علي أكبر صالحي لـ"العربي الجديد": نواصل نشاطاتنا النووية بالكامل

علي أكبر صالحي لـ"العربي الجديد": نواصل نشاطاتنا النووية بالكامل

29 فبراير 2016
يواصل صالحي حواراته مع مونيز (أتيلا كيسبينيديك/فرانس برس)
+ الخط -
كان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، وزيراً للخارجية خلال عهد الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد. ترأس جولات المحادثات الفنية والتقنية من مفاوضات إيران النووية مع دول 5+1، فتباحث وجهاً لوجه مع وزير الطاقة الأميركي إرنست مونيز، واتفقا على صياغة البنود المرتبطة بالتزامات إيران في منشآتها النووية المدوّنة في نصّ الاتفاق. يشرح صالحي، في حوار مع "العربي الجديد"، بعض تفاصيل المحادثات وآليات تنفيذ الواجبات المترتبة على الجميع بموجب الاتفاق النووي، كما يعلّق على آخر تطورات بعض القضايا الإقليمية التي تعني إيران بشكل مباشر.

* بعد دخول اتفاق إيران النووي حيز التنفيذ العملي شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أين هي إيران النووية اليوم، كم طبّقتم من التعهّدات المطلوبة منكم؟ وكم طبّق الغرب مما عليه؟

الاتفاق هو عبارة عن خطة عمل نهائية، أجمع عليها الطرفان لإنهاء أزمة النووي المفتعلة، وتطبيق الخطة مستمر بشكل جيد، ما زلت أتواصل مع وزير الطاقة الأميركي إرنست مونيز للتحقق من آليات التطبيق. إن طهران ملتزمة بما عليها، لكن هناك نوعاً من التأخير يتحمّل مسؤوليته الطرف المقابل. لا توجد عراقيل محددة، لكني أقصد هنا تأخرهم بتطبيق بعض النقاط بشكلها الكامل، منها ما يتعلق برفع الحظر عن إيران بموجب الاتفاق. حتى الآن، هناك بعض المصارف الأوروبية الكبيرة التي لم تنهِ عقوباتها بشكل كامل، كونها تعهّدت في السابق بعدم التعامل تجارياً مع إيران. وما زلنا ننتظر أن تتواصل وزارة الخارجية الإيرانية مع الاتحاد الأوروبي لحل هذه الأزمة، فهيئة الطاقة الذرية غير مسؤولة عن هذا الشق، لكن تقييمي أن سير الأمور جيّد نسبياً.

* تفتيش المواقع النووية والعسكرية الإيرانية كان إحدى النقاط الجدلية التي عرقلت التوصل لاتفاق سابقاً، هل اتفقتم مع الغرب بالفعل على زيادة عدد المفتشين للمواقع النووية، وهل ستقبلون بدخولهم لمواقعكم العسكرية؟

التفتيش له إطار محدد مكوّن من عدة نقاط، منها شروط معاهدات التفتيش الدولية، وتفاصيل البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، فضلاً عن شروط أخرى كتبت في نصّ الاتفاق. لن تقبل إيران أي تفتيش خارج عن هذه النقاط، التفتيش يجري عادة للمواقع النووية، ولكن في حال وجود مواقع أخرى غير نووية، يتوجب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تقدم أسباباً حقيقية وموثقة بأدلة، وإن كانت مقنعة لن تكون هناك مشكلة بفتح الباب أمام المفتشين.

