وثائق بن لادن: هواجس وملايين مفقودة وشؤون عائلية

وثائق بن لادن: هواجس وملايين مفقودة وشؤون عائلية

03 مارس 2016
يعود تاريخ الوثائق للفترة بين 2009 و2013(باناراس خان/فرانس برس)
+ الخط -


 
تضاف الوثائق الجديدة الخاصة بزعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، التي أفرجت عنها الاستخبارات العسكرية الأميركية "دي آي إيه" أول من أمس (الثلاثاء) ونشرتها على موقعها الالكتروني، إلى دفعة سابقة ظهرت نهاية العام الماضي، لتساهم في مجملها بإلقاء المزيد من الضوء على رؤية زعيم تنظيم القاعدة في ذلك الحين لعدد من القضايا. وتظهر الدفعة الجديدة من الوثائق وعددها 113، والتي يعود تاريخها بشكل أساسي للفترة بين 2009 و2011، موقف بن لادن من الربيع العربي، فضلاً عن تضمنها هواجس لبن لادن وشؤون عائلية عدة، بما في ذلك الخوف من وجود شريحة تجسسية في أحد أسنان زوجته.
وأفرجت الاستخبارات العسكرية الأميركية، أول من أمس، عن الوثائق بعدما كانت قد استولت عليها قوات أميركية خاصة في مايو/ أيار 2011، أثناء مداهمة منزل في باكستان قالت الإدارة الأميركية إن مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن كان مختبئاً فيه وأن الجنود الأميركيين قتلوه وألقوا بجثته في البحر بعد نقلها مع مقتنياته إلى إحدى القواعد البحرية العائمة في المحيط الهندي، حسب المعلومات المنشورة في ذلك الوقت.

بين الوثائق الجديدة ما هو مكتوب بخط اليد ومذيّل بتوقيع بن لادن، أهمها وصيته التي تشير وثائق أخرى إلى أنها وصلت بالفعل إلى أسرة بن لادن أو على الأقل بعض أقاربه. في المقابل، فإن العديد من الوثائق مطبوع على ما يبدو من خلال أجهزة كمبيوتر، وهي عبارة عن مراسلات مفترضة صادرة من بن لادن إلى بعض أنصاره المقربين أو أقاربه البعيدين أو واردة إليه منهم. وتتضمن تلك المراسلات التعبير عن مشاعر خاصة ونصائح متبادلة، وآراء ترتفع أحياناً إلى درجة الفتاوى في قضايا دنيوية معاصرة، أو شؤون سياسية حظيت باهتمام بن لادن فقرر الاحتفاظ بها. لكن تلك الأوراق غير مؤرخة في معظمها ومن الصعب معرفة متى كتبت على وجه التحديد إلا من خلال التمعّن في سياقها أو ربطها بزمن الأحداث التي تضمنتها الوثائق.

