درعا مهد الثورة... تمرّدت على النظام ولم تتخلص منه

درعا مهد الثورة... تمرّدت على النظام ولم تتخلص منه

15 مارس 2016
من أولى التظاهرات التي شهدتها درعا ضد النظام(فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن يوم 18 مارس/آذار من عام 2011، يوماً عادياً في تاريخ درعا، بل كان حداً فاصلاً بين سوريتين، سورية الأسد التي دامت ما يزيد عن أربعين عاماً تحت حكم الأب والابن، وسورية الثورة التي تمردت على حكم الأسد، ولا زالت تدفع ثمناً باهظاً لهذا التمرد، حصد أرواح مئات الآلاف من أبنائها، وهجر نصف شعبها، ودمر معظم مدنها.

بدأت الحكاية في درعا مع إقدام بعض الأطفال والفتية يوم 17 فبراير/شباط 2011، متأثرين بأجواء الربيع العربي، على كتابة عبارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم، مدرسة الأربعين. وقد جانبت الحكمة ممثلي النظام في المدينة في التعامل مع هذه الحادثة، فاعتقلوا الأطفال، ونكلوا بهم، وصدوا ذويهم ووجهاء المدينة الذين طالبوا بالإفراج عنهم بشكل عنيف، مسّ كراماتهم وأعراضهم، فكان الغضب، وكانت الثورة.

خرجت أولى التظاهرات الصريحة في مناوأتها للنظام من درعا البلد يوم 18 مارس/آذار 2011 للمطالبة بالإفراج عن الأطفال المعتقلين وعزل المحافظ فيصل كلثوم، ورئيس فرع الأمن السياسي عاطف نجيب، وهو قريب رئيس النظام، فتصدى لها الأمن برعونة، ليسقط أول قتيلين في الثورة وهما محمود جوابرة وحسام عياش، ولتتصاعد بعدها التظاهرات وتتحوّل إلى حدث يومي يسقط فيه مزيد من القتلى، وتتحوّل عملية تشييعهم إلى تظاهرة جديدة يسقط فيها قتلى إضافيون، وهو ما أثار غضب ليس أبناء المحافظة فقط الذين تنادوا لتقديم العون من كل بلدات وقرى حوران نصرة لإخوانهم في المدينة، بل في عموم البلاد، لتنتقل التظاهرات إلى بانياس واللاذقية على الساحل السوري، وإلى دوما بريف دمشق ودير الزور في شرق البلاد وإلى مدن محافظة إدلب في شمالها.

ومع الرعونة والعنف اللذين اتصف بهما سلوك النظام في درعا وعموم البلاد في التعامل مع المتظاهرين السلميين، اشتعلت مدن حوران كلها بالغضب، وأحرق المتظاهرون مقر حزب "البعث" الحاكم في المحافظة ومبنيين آخرين لشركتي اتصالات مملوكتين لرامي مخلوف، قريب بشار الأسد. وبدأ ممثلو المحافظة لدى أجهزة النظام والدولة بالانسحاب وتقديم الاستقالات. واستقال بداية من مجلس النواب ناصر الحريري وخليل الرفاعي ويوسف أبو رومية ويمان المقداد. كما انسحب عدد من مسؤولي محافظة درعا من وظائفهم الرسمية تأييداً لموقف النواب المستقيلين، ومنهم خطيب المسجد العمري الشيخ أحمد الصياصنة، وكبير الواعظين في درعا الشيخ محمد أبازيد، ومفتي درعا الشيخ رزق أبازيد، ومدير أوقافها عمار الشحادات. فما كان من قوات الأمن إلا أن أقدمت على اعتقال بعض هؤلاء وفرضت الإقامة الجبرية على الصياصنة.

اقرأ أيضاً: جمعة "تجديد العهد": الثورة السورية تنهض مجدداً

وما زاد في اتقاد الاحتجاجات، إقدام قوات الأمن فجر الأربعاء 23 مارس/آذار على اقتحام المسجد العمري، وقتل ستة من مئات المعتصمين داخله، وقتل آخرين خارج المسجد، ليسقط بعدها عشرات القتلى في اليوم التالي خلال تشييع القتلى الذين سقطوا في المسجد وخارجه. وكان يوم 25 مارس/آذار هو يوم "جمعة العزة" التي شارك فيها آلاف المتظاهرين الذين مزقوا صورة كبيرة لبشار الأسد وحطموا تمثالاً لوالده، فأطلقت قوات الأمن عليهم الرصاص الحي ليسقط عشرات القتلى والجرحى في المدينة، وفي البلدات المجاورة التي حاول أبناؤها الوصول إلى مركز المدينة.

