حرب السيسي على المنظمات الحقوقية... تشويه صورة ثورة يناير

حرب السيسي على المنظمات الحقوقية... تشويه صورة ثورة يناير

22 مارس 2016
تصرّ الأجهزة على تصوير ثورة 25 يناير كمؤامرة(جيف ميتشيل/Getty)
+ الخط -
تتجه قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، التي أعادت السلطات المصرية فتحها من جديد؛ بإدانة الناشطين الحقوقيين المصريين، إلى المساهمة في إثارة الرأي العام المصري والعالمي ضد نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وما أعقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 من أنظمة حاكمة، مما قد يسهم في تدعيم الصورة التي تروّج لها الأجهزة الإعلامية لنظام عبدالفتاح السيسي، عن ثورة يناير، باعتبارها أحداثَ عنف وإرهاباً ومؤامرة على مصر، وذلك كله بإيعاز من دائرته المخابراتية-الرقابية.

ويقول مصدر قضائي في النيابة العامة، على صلة بالتحقيقات التي تتم بواسطة لجنة ثلاثية قضائية، إن: "هناك مؤشرات على استخدام المراكز الحقوقية المصرية للأموال الأجنبية التي تلقتها في إثارة الرأي العام، وتحريض المواطنين على الحكومة قبل وبعد الثورة، وحشد التظاهرات خلال الثورة وطوال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة". 

ووفقاً للمصدر فإن "هذه المؤشرات ترجع إلى أقوال ضباط الأمن الوطني والمخابرات العامة والرقابة الإدارية الذين أدلوا بأقوالهم في التحقيقات خلال الشهور الخمسة الماضية".

ويلفت إلى أن "لجنة التحقيق تعمل على إيجاد روابط عملية ومادية ومالية بين التمويلات التي تلقتها بعض المنظمات وبين أحداث العنف والتظاهرات التي شهدتها البلاد مطلع 2011".
ويأتي في مقدمة المنظمات التي تطاولها هذه الشبهات كل من مركز القاهرة لحقوق الإنسان الذي يرأسه بهي الدين حسن، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يرأسه خالد علي، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي أسسها حسام بهجت، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي يرأسها جمال عيد.

اقرأ أيضاً: مصر: النظام يبدأ حملة ترويض منظمات المجتمع المدني

ويوضح المصدر أن لجنة التحقيق وجّهت للناشطين الأخيرين، بهجت وعيد، اتهاماً بخرق المادة 78 من قانون العقوبات، التي عدّلها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في سبتمبر/ أيلول 2014 لتعاقب بالسجن المؤبد وغرامة نصف مليون جنيه (نحو 60 ألف دولار) كلَّ من "يطلب لنفسه أو لغيره أو قبِل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية، أو ممن يعملون لمصلحتها، أو من شخص طبيعي أو اعتباري، أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالاً سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى، أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية، أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".
وهذا التعديل القانوني الذي أدخله السيسي على المادة 78 من قانون العقوبات، يوسّع جهات تمويل الجرائم ليشمل تلقي الأموال بقصد إضرار البلاد سواء من الداخل أو الخارج. كما لم يعد الإضرار بأمن مصر يقتضي "ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية" بل أصبحت الجريمة تتحقق بمجرد ارتكاب فعل يمكن تفسيره على أنه "مساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".
وتساعد هذه التعبيرات المطاطة والألفاظ الواسعة غير المحددة، على انطباق الجرائم الواردة في المادة على كل منظمات المجتمع المدني تقريباً، والتي تعتمد بشكل أساسي في تمويلها على المساعدات الخارجية، وخصوصاً الأجزاء المخصصة لها من المعونة الأميركية لمصر، وفقاً لاتفاقيات حكومية سابقة بين القاهرة وواشنطن.

وما يدعم احتمال توجيه اتهامات لمسؤولي المنظمات بهذه المادة، أن لجنة التحقيق شكّلت لجنة تفتيش ومراقبة من موظفي وزارة التضامن الاجتماعي، طلبت الاطلاع على وثائق التمويل الخاصة بالمنظمات بين عامي 2010 و2015.

ولم تقتصر في طلباتها على عامي 2010 و2011، كما كان الوضع بالنسبة للمنظمات الأجنبية، التي تم توريطها في القضية من قبل.
كما اعتبرت اللجنة أن تلقي بهجت وعيد، اللذين طلبت اللجنة من محكمة الجنايات إصدار قرار بمنعهما من التصرف في أموالهما، اتهامات يتطلب تطبيق مواد أخرى من قانوني العقوبات والمؤسسات الأهلية، تعاقب بالحبس مدداً بسيطة تتراوح بين 6 شهور وسنة كل من يؤسس جمعية أو مركزاً أو منظمة بدون ترخيص من وزارة التضامن الاجتماعي، أو تمارس السياسة، أو تشيع أكاذيب ومعلومات غير صحيحة عن الدولة، أو تسعى للتفرقة بين المواطنين على أساس اللون والعرق والديانة.
ويتضح مما سبق أن بهجت وعيد لم يحالا إلى محكمة الجنايات لمجرد وجود شبهات حول التمويل، بل باعتبارهما متهمين بخرق هذه المواد، التي تطرح تساؤلات عمّا إذا كانت لجنة التحقيق قد توجه لهما في نهاية التحقيقات اتهامات صريحة بالمساس بالوحدة الوطنية أو الإضرار بالمصالح القومية، وهي اتهامات تقتضي تشديد العقوبة.