الثورات العربية واليمن

ومن هذه الوثائق على سبيل المثال، رسالة مفترضة من بن لادن يشير مضمونها إلى أنها كتبت قبل مقتله بأيام قليلة لأنه يتحدث فيها عن وقائع معينة مرتبطة بثورات الربيع العربي التي كانت قد بدأت. وفي الوقت الذي كان بن لادن يعرب عن سروره بثورات الربيع العربي، فإن مضمون الوثيقة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن تنظيم القاعدة كان أبعد من يكون عن تلك الثورات السلمية.
وعلى الرغم من أن أسامة بن لادن لم يشهد من أحداث الربيع العربي سوى الخمسة أشهر الأولى من العام 2011، إلا أنّ رأيه أوضح في إحدى رسائله لأحد المخلصين له، المسمى محمود أو عطية. وأبرز ما ورد في الرسالة: "بشأن التعامل مع الأوضاع الحالية، متفقون معكم في أن علينا أن نتعامل مع هذه التغيّرات التي تشهدها ساحة العالم العربي بمزيد من الحيطة والحكمة وحسن السياسة، مع تجنب الظهور والبروز القوي حتى لا نسبب حرجاً للقوى السياسية والشعبية في المجتمعات العربية الثائرة، وترك الفرصة لهم ليثوروا على أولئك الحكام الظلمة فإن مجرد التغيير فيه خير كثير ورحمة".
وفي وثيقة منفصلة كرّس فيها بن لادن حديثه عن اليمن والرئيس اليمني في ذلك الحين، علي عبدالله صالح، خاطب زعيم القاعدة اليمنيين قائلاً: "إن معظم دواعي الثورة وعوامل نجاحها متوفرة لديكم". وأضاف "ولا تخفى عليكم المواقف المتكررة لعلي عبد االله صالح والتي تظهر بوضوح وجلاء ارتكابه لنواقض الإسلام منذ عقود، كمظاهرته للكافرين بتزويد المدمرات الأميركية لتحاصر وتقتل أهلنا في العراق وفلسطين... وارتكاب الخيانة في وضح النهار. ويزيد ظهورها كثرة تردد رجال الإدارة الأميركية على اليمن واستجابته لمطلبهم بإيقاف الحرب ضد الحوثيين، الخطر الحقيقي على المنطقة، ليركز جهوده في استهداف الأحرار". ومضى يقول "إضافة إلى ما سبق ذكره، فإن من أكبر دواعي الثورة لدى الشعوب استشراء الفساد المالي والإداري وبالتالي استشراء الظلم والفقر، وهو ما يقوم به النظام هناك"، ويبدو أن الرسالة الموجهة لليمنيين كانت مسودة أولية في طور إعدادها للنشر.

اقرأ أيضاً: رسائل بعثها بن لادن للشعب الأميركي تظهر لأول مرة

عرض سلام

ومن بين الوثائق أيضاً النص الحرفي لخطاب موجّه للأميركيين يتضمن عرضاً للسلام وإيضاحاً لمواقف سابقة تبناها بن لادن، يُعتقد أنه كتب في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش وبالتزامن مع انتخابات أميركية.
ووجه بن لادن حديثه إلى الأميركيين قائلاً لهم "إن الذين يقولون لكم إن لا حل مع المسلمين إلا الحرب يكذبون عليكم، فنحن بشر كسائر البشر في حياتنا فترات سلم وأخرى للحرب. وإن الذين يقولون لكم إننا نقاتل الناس لإجبارهم على دخول الإسلام، لم يصدقوكم القول".
وبعد هذا العرض السلمي، عاد بن لادن محذراً الأميركيين من عمليات آتية قائلاً: "لا يغرنكم افتخار بوش بعدم حدوث عمليات في أميركا أخيراً. فللعلم إنه قد تعثرت بعض العمليات وكشف أمرها ليس بجهد من بوش وإدارته وإنما هو نتيجة لبعض الأخطاء ارتكبت من بعض الإخوة في باكستان".

أين الملايين؟

يكشف بن لادن، في وصية منسوبة إليه، أن الأموال التي كانت له في السودان تصل تقريباً إلى تسعة وعشرين مليون دولار، لم يستلم منها سوى مليون ومئة ألف في السودان، ثم ثمانمئة ألف في جلال آباد (في أفغانستان)، ومليون وربع المليون في قندهار، مضيفاً "والقول قول الوسيط"، في طلب غير مباشر بعدم تخوين الوسيط الذي لم تفصح الوصية عن شخصيته. كما تفصّل الوصية مصدر الأموال بأن منها اثنا عشر مليون دولار "من طرف أخي بكر بن محمد بن لادن نيابة عن شركة بن لادن لاستثمارها في السودان".