اقرأ أيضاً: شهر عسل نووي بين إيران والغرب... بانتظار إلغاء العقوبات

* أليس من المتوقع أن تعود أزمة موقع "بارتشين" إلى المشهد مستقبلاً، وهو الذي شككت الوكالة الدولية بوجود نشاط نووي مشبوه داخله وقدمت وثائقها لكم، فيما قالت إيران إنه موقع عسكري وبأن الوثائق مزورة؟

إلى جانب الاتفاق النووي، اتفقت إيران والوكالة الدولية على خارطة عمل مشتركة، وتم حلّ المشكلة المتعلقة بموقع بارتشين بشكل نهائي. وقد فتحت طهران أبواب هذا الموقع طوعاً أمام رئيس الوكالة يوكيا أمانو أخيراً. وهي المرة الثالثة التي يدخل فيها مسؤولون من الوكالة إلى بارتشين، كما حصلوا على عيّنات منه، أثبتت نتائجها أن الشكوك المطروحة غير سليمة. بالتالي لا أعتقد أن ملف تفتيش المواقع العسكرية سيطرح لاحقاً، فقد أثبتت إيران أن كلامها صحيح، كما أكد مفاوضونا مراراً على ضرورة احترام استقلالية البلاد، وخصوصية مواقعها العسكرية.

* حسب رئيس الوفد النووي المفاوض وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أعلنت إيران أنها ستطبق البروتوكول الإضافي، وهو الذي يسمح بتفتيش فوري ومباغت للمواقع النووية، لكنه بند يحتاج لتصويت مجلس الشورى الإسلامي، هل ستحملون الملف للبرلمان قريباً؟

لدينا وقت حتى ثماني سنوات مقبلة، سنطبّق البروتوكول الإضافي طوعاً، ولسنا مضطرين لأخذه إلى البرلمان لتمريره على النواب.

* ألن يثير هذا حفيظة منتقدي الداخل، خصوصاً المتشددين من المحافظين؟

لا أعتقد ذلك. هناك اتفاق داخلي حول هذا الموضوع.

* لقد ترأست المفاوضات الفنية والتقنية مع الغرب بنفسك، وقد نفّذتم بالفعل البنود المتعلقة بمفاعلات آراك، ونتانز وفردو، وهي بنود أثارت انتقادات عديدين في الداخل الإيراني ممن اعتبروا أن الاتفاق قدّم تنازلات مصيرية، ماذا تقولون أنتم؟

نشاطاتنا النووية ستستمر في كل جوانبها، من قبيل تخصيب اليورانيوم، وإنتاج الماء الثقيل، واكتشاف واستخراج اليورانيوم الخام، واستمرار التحقيقات النووية، وبناء مفاعلات نووية جديدة، وإنتاج الوقود. يعني كل هذا أن الإدارة النووية الإيرانية ستبقى متصلة ومستمرة، هناك بعض القيود التي قبلتها إيران بالفعل، لكنها لا تعني إيقاف العمل وإبطاءه. على سبيل المثال كان لدى إيران تسعة آلاف جهاز طرد مركزي تدور في المنشآت، وتُخصّب سنوياً ما يعادل 2300 كيلوغرام من اليورانيوم، وبموجب الاتفاق أصبح عددها ستة آلاف جهاز قادرة على تخصيب ما يعادل 1500 كيلوغرام. لكن حاجتنا الحقيقية من اليورانيوم المخصب في مفاعل بوشهر تساوي 30 ألف كيلوغرام سنوياً، أي أننا على مسافة بعيدة جداً من الكمية التي نحتاج لها بكل الأحوال، فهذه الأجهزة تُعدّ من الجيل القديم، وكان علينا أن نستبدلها بجيل جديد لرفع مستوى الإنتاج.

لقد أنتجنا بعضها واختبرناها بالفعل، لكن تحسين إنتاجية العدد المطلوب من أجهزة الطرد يحتاج لوقت طويل، وقبلنا بالتالي تخفيض العدد لعشر سنوات وحسب وهي مدة الاتفاق. خلال هذا الوقت سنطوّر ما نحتاج له، لاستخدامه في مفاعلاتنا بعد انتهاء المدة المحددة، ولنفترض جدلاً أن إيران لم تنجح بالتوصل لاتفاق كما حصل، وبهذه الحالة يبقى وضعنا على حاله، قد يبدو للبعض أن الاتفاق في ظاهره عبارة عن تنازلات وقيود، لكنه في الحقيقة ليس كذلك.

