"لولا" البرازيل.. انتصر على الجوع والسرطان وطالته اتهامات الفساد

"لولا" البرازيل.. انتصر على الجوع والسرطان وطالته اتهامات الفساد

12 مارس 2016
حارب لولا الحكم العسكري سياسياً (فيكتور مورياما/Getty)
+ الخط -

"الجانب المظلم" لدى الرئيس البرازيلي السابق، لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، المعروف أكثر بـ"لولا"، ظهر أخيراً. "أعاد" الرجل، العالم المصدوم إلى الواقعية، بعد سنوات من الركون إلى "مثالية" جسّدها إبن ولاية برنامبوكو الساحلية على الأطلسي. "لولا" بطل جديد في روايات الفساد التي لطّخت البرازيل في السنوات الأخيرة، تحديداً أثناء تشييد وتأهيل ملاعب كرة القدم والبنى التحتية المرتبطة بها، المخصصة لكأس العالم التي أُقيمت في البلاد في عام 2014.

لم يكن "لولا" ضحية تحقيق منفرد، أو قضية قفزت إلى الواجهة، بل كان أحد أركان فضيحة شركة النفط الوطنية "بتروبراس"، التي سقطت بموجبها الرئيسة الحالية ديلما روسيف في المحظور، ولا تزال تعاني بسببها حتى اليوم منذ الصيف الماضي، رغم أنها لا تزال "على قيد الحياة سياسياً". وإذا كانت حجة روسيف، بأن "كل شيء جرى من دون علمها"، وهو ما يعني ضعف هيبتها الرئاسية والإدارية للشركة، إلا أن "لولا" استفاد من "هدايا" عدة، أدت إلى توقيفه لساعات وبدء التحقيق معه، الأسبوع الماضي، قبل أن تطلب النيابة العامة الملاحقات القضائية رسمياً بحقّ رئيس البرازيل السابق، الأسبوع الحالي.

وقد جاء في التهمة، بحسب وسائل الإعلام البرازيلية، أن "النيابة العامة طلبت من القضاء أن يوجه إلى الرئيس السابق، تهمتي إخفاء أصول وغسيل أموال، وذلك على خلفية ثبوت امتلاكه شقة من ثلاثة طوابق"، في منطقة غواروخا السياحية. ينكر "لولا"، ملكيته للشقة المسجلة باسم شركة، لكن المحققين توصلوا إلى ما يثبت أنه المالك الحقيقي للشقة، وأنه حصل في عام 2014 من "بتروبراس"، على مفروشات فخمة وأعمال تصليح للشقة، لا تقلّ قيمتها عن 264 ألف دولار، من دون أي مسوّغ قانوني. لا تقف المسألة عند الشقة، بل تطاول أيضاً منزلاً ريفياً، ووفقاً لهذا، تمّ التحقيق مع الرئيس السابق وزوجته، خصوصاً أن عمليات الشراء حصلت بموجب أموال نالها "لولا"، وفق التهم، من شركات البناء الكبرى، المرتبطة بدورها بـ"بتروبراس".

ردّة الفعل الأولى للرئيس السابق، كانت بانتقاده السلطات الأمنية قائلاً: "إذا كانت السلطات ترغب في الاستماع لي، كان بإمكانها استدعائي، وكنت سأذهب، ولكن لسوء الحظ، تصرفت السلطات بوقاحة وبغطرسة في عرض للنار والسلطة".

اقرأ أيضاً غليان البرازيل: روسيف وكأس العالم ومافيات... ولبنانيون

ويبدو أن "لولا" سيواجه معركته شبه وحيد، رغم دعم روسيف، فحزب "العمال" الذي ينتمي إليه الثنائي، بات أضعف من الاتحاد بقوة في ملفات قضائية. وتجلّى ذلك بقول وزير المالية نيلسون باربوسا، لوكالة "رويترز"، إن "الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، ستؤجل الموافقة على التدابير المالية في الكونغرس (مجلس الشيوخ البرازيلي) بالفعل، إلإ أن الإدارة سوف تلتزم بالخطط لتقديم الإصلاحات المالية الإضافية وإعادة هيكلة الرواتب قريباً".

