مؤرّخ إسرائيلي: دعم تل أبيب للأكراد بدأ بطلب إيراني

مؤرّخ إسرائيلي: دعم تل أبيب للأكراد بدأ بطلب إيراني

02 مارس 2016
بدأ التحرك الإسرائيلي نحو الأكراد في 1965(إلياس أكنجين/فرانس برس)
+ الخط -

أعادت دعوة وزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، في خطابها أمام المؤتمر التاسع لمركز أبحاث الأمن القومي، لدعم إقامة دولة كردية شمالي العراق، تسليط الضوء على الدور الإسرائيلي في تدريب وتسليح الحركة الكردية المناهضة للحكومة العراقية في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وإذا كانت تقارير كثيرة، بما فيها إسرائيلية، قد تناولت الدور الإسرائيلي في تسليح أكراد العراق، لكن لم تُنشر لغاية الآن دراسات رسمية أو أكاديمية حول خلفية هذه العلاقات، ودوافع إسرائيل لبدء التحرك باتجاه الأكراد في العراق في عام 1965.

وكشف تقرير موسّع للمؤرخ العسكري الإسرائيلي، أوري ميلشطاين، نشره في موقع "معاريف هشفواع"، أن الدور الإسرائيلي في هذا الخصوص كان موجّهاً بداية لخدمة إيران، بناء على طلب من رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإيرانية، الجنرال كمال، إلى الملحق العسكري الإسرائيلي في طهران، الجنرال يعقوف نموردي، بأن تقوم إسرائيل بتدريب قوات كوماندوس إيرانية لمواجهة العراق. وجاء الطلب إثر تصريحات للرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، في عام 1965 بأن إقليم خوزستان في إيران تقطنه أغلبية عربية سنّية ويجب أن يعود بالتالي إلى العراق، ويكون جزءاً من السيادة العراقية.

وقال ميلشطاين إن إيران طلبت ذلك من إسرائيل، وتم إرسال مسؤول "الموساد" إلى إيران لهذه الغاية، وانتُدب العقيد تسوري ساجي، الضابط في سلاح المظلات الإسرائيلي، لتشكيل قوة الكوماندوس الإيرانية، إلا أن ظنّ الضابط خاب في قدرة الجنود الإيرانيين، لعدم انضباطهم وضعف قدراتهم القتالية، فاقترح بدلاً من ذلك، بحسب ما يورد ميلشطاين، تدريب قوات كوماندوس كردية تشاغل حكومة العراق في الشمال. هذا الأمر أيّدته إيران ورحبت به إسرائيل لتلاقي مصالحهما آنذاك. ووفقاً لميلشطاين فإن القوات التي تم تدريبها على يد ساجي، تدربت في إيران بداية ثم تم جلبها إلى إسرائيل، للتدرب على السلاح الحي، وتم ذلك في أحد معسكرات التدريب القريبة من قرية دالية الكرمل على سفوح الكرمل.

اقرأ أيضاً: إسرائيل وساسة كردستان: تحالف الأقليات

وتمكّنت القوات الكردية في عام 1966، بعد التدريبات التي حصلت عليها في إسرائيل، وتحت قيادة تسور ساجي، من مواجهة الجيش العراقي في معركة هندرين، وكسر اللواء الرابع في الجيش العراقي والتسبّب بمقتل ثلاثة آلاف جندي عراقي عبر اللجوء للتكتيك العسكري المأخوذ من خطة القائد العسكري الألماني، ألفريد غراف فون شليفن، في استدراج القوات الفرنسية والانتصار عليها في عام 1944. وكررت القوات الكردية تحت قيادة العقيد الإسرائيلي هزم وحدات الجيش العراقي خلال التمرّد الكردي في عام 1974.