اقرأ أيضاً: الاتفاق النووي إلى التطبيق... وإيران تنتظر رفع العقوبات

في المقابل ترى بعض الأطراف الخارجية الأمر من زاويتها أيضاً، وتُسوّق لفكرة أن الاتفاق النووي يعني أن الغرب قد نجح بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، كما استطاع تأخير عملية صناعتها لقنبلة نووية. يجب أن أؤكد أن إيران لا تريد صنع سلاح نووي بالأساس، وكل ما أرادته هو امتلاك برنامج نووي سلمي.

* هناك عقوبات أميركية جديدة فرضت على منظومة إيران الصاروخية في يوم تطبيق الاتفاق عملياً، في الوقت عينه تعتبر طهران أن تطوير صواريخها منفصل عن النووي، ألا يناقض هذا الاتفاق؟ على الطرفين الإيراني والأميركي؟

المفاوضات والاتفاق معنيان بالملف النووي وحسب، العقوبات على البرنامج الصاروخي التي صوّت عليها مجلس الأمن الدولي في سنين سابقة، فرضت قيوداً لمنع طهران من امتلاك صواريخ ذات رؤوس نووية. لكن البلاد لا تريد امتلاك سلاح نووي، إلا أنها بالمقابل تمتلك الحقّ في تطوير صواريخها العادية وتحسين قدراتها الدفاعية، هذا ما طُرح صراحة على الطاولة مع الآخرين، وهدف هذه العقوبات الجديدة هو التأثير على الرأي العام في الغرب ليس إلا.

* أولى الخطوات المتعلقة باستمرار برنامج إيران النووي والتي أعلنت عنها هيئة الطاقة الذرية أخيراً، تتعلق ببناء مفاعلات نووية جديدة وصفتها بالمفاعلات الصغيرة، فضلاً عن نيتكم الدخول إلى النادي التجاري النووي في العالم، هل تستطيع أن تشرح لنا هذه الخطط؟

لقد بدأنا بالفعل ببيع اليورانيوم المخصّب على الأراضي الإيرانية لدول أخرى، رغم أن الكمية الأولية التي تم تصديرها لروسيا قليلة وتبلغ عشرة أطنان تقريباً، لكن هذا يعني فخراً ونجاحاً لإيران التي تُعدّ من الدول النامية، فعدد الدول التي تُقدّم ما يُسمّى اصطلاحاً بـ"الخدمات النووية" قليل بالفعل، ومجرد دخولنا لهذا النادي جيد مبدئياً، وسنزيد من هذه الفعاليات مستقبلاً.

كما تجدر الإشارة إلى أن إيران بلد جاف، والمفاعلات النووية الضخمة تحتاج لكميات كبيرة من المياه، فإما يجب بناؤها بالقرب من المياه الخليجية جنوباً، أو بالقرب من بحر قزوين شمالاً، إلا أننا نحتاج لمفاعلات نووية بغرض توليد الكهرباء في وسط البلاد، حيث تتمركز المدن الرئيسية، ونقل الكهرباء عبر مسافات طويلة يحتاج لتكاليف كبرى كذلك. لذلك بدأت طهران حالياً بإجراء الدراسات الأولية لبناء عدة مفاعلات صغيرة، ستبلغ طاقتها في البداية 25 ميغاواط، وسترتفع تدريجيا لتصل إلى 100 ميغاواط، فضلاً عن هذا سنستكمل بناء وحدتين نوويتين جديدتين بالقرب من مفاعل بوشهر، وتمّ الاتفاق مع موسكو في شأنها.

اقرأ أيضاً: إيران والغرب يعلنان إقرار الاتفاق النووي رسميّاً

* ما تعليقك على التصريحات الخليجية الأخيرة، التي اعتبرت أن إيران النووية، ومفاعلاتها، لا سيما تلك القريبة من دول مجلس التعاون، ما زