكثر، على الرغم من تساؤل المبعوث الدولي مارتن كوبلر حول ذلك في كلمات قليلة جرى تداولها بينه وبين السبسي في قرطاج، قبل انطلاق مؤتمر أمس، إذ قال السبسي "أعتقد أن المشهد أصبح واضحاً الآن"، ليرد كوبلر بأنه لا يعلم إذا كان اتضح أو سيزيد غموضاً، قبل أن يرد السبسي أنه متأكد بأنه توضح جيداً. وشدّد كوبلر بعد ذلك خلال مؤتمر صحافي، على أن دخول حكومة "الوفاق" إلى طرابلس أصبح الآن "مسألة أيام لا أسابيع"، في حين تشير تسريبات لـ "العربي الجديد" إلى أنه يمكن قياس ذلك بالساعات أيضاً، مع حديث عن 72 ساعة، من دون تأكيد رسمي لذلك، وأن اجتماعاً لمجلس الرئاسة الليبي سينعقد في إحدى ضواحي تونس العاصمة لبحث قرارات هامة في هذا السياق.

اقرأ أيضاً: ليبيا: تلويح بالفصل السابع لفرض حكومة السرّاج

غير أن رسائل اجتماع تونس كانت متعددة، لعل أبرزها دعوة بقية الفاعلين الدوليين إلى عدم تجاهل الجيران وتهميشهم، والتشاور معهم بشكل متواصل قبل أية خطوة، ولذلك ستبقى "آلية دول الجوار في حالة انعقاد مستمر لمتابعة التشاور". وتُوجّت الرسالة الثانية إلى الداخل الليبي، في محاولة لبعث روح إيجابية عن المحادثات تدعو "البقية إلى الالتحاق بالاتفاق السياسي"، ولذلك شدّد كوبلر ووزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي على دور دول الجوار في هذا الاتجاه، في محاولة لإقناع بقية الفرقاء الرافضين بذلك. غير أن ما صدر أمس شكّل بوضوح سياسة "الجزرة والعصا"، إذ قال كوبلر إنه "ينبغي الآن مغادرة القاعات والمؤتمرات والخروج باتجاه طرابلس". وشدّد على ضرورة التوجّه إلى تطبيق الاتفاق على أرض الواقع، وذلك بدخول حكومة السراج إلى طرابلس عاصمة ليبيا، والانطلاق في العمل على أولوياتها وفي مقدمتها بناء الجيش. غير أنه أشار في المقابل إلى أهمية توسيع قاعدة التوافق حولها وسط صفوف الليبيين وذلك بجمع ممثلي القبائل والسلطات المحلية وتنظيم مجالس الشورى المحلية.

كما صدرت إشارة هامة من كوبلر إلى أن "الحرب ضد الجماعات الإرهابية في ليبيا حرب ليبية بامتياز ويجب أن تتم بأيادٍ ليبية وليس بواسطة الأجانب، وأن ذلك يتم ببناء جيش وطني ليبي يسدّ الفراغ الأمني"، معتبراً أن "على حكومة السراج أن تتعامل مع المسألة كمسألة ذات أولوية لأن المعركة مع داعش هي معركة ليبية ويجب أن تحسم بأيادٍ ليبية وإلا فإن أي تهاون في ظل تمدد داعش سيفتح المجال أمام التدخّل العسكري في الأراضي الليبية"، على حد تعبيره. وهو ما كانت دعت إليه أطراف سياسية تونسية استعجلت الليبيين "لانتزاع شوكة داعش قبل أن يفعل غيرهم من الخارج"، ولكن الليبيين فشلوا في ذلك بامتياز، ولذلك تبدو هذه الأيام الفرصة الأخيرة أمامهم لتجنب تدخّل عسكري في بلادهم. ولكن يبدو أن بعض التحركات على الميدان في طرابلس تؤشر إما على استمرار "التمرد"، أو إطلاق الأنفاس الأخيرة قبل التسليم بالأمر الواقع، على حد تعبير مصدر دبلوماسي لـ"العربي الجديد" أمس على هامش المؤتمر.

أما وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، فأكد بدوره أمس أن أية حكومة ينبغي لها أن تجمع حولها أوسع قاعدة وفاق ممكنة حتى تنجح، وأنه ليست هناك نوايا "لفرض حكومة الوفاق". واعتبر أن "دخول الحكومة إلى طرابلس سيمثّل رسالة طمأنة للشعب الليبي ودول الجوار والمجموعة الدولية". وفي سياق السعي لتفعيل عمل حكومة السراج، يبرز تساؤل حول دور قائد الجيش التابع لبرلمان طبرق اللواء المتقاعد خليفة حفتر في المرحلة المقبلة. وكشفت مصادر سياسية ليبية لـ "العربي الجديد"، أن حفتر، يلتقي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة اليوم الأربعاء لمناقشة آخر التطورات على الساحة الليبية. كما لفتت المصادر، إلى أن حفتر يجتمع أيضاً برئيس جهاز الاستخبارات المصرية اللواء خالد فوزي لمناقشة ما طرحه كوبلر حول تولي حكومة السراج لمهامها. وكان كوبلر قال أمس في تونس، رداً على سؤال حول دور حفتر في الوضع الحالي، إن "بناء الجيش الليبي يشمل شرق ليبيا وغربها ووسطها وكل عناصر الواقع السياسي الليبي وهذا يشمل أيضاً حفتر الذي يمثل جزءاً من الحل، ويبقى للحكومة الليبية أن تحدد الآليات التي سيتم اعتمادها لإدماج حفتر بها"، مثنياً على أن الجيش يجب أن يعكس الوحدة لا الانقسام حتى تكون له فاعلية. وسينتظر جيران ليبيا والمجتمع الدولي، الأيام المقبلة لتبيان تطورات الوضع في جمع الحشد الشعبي والسياسي الضروري لحكومة السراج، خصوصاً أن كوبلر شدّد مراراً في كلمته على أن "الغالبية الساحقة من الليبيين تؤيد حكومة الوفاق".

اقرأ أيضاً: تونس تفتح معابرها الحدودية مع ليبيا