محافظة القنيطرة... درب المعارضة الوعر نحو دمشق

محافظة القنيطرة... درب المعارضة الوعر نحو دمشق

22 مارس 2016
مقاتلون من الجيش السوري الحرّ في القنيطرة (الأناضول)
+ الخط -

حكاية محافظة القنيطرة، في الجنوب الغربي من سورية، التي تضمّ هضبة الجولان، مختلفة بعض الشيء عن باقي الأراضي السورية، لوجودها على طول خط إطلاق النار مع فلسطين المحتلة. وقد استولت إسرائيل على المدينة في حرب 1967، لكن الجيش السوري تمكن في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 من استعادتها لبعض الوقت، قبل أن تستعيد إسرائيل السيطرة عليها، ما أدى إلى تدمير كلي في المدينة القديمة قبل انسحاب الاحتلال من بعض مناطقها في يونيو/ حزيران 1974، بناءً على اتفاق وقف إطلاق النار. ومنذ ذلك الحين انتشرت فيها قوات حفظ السلام الدولية "أندوف"، التي اضطرت إلى الانسحاب قبل نحو عامين، بعد سيطرة قوات المعارضة على معبر القنيطرة والشريط الحدودي بين المدينة وفلسطين المحتلة.

طوال العقود الأربعة الماضية، لم يُشجّع نظام الأسد، الأب والابن، على إعادة بناء المدينة، ولا يزال حتى الآن مركزها مدمّراً، بحجة "إطلاع العالم على الهمجية الإسرائيلية"، وإن كان قد تمّ بناء حي جديد أقرب إلى دمشق، أُطلق عليه اسم "مدينة البعث"، إضافة إلى بلدة خان أرنبة التي توسّعت بعد خراب المدينة الأصلية. مع ذلك لا يقطن المدينة عموماً كثير من السكان، رغم أن العدد الإجمالي لسكان القنيطرة يبلغ نحو نصف مليون نسمة، لكن معظمهم نزحوا بعد احتلال الجولان وسكنوا في مناطق ريف دمشق ودرعا.

ومنذ اندلاع الثورة السورية (2011)، سارع أبناء القنيطرة في قرى عدة إلى تنظيم تظاهرات سلمية تهتف لرفع الظلم عن أهالي درعا، فوُوجهوا على غرار المناطق الأخرى بالشدّة والقمع من جانب قوات النظام. ومع الاتجاه للعمل العسكري، قام بعض أبناء القرى بتشكيل كتيبة سموها "أسود الجولان"، إلى أن بدأ الجيش الحر في درعا التقدم باتجاه القنيطرة في نهاية عام 2013، وسيطر على السرايا المنتشرة على أطراف المحافظة الجنوبية أولاً، قبل السيطرة على معظم المحافظة، باستثناء نحو ستة مراكز عسكرية ما زالت بيد جيش النظام، فضلاً عن بعض المراكز السكانية، أهمها مدينتي البعث وخان أرنبة. ومع انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في سبتمبر/ أيلول 2014، تمكّن مقاتلو المعارضة من السيطرة على نحو 85 في المئة من مساحة المحافظة.

اقرأ أيضاً: سورية: المعارضة تسترجع نقاطا في الشيخ مسكين شمالي درعا 

وتكمن أهمية السيطرة على هذه المناطق، في كونها تفتح طريقاً باتجاه المناطق المحاصرة في ريف دمشق بالغوطة الغربية، ومن ثم الوصول إلى دمشق. يعني هذا الأمر عملياً سيطرة المعارضة على شريط مستطيل، يمتد من بلدة مسحرة شمالاً إلى المثلث الحدودي السوري ـ الأردني ـ الفلسطيني في الجنوب، بعرض نحو 15 كيلومتراً وبطول يصل إلى نحو 65 كيلومتراً.

وعلى الرغم من ذلك، ما زالت لدى النظام قوات كبيرة في محافظة القنيطرة، على غرار محافظة درعا، كونهما في الأصل مناطق انتشار لجيش النظام، بالنظر إلى تماسهما مع جبهة الجولان. وأهم القطع العسكرية للنظام في المحافظة هي اللواء 68، واللواء 61 مدرع، واللواء 90، الذي يضمّ في الواقع تعزيزات تُقدّر بلواء إضافي آخر، أي بما يصل إلى نحو 5 آلاف عنصر، وانضمت إليه تعزيزات من حزب الله ومن القرى الدرزية في المنطقة، تحت مسمى "اللجان الشعبية"، يناهز عددها 5 آلاف عنصر أيضاً.