وينقل ميلشطاين عن الجنرال تسوري ساجي، قوله إنه بعد إرساله إلى كردستان بشكل دائم بعد معركة هندرين المذكورة، رافقه في مكوثه هناك مبعوث "الموساد" ميكي عيفرون، الذي أجاد اللغة الكردية وكان خبيراً في جمع المعلومات. ويوضح ساجي أن اتصاله الأولي كان مع ابني زعيم التمرّد الكردي، الملا مصطفى البرزاني، إدريس ومسعود، وأن الاثنين أبلغاه أن القرارات في نهاية المطاف يتخذها والدهما. وبحسب رواية ساجي، فإنه على الرغم من أن مصطفى البرزاني لم يكن يجيد قراءة الخرائط، إلا أنه كان يعرف كل حجر في المنطقة الكردية، وقد استغرق وقتاً لإقناعه بخطة القتال التي وضعها قبل معركة هندرين لاستدراج القوات العراقية ثم مهاجمتها، عوضاً عن أسلوب القتال الذي كان قد اعتمده البرزاني وتمحور حول الاقتراب من مواقع الجيش العراقي وضربها من مسافة 800 متر ثم الفرار من الموقع.

لكن ما يلفت الانتباه هو إقرار ساجي أمام ميلشطاين بأن مصطفى البرزاني أبلغه بأن الجماعات الكردية كانت المسؤولة عن تفجير مروحية الزعيم العراقي آنذاك، عبدالسلام عارف. وبحسب التقرير، فإن البرزاني سأل الجنرال الإسرائيلي، على ضوء انتصاره في معركة هندرين، حول ما إذا كان يجب إعلان استقلال إقليم كردستان، إلا أن الرد الإسرائيلي جاء برفض الفكرة.

وينقل ميلشطاين عن الجنرال احتياط يتسحاق عبادي، الذي كان هو الآخر موفداً إلى كردستان، قوله إن معركة هندرين ساهمت بشكل كبير في رفع الروح المعنوية للأكراد، ومواصلة حربهم تحت قيادة البرزاني. وفي إثر المعركة زاد اهتمام إسرائيل بالملف الكردي، وأوفدت بعد المعركة كلاً من الجنرال الإسرائيلي، رحبعام زئيفي (شغل لاحقاً منصب وزير في الحكومة الإسرائيلية، وقامت خلية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باغتياله في فندق "حياة ريجنسي" في القدس المحتلة) ومعه رئيس "الموساد" آنذاك، مئير عميت، للقاء مصطفى البرزاني، وتم الاتفاق وبالتنسيق مع الطرف الإيراني، على أن تقوم إسرائيل بتدريب الأكراد وتزويدهم بالسلاح، وبناء مستشفى ميداني وإرسال أطباء إسرائيليين إلى كردستان.

إلى ذلك، يشير تقرير ميلشطاين إلى أنه بعد فترة من قيادة تسوري ساجي، تم إرسال يتسحاق عبادي في  عام 1969 لتولي قيادة المجموعات الكردية التابعة للبرزاني. وبحسب عبادي فقد خطط إثر جولة ميدانية له مع البرزاني في كركوك، لضرب مصافي وآبار النفط هناك ووضع خطة لذلك، أقرّتها الحكومة الإسرائيلية لاحقاً، وتم تنفيذ العملية في الأول من مارس/آذار 1969، بعد أن طلبت القيادة الإسرائيلية من عبادي العودة إلى إسرائيل، وألا يكون على الأراضي العراقية عند تنفيذ العملية.

بعد تنفيذ العملية وضرب آبار النفط العراقية في كركوك، في مارس/آذار 1969، أُرسل العقيد إليشيع شاليم، ليحل محل عبادي. وطُلب منه أن يعدّ العدة لإطلاق شرارة التمرّد الكردي مجدداً، وذلك لإنهاك الحكومة العراقية، فيما كانت إيران تخطط لترسيم الحدود مع العراق في شط العرب عبر فرض الأمر الواقع، بأن يمر خط الحدود في قلب نهر شط العرب بعد أن كان كله خاضعاً للسيادة العراقية.

ومع انكسار التمرد الكردي في مطلع عام 1974، تم إرسال تسوري ساجي مجدداً لتنظيم القتال ضد الجيش العراقي وتكرار ما حدث في عام 1966، وتحوّل الأكراد إلى حرب استنزاف ضد الجيش العراقي إلى أن توصّلت إيران والعراق إلى تسوية في مؤتمر الجزائر في عام 1975.

اقرأ أيضاً: فايننشال تايمز: 77 بالمائة من النفط الإسرائيلي مصدره كردستان العراق