شؤون عائلية

ومن الرسائل التي يفترض أنها وصلت إلى بن لادن وذيّلت بتوقيع "ابنك أبو معاذ"، وهي من الوثائق القليلة المؤرخة، وحسب التاريخ الهجري المدون فيها فقد كتبت في 2/2/1432، وهو ما يوافق بالميلادي الثامن من يناير/ كانون الثاني 2011، أي قبل مقتل بن لادن بأربعة أشهر فقط، أما حاملها فهو رجل مجهول الهوية أشار له كاتب الرسالة بأنه مستعجل لحملها في اليوم التالي لكتابتها. تبدأ مقدمة الرسالة بعبارة "إلى والدي الغالي" ثم المجاملات الشخصية المعتادة قبل الخوض في الطلب الجوهري لكاتب الرسالة وهو إتاحة الفرصة له "لتلقي التدريب في المعسكرات المتاحة على حسب الظروف". ويضيف "لعل الوالدة الكريمة تبيّن لك بوضوح رغبتي، لأن الرسالة لا تلم بجميع أطراف الموضوع". ويشير أبو معاذ في رسالته إلى أنه "بالنسبة للأمانات التي كانت عند أهل داود رحمه االله، فقد وصلت بعد سفر الوالدة الكريمة بيومين تقريباً وأخبرني الشيخ محمود أنك سألت عنها". ويعدد نجل بن لادن لأبيه ما وصله منه ذاكراً من بينها "مذكرة أخي سعد رحمه االله وفيها وصيتان، وصية لك ووصية لزوجته. وفيها تقسيم الميراث وأربع وصايا أخرى تضمنتها مذكرة داود رحمه الله، منها ما هو لأهله في الحجاز ومنها ما هو لأبنائه هنا، وأيضاً بعض الأدعية وأرقام هواتف".
وبعد الانتهاء من الخطاب للأب، بدأ كاتب الرسالة فقرة جديدة بعبارة "والدتي الغالية"، وجاء فيها "أنا كتبت لأبي في الرسالة إيش (ماذا) أريد في وزيرستان وإنتٍ ممكن تشرحي له". وأضاف كاتبها بلهجة أقرب إلى الدارجة منها إلى الفصحى: "أنا جالس أكتب الرسالة دحين (الآن) في الليل سهران عليها، وأم معاذ وأسامة وخيرية نايمين كلهم، لأن الرجال يريدها بكرة بدري (باكراً)".
وكان من الواضح أن الرسائل العائلية كتبت في أفغانستان في منطقة تقطنها قبائل البشتون. ففي رسالة موجهة من أم معاذ (على ما يبدو زوجة نجل بن لادن) إلى عمتها زوجة أسامة بن لادن تقول لها إن البشتون يسألون عنها دائماً. 

هواجس

وكشفت إحدى الوثائق المفرج عنها، ونشرتها وكالة "الأناضول"، عن رسالة وجهها بن لادن إلى زوجته حول الاشتباه بوجود شريحة تعقّب إلكترونية في أحد أسنانها. ومما جاء فيها: "علمنا أنك زرت طبيبة أسنان رسمية في إيران، وتخشين مكروهاً من حشوة وضعتها لك، وحبذا أن تفيديني بالتفاصيل عن أي أمر رابك (شككت به) عند أي مستشفى في إيران، أو راب أياً من الإخوة بأنهم زرعوا له شريحة بأي طريقة"، وفقاً لنص الرسالة. وتابع بن لادن، الذي استخدم اسم "أبا عبدالله"، في التوقيع على رسالته "ومن تلك الطرق، أن يكون جسم الحقنة من الحجم المعتاد، ورأسها قُطر أكبر قليلاً من المعتاد، حيث يمكن لهم، كما ذكرت لك سابقاً، أن يضعوا فيه شريحة صغيرة لزرعها تحت الجلد، حجمها تقريباً طول القمحة وقُطر الشعيرية الناعمة".

اقرأ أيضاً: عام صراع "داعش" و"القاعدة"... خلاف استراتيجي وتنافس على الزعامة