وبعد سقوط معظم محافظة القنيطرة بأيدي مقاتلي المعارضة، بقي للنظام "خطا دفاع"، في قرى جبل الشيخ الحدودية مع لبنان، التي تطوع آلاف من أبنائها، وأبرزها قرية حضر، لمساندة قوات النظام، فضلاً عن بلدات غرب دمشق، كالمعضمية وقطنا وسعسع، وفيها قوات كبيرة تابعة للنظام.

أما بالنسبة لمنطقة خان الشيح، التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، فتُعتبر الأقرب إلى دمشق، ضمن حسابات قوات المعارضة في الريف الجنوبي الغربي لدمشق، ومنها تنطلق باستمرار عمليات محدودة لقطع "طريق السلام" الذي يربط القنيطرة مع دمشق، وهجمات أخرى ضد مقر قيادة اللواء 68، الذي سيطر عليه مقاتلو المعارضة في معارك 2014، وعادوا وانسحبوا منه إثر قصف جوي ومدفعي عنيف.

وبسبب قلّة سكانها، والتنوّع الإثني والمذهبي في المدينة، وتداخلها مع محافظتي درعا وريف دمشق، تتشكّل فصائل المعارضة العاملة في المدينة من مقاتلين قادمين من محافظتي ريف دمشق ودرعا، بالإضافة لأبناء عشائر القنيطرة النازحين في محيط دمشق.

كما كانت الفصائل الجنوبية قد أعلنت عن تشكيل القيادة العسكرية الموحّدة للمنطقة الجنوبية، التي تضمّ محافظتي درعا والقنيطرة، لكن تلك الفصائل لا تحتفظ بوجود دائم في المحافظة، كونها تنشط على جبهات أخرى في درعا وريف دمشق، ويتم التنسيق في ما بينها عند الإعداد لإطلاق معركة كبرى في المحافظة. وكثيراً ما أخفقت بعض المعارك بسبب قلة التنسيق، أو عدم التفرّغ للمعركة من جانب بعض الفصائل. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى قوة الدور العشائري، وضعف وجود التنظيمات الإسلامية في المنطقة، ففي مايو/ أيار من العام الماضي، سيطرت فصائل المعارضة في ريف القنيطرة على بلدة القحطانية، آخر معقل لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المحافظة.

وبسبب موقع المحافظة الجغرافي، وبروز العامل الإسرائيلي في معارك القنيطرة، فقد النظام دوره طوال العقود الماضية كضابط للصراع في المنطقة، وسقوط المدينة بيد المعارضة يعني انتهاء هذا الدور، وهو ما جعل الموقف الإسرائيلي ملتبساً ممّا يجري في القنيطرة.

في هذا الإطار، تتّهم المعارضة إسرائيل بمساندة النظام ضمناً، من خلال قصف بعض مواقعه التي توشك على السقوط بيد مقاتلي المعارضة، بغية منع استيلائهم على الأسلحة الثقيلة في تلك المواقع، كما حصل خلال قصف مخازن اللواء 90 في تل الحارة قبيل سقوطها بيد المعارضة، ولواء الصواريخ في تل الشعار. كما أن سيطرة المعارضة على مناطق حدودية مع لبنان، مثل بيت جن، جعلها على تماس مع مناطق نفوذ حزب الله في شبعا - العرقوب على الطرف اللبناني من الحدود.

وقد بلغ عدد معتقلي محافظة القنيطرة ما يقارب الألف معتقل في سجون النظام السوري، فيما لا تقلّ نسبة الدمار في عموم المحافظة عن 70 في المئة، بعد استخدام النظام كل أنواع الأسلحة لقصف القرى والبلدات، من براميل متفجرة ومدفعية ثقيلة وراجمات صواريخ وصواريخ "سكود" وصواريخ أرض أرض، بالإضافة إلى القصف بالمقاتلات الحربية والدبابات والقنابل العنقودية المحرّمة دولياً. وهي أسلحة يفترض أنه ممنوع عليه استخدامها في تلك المنطقة، بموجب اتفاق فصل القوات مع إسرائيل، لكن الأخيرة غضّت الطرف عن ذلك، وهو ما يعزز اتهامات المعارضة بوجود تواطؤ بين الجانبين.

اقرأ أيضاً: سورية: المعارضة تستعيد مواقع بالقنيطرة وتتقدّم على جبهة المرج

المساهمون