وبما يشبه الإيحاء، بعدم استعداد روسيف لتوظيف محاولتها العودة إلى الواجهة السياسية بقوة، لصالح معلمها "لولا"، شدّد باربوسا على أن "إدارة الرئيسة ديلما روسيف في وضع أفضل، للمضيّ قدماً في الإصلاحات لإعادة توازن الحسابات العامة على الرغم من تشكيك الأسواق". ويمكن لروسيف أن تحلم بمستقبل أفضل، بعد الأخبار التي تواردت عن انتعاش الأصول البرازيلية خلال الأسابيع الماضية، وسط رؤية المستثمرين لكون التغيير المرتقب حكومياً، يُعدّ تطور إيجابياً للاقتصاد، الذي يعاني من أسوأ مراحله منذ عقود.

قد يكون صعباً على كثر، محلياً وعالمياً، استيعاب احتمال وقوع "لولا" في فخ الإغراءات، خصوصاً أنه كان المبادر الأول برازيلياً، لمعالجة مشكلة الفقر والجوع في البرازيل. في عام 2003، أي بعد عامٍ من وصوله إلى الحكم، أطلق "لولا" برنامجين اجتماعيين: الأول متعلق بمكافحة الجوع وفقاً لبرنامج أطلق عليه اسم "صفر جوع"، والثاني مكافحة الفقر بحسب برنامج "بولسا فاميليا" (بدل عائلي) لمساعدة العائلات الفقيرة. شكّل "لولا" في مكان ما، الوجه "الإنسانوي" لليسار الصاعد في أميركا اللاتينية، في العقد الأول من الألفية الثالثة، وسط انشغال نظرائه في فنزويلا وبوليفيا والأرجنتين بالشعارات والحروب السياسية العامة.

قبل الفضيحة، كان "لولا" قد لمّح إلى احتمال خوضه الانتخابات الرئاسية مجدداً (في عام 2018)، غير أن ما بعد الفضيحة ليس كما قبلها، وكان الرجل واضحاً في الإفصاح عن مشاعره، وهو "الحنون" و"الباكي": "لقد شعرت كأنني سجين، أنا بريء من الاتهامات، وأتعهّد باعتزال العمل السياسي في حال ما ثبت صدق هذه الادعاءات". ربما تكون عبارة "لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس، وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون"، كافية لتلخيص مسار "لولا" في ولايتيه الرئاسيتين (2003 ـ 2011).

ليس "لولا" سوى نسخة برازيلية عن ليش فاليسا البولندي، بفعل بروز نجمه في مطلع الثمانينيات، وتأسيسه حزب "العمال" في عام 1980، للمطالبة بحقوق العمال في مواجهة الجيش الذي كان حاكماً في ذلك الزمن. قاد "لولا" سلسلة من الإضرابات والتظاهرات المناوئة للحكم العسكري من جهة، وللمطالبة بحقوق النقابات العمالية. تضافرت جهوده مع جهود باقي الأحزاب البرازيلية، وتمّت إزاحة العسكر من السلطة، والسماح للمدنيين بالحكم بحرية. كلّل "لولا" جهوده في الشوارع بكسبه مقعداً في الكونغرس البرازيلي، قبل انتخابه رئيساً في 2003، بعد 3 محاولات سابقة فاشلة.

لم يجد "لولا" الحجج الكافية للدفاع عن نفسه، بل توجّه للمئات من أنصاره في حزب "العمال" الأسبوع الماضي، في مقرّ نقابة موظفي مصرف ساو باولو، قبل توقيفه، قائلاً: "إذا أرادوا أن يهزموني، فعليهم أن يواجهوني في شوارع هذا البلد، وفي حال اعتقد أحدهم أن الملاحقات ستُسكتني فهو واهم، لأنني انتصرت على الجوع، ومن ينتصر على الجوع لا يستسلم أبداً". لغة دفعت أنصاره للتظاهر في الشوارع، كما أخرجت الغضب الدفين الذي لم يتجاوزه الرئيس السابق بعد، رغم كل سنوات الحكم والسياسة والانتصار على ورم خبيث، غضب سبّبه الفقر في شوارع مسقط رأسه كايتيس في برنامبوكو.

اقرأ أيضاً صفعة دبلوماسية لإسرائيل: البرازيل تتمسك برفض "السفير المستوطن"

دلالات

المساهمون