واستندت اللجنة في ذلك إلى ما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق، المشكلة بقرار وزير العدل في العام 2011، بشأن حصول بعض المؤسسات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والكيانات الأخرى على تمويل أجنبي، والذي ذكر فيه "أنه بعد مخاطبة الجهات الإدارية والرقابية المختصة، تبين قيام العديد من الجهات والمنظمات الأجنبية بتمويل جمعيات وكيانات مصرية؛ بعضها لم يحصل على ترخيص بمزاولة النشاط من السلطات المختصة، وأن العديد منها تعمل في ظاهرها في مجال حقوق الإنسان، وأن ما تتلقاه من أموال يثار بشأنه شبهة استخدامه في أغراض غير مشروعة".
وقدمت اللجنة إلى محكمة الجنايات جزءاً من أقوال ضابط بالأمن الوطني (أمن الدولة) قال إنه من أعد التحريات، بناء على تكليف من جهة عمله وطلب من رئيس لجنة تقصي الحقائق، وإن التحريات كشفت عن وجود حوالي 200 كيان غير حكومي يعمل في مجال حقوق الإنسان ويمارس نشاط الجمعيات والمؤسسات المنصوص عليها في قانون الجمعيات الأهلية 84 لسنة 2002، من بينهم 75 كياناً محلياً يمارس نشاط حقوق الإنسان بالمخالفة للقانون.

وبحسب الضابط، فإن التحريات أكدت تزايد التحويلات والتمويل الأجنبي للكيانات محل التحقيقات على نحو كبير، وبصفة خاصة خلال شهر فبراير/شباط 2011 وما بعده، وذلك بهدف الإضرار بالأمن القومي للبلاد، والعمل على عدم الاستقرار في مصر، وإشاعة حالة من الفوضى والانفلات الأمني، وإحداث فرقة ووقيعة بين فئات وطبقات الشعب المصري.
وذكرت اللجنة القضائية أنه تم تشكيل لجنة من إدارة الرقابة على البنوك بالبنك المركزي لفحص التعاملات البنكية لجمال عيد، وانتهت أعمالها إلى حصوله على مبالغ من العديد من الجهات الخارجية، من خلال فتح حساب بنكي بالبنك التجاري الدولي، وسحب بعض المبالغ من هذا الحساب.
ونقلت اللجنة للمحكمة أيضاً شهادة رئيس وحدة غسل الأموال بوزارة العدل، والذي قال إن "الوحدة تلقت إخطاراً من أحد البنوك المحلية، يفيد تلقي الناشط الحقوقي المحامي، جمال عيد، عبر شركته غير المسجلة بوزارة التضامن الاجتماعي، تحويلات مالية من الخارج بلغت 1.2 مليون دولار".
كما ادعت لجنة التحقيق أن منظمة عيد حصلت على تحويلات من الخارج بهدف تنفيذ أجندات خارجية وتحريض الرأي العام ضد مؤسسات الدولة، والادعاء في المحافل الدولية أن منظومة التشريعات القائمة في البلاد مقيدة للرأي العام.
أما حسام بهجت، فاتهمته اللجنة بتأسيس منظمته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لممارسة أنشطة مناهضة للدولة وضارة بالأمن القومي، وتهدف لهدم المؤسسات. واتهمته أيضاً بالتحايل، نظراً لتأسيسه كياناً باسم "المبادرة للدراسات والاستشارات" يتعامل به مع البنوك، بينما يتعامل مع المنظمات الأجنبية باسم كيان "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" لتلقي تمويلات منها.

ويرى مراقبون أن تعيين السيسي للوزيرة السابقة، فايزة أبو النجا، مستشارة له لشؤون الأمن القومي، كان يهدف أساساً إلى بسط سيطرة الدولة على منظمات المجتمع المدني، ليس على مستوى مراقبة عملها الميداني، بل على مستوى مراقبة تدفقات التمويل الأجنبي الواردة من الولايات المتحدة وأوروبا والتصدي لبرامج التمويل الأجنبية الداعمة للتحوّل الديمقراطي.
وكانت أبو النجا، قد اعتبرت في شهادتها أمام لجنة التحقيق والمحكمة خلال قضية التمويل الأجنبي الأولى، أن الولايات المتحدة وسلوفاكيا وألمانيا خرقت النظام المصري باستخدام برامجها الإعانية للتدخل في شؤون مصر الداخلية. كما ادعت أبو النجا أن هذه الدول خرقت اتفاقية فيينا، التي تنظم العلاقات الدبلوماسية الدولية. واقترحت يومها تجميد اتفاقية برنامج المساعدات الأميركية الاقتصادية لمصر طالما استمر متضمناً تقديم إعانات للجمعيات الأهلية.


اقرأ أيضاً: حرب سرية لنظام السيسي ضد منظمات المجتمع المدني

دلالات