رجال بوتفليقة والاستخبارات... اتهامات جديدة وتصفية حسابات مستمرة

رجال بوتفليقة والاستخبارات... اتهامات جديدة وتصفية حسابات مستمرة

16 مارس 2016
يتصدر سعداني المواجهة مع جهاز الاستخبارات (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال جهاز الاستخبارات الجزائري يواجه اتهامات بالتورط في تلفيق سلسلة من القضايا ضد كوادر ومسؤولين سابقين بينهم وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، الذي يعد أبرز المقربين من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. لكن هذه الاتهامات، بالنسبة لكثر، لا تخرج عن نطاق صراع سياسي بين أجنحة في السلطة يحركها الطموح للتموقع في مرحلة ما بعد بوتفليقة.

وتجددت الاتهامات للجهاز بعد تصريحات عمار سعداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي يحوز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان، والتي دعا فيها إلى العفو ورد الاعتبار إلى 4500 موظف ومسؤول في المؤسسات الاقتصادية تمت ملاحقتهم قضائياً وسجنوا في منتصف السبعينيات بسبب ما اعتبره ملفات ملفقة من قبل جهاز الاستخبارات.

اقرأ أيضاً: رجل النظام يحذر من إثارة الفوضى في الشارع الجزائري

وتعزز الجدل الذي أثارته هذه الدعوة خلال الأيام الماضية على خلفية ارتباطها بالمطالبة بالعفو عن أحد رجالات الرئيس بوتفليقة، وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل الذي يقيم في واشنطن، والسماح له بالعودة إلى الجزائر وإعادته إلى مناصب في الدولة، بعد ملاحقته قضائياً في الجزائر بتهمة التورط في الفساد.
واتهم خليل من قبل مجلس قضاء العاصمة الجزائرية بأنه كان يترأس شبكة دولية كانت تستحوذ على العمولات والرشى في صفقات وعقود شركة النفط الحكومية سوناطراك مع المؤسسات الأجنبية. وهي التهم التي يرفضها الموالون للرئيس بوتفليقة ويحاججون بأنها ملفقة ضد خليل من قبل جهاز الاستخبارات.
لكن بالعودة إلى تفاصيل القضية، كان وزير الطاقة الأسبق محل اتهامات موثقة بتحقيقات وتحريات أجراها جهاز الاستخبارات الجزائري، كشفت بحسب ما أعلنه رئيس مجلس قضاء الجزائر، بلقاسم زغماتي، في أغسطس/آب 2014، أن خليل يترأس شبكة دولية تضم زوجته ونجليه إلى جانب فريد بجاوي، نجل شقيق وزير الخارجية الجزائري ألاسبق محمد بجاوي. وبحسب الاتهامات، كانت هذه الشبكة تتلقى رشى وعمولات من قبل شركات نفطية أجنبية كانت تربطها عقود وصفقات مع شركة سوناطراك النفطية المملوكة للدولة في الجزائر. وقد دفع هذا الأمر بالسلطات القضائية إلى اصدار مذكرات توقيف دولية بحق عدد من المتهمين بينهم خليل، الذي لم تنفذ في حقه المذكرة بسبب اعتراض بوتفليقة على هذا الاجراء الذي يمسّ بأحد أبرز رجالاته. وهو ما اعتبر نقطة الحسم في الصراع بين بوتفليقة وجهاز الاستخبارات.
كما أن جزءاً من الاتهامات لجهاز الاستخبارات يرتبط أيضاً بالحملة التي أطلقتها السلطة في العام 1997 وسميّت في حينه بـ"الأيدي النظيفة"، وطاولت يومها ما يقارب خمسة آلاف من كوادر ومسؤولي المؤسسات الاقتصادية العمومية، بناءّ على تقارير وتحقيقات أعدت سلفاً ضد هؤلاء، واتهمتهم بالتورط في اختلاس المال العام وإفلاس هذه المؤسسات.