ولم يخفف من حدة الاحتجاجات قرار رئيس النظام إقالة المحافظ فيصل كلثوم وإطلاق السلطات سراح عدد من المعتقلين في التظاهرات. وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن 55 شخصاً على الأقل قُتلوا في درعا خلال الأسبوع الأول من انطلاق الاحتجاجات، لكن مصادر محلية تؤكد أن عددهم أكثر من ذلك بكثير. وفي تلك الفترة، طلب الأسد إجراء تحقيق في مقتل المحتجين بدرعا واللاذقية، وهو تحقيق لم تُعرف نتائجه حتى الآن.

ولعل من العلامات الفارقة في المسيرات الاحتجاجية لمحافظة درعا، مقتل الطفل حمزة الخطيب، الذي تحوّل إلى إحدى أيقونات الثورة السورية. اعتُقل الخطيب قرب مساكن صيدا يوم 29 أبريل/نيسان، خلال مشاركته في زحف أبناء بلدته الجيزة لنصرة أهل درعا، لتسلم جثته بعد فترة، وعليها آثار التعذيب والرصاص، إذ تلقى رصاصة في ذراعه اليمنى وأخرى في ذراعه اليسرى وثالثة في صدره وكسرت رقبته ومُثّل بجثته.

وفي تاريخ 4 مايو/أيار 2011، فرضت قوات الأمن التابعة للنظام حصاراً على مدينة درعا، وقطعت عنها الكهرباء والماء والاتصالات والدواء، وشنّت حملة اعتقالات واسعة طاولت نحو ألف شخص، ما أجج الغضب في عموم البلاد، وخرجت تظاهرات في عدة محافظات تطالب بفك الحصار عن درعا. ووقّع عدد من الفنانين والمثقفين على بيان شهير طالبوا فيه بفك الحصار، عُرف ببيان الحليب، نسبة إلى المطالبة بإدخال حليب الأطفال إلى المدينة.

بعد ذلك، التحقت بشكل أوسع مجمل المدن السورية بالحراك الشعبي في درعا، لتنتقل سخونة الأحداث إلى حمص واللاذقية وريف دمشق وبقية المناطق، ثم التحقت درعا بما طرأ على الحراك الثوري من تطورات، أي الاتجاه إلى العمل المسلح اعتباراً من نهاية الشهر السابع من عام 2011 حين أُعلن عن تشكيل الجيش السوري الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد، والذي لم يخض أولى معاركه إلا في أواخر سبتمبر/أيلول في بلدتي الرستن وتلبيسة شمالي حمص.

واليوم، فإن ما يزيد عن سبعين في المائة من محافظة درعا بات خارجة عن سيطرة قوات النظام التي لم يبقَ بيدها سوى درعا المحطة، وحي في درعا البلد، وبعض المدن مثل الصنمين وإزرع وخربة غزالة، قبل أن تستعيد أخيراً بلدتي الشيخ مسكين وعتمان. وتعيش المحافظة اليوم، محنة مشابهة لبقية المدن السورية، إذ نزح من سكانها أكثر من 400 ألف غالبيتهم لجأوا إلى الأردن، في حين نزح أكثر من 300 ألف داخل المحافظة، من أصل ما يزيد عن المليون إجمالي عدد سكانها.

كل ما سبق يؤكد أن ما حدث في درعا، التي كان يُطلق قديماً عليها سهل حوران نسبة إلى خصوبة أراضيها، هو نقل مظالم عموم السوريين، من حالة الهمس طيلة حكم حزب "البعث" وعائلة الأسد، إلى الصراخ بالفم الملآن، ولاحقاً بكل وسائل التعبير، لتلتحق بها سريعاً سائر المدن السورية التي كانت تختزل المعاناة ذاتها، وربما أشد. وكانت درعا رائدة في تقديم أبنائها لأجل الثورة، ففيها سقط أول قتيلين وهما محمود جوابرة وحسام عياش بتاريخ 18 مارس/آذار 2011، كما قُتل فيها أول طفلين على يد النظام وهما حمزة الخطيب في 24 مايو/أيار 2011، وثامر الشرعي في 8 يونيو/حزيران 2011. وشهدت أول تظاهرة في يوم الجمعة، وهي "جمعة الكرامة" في 18 مارس/آذار 2011، ومنها انشق أول عضو في البرلمان هو ناصر الحريري في 23 أبريل/نيسان 2011، وأيضاً أول عسكري انشق عن النظام وهو وليد القشعمي في 23 أبريل/نيسان 2011.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تتصدى لمحاولة اقتحام "داعش" قرى بريف درعا