لكن الظروف كانت تشير إلى أن هذه الحملة لم تكن سوى غطاء لتبرير غلق هذه المؤسسات وتسريح العمال، وفقاً لتوصيات صندوق النقد الدولي وشروطه لمنح الجزائر قروضاً مالية في أوج أزمتها الأمنية والسياسية. واستعملت هذه الحملة كغطاء لبيع هذه المؤسسات للقطاع الخاص والمستثمرين المحليين والأجانب ومجموعات مالية كانت تنتظر استغلال تلك الظروف.

لكن اللافت أن القضية التي تعود إلى الواجهة بعد نحو 20 سنة، وتقول أحزاب الموالاة (أبرز المعنيين بها) إنها ظلمت من قبل جهاز الاستخبارات وتم تلفيق قضايا ضدها من طرف المؤسسة الأمنية التي كانت تسيطر على مجمل الشؤون السياسية والإدارية في البلاد، تأتي في أعقاب تفكيك بوتفليقة لجهاز الاستخبارات وتقسيمه إلى ثلاث هيئات أمنية تتبع رئاسة الجمهورية. كما تدخل القضية أيضاً في سياق الهجوم السياسي الذي يشنّه موالون للرئيس الجزائري ضد جهاز الاستخبارات وقياداته السابقة، وعلى رأسهم الفريق محمد مدين الذي أقاله بوتفليقة من منصبه في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي. لكنها تفتح في الوقت نفسه الباب أمام مطالبات أخرى ترتبط بالسياق نفسه. وقد بدأت أصوات تطالب برد الاعتبار لمجموعات أخرى من الجزائريين عبر القول إنهم كانوا ضحية تلفيق تهم وملفات من قبل جهاز الاستخبارات أنهت مسيرتهم وضيعت عليهم سبل عيشهم، سواء في قضايا تتعلق بالإرهاب أو الظلم الاجتماعي.

لكن أحزاب المعارضة، المنشغلة بالتحضير لمؤتمرها العام الثاني، تنظر بعين الريبة إلى التصريحات والمطالبات التي يرفعها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني.

وتعتبر المعارضة أن هكذا تصريحات تدخل أيضاً في سياق المواجهة المفتوحة بين جناحين في السلطة، تستهدف الإدانة السياسية لمدير ديوان الرئاسة، أحمد  أويحيى، أحد الطامحين لخلافة بوتفليقة، والذي وقعت في عهده فضيحة إدانة الأربعة آلاف كادر ومسؤول حيث كان رئيساً للحكومة في العام 1997. وهو ما يدفع جناح الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني إلى استعادة هذا الملف واستخدامه سياسياً ضد أويحيى لقطع الطريق على أي طموح سياسي مستقبلي للأخير.

وفي السياق، يعتبر القيادي في حركة مجتمع السلم، فاروق طيفور، أنّ الجناح السياسي الذي يواليه سعداني يريد أن يتصدر الواجهة السياسية ويتحكم في زمام الأمور، عن طريق إثارة هذه القضية بعدما خسر رهاناته السياسية والاقتصادية، في إشارة إلى الإخفاق السياسي والاقتصادي الذي انتهت إليه السلطة في عهد بوتفليقة وفشل سياساته في تحقيق نهوض اقتصادي وحلحلة المشكلات الاجتماعية الراهنة. ووفقاً لطيفور فإنّ "ذكر شكيب خليل كأحد الكوادر المظلومة والدعوة الي تبرئته هو الهدف المقصود من كل هذه التصريحات"، قبل أن يضيف: "نتساءل ممن يطلب سعداني رد الاعتبار وقد وقع الفعل والظلم على عدد آخر من الكوادر والمسؤولين في عهد بوتفليقة".

اقرأ أيضاً مؤتمر المعارضة الجزائرية يستفز أحزاب الموالاة: تبادل اتهامات وتخوين

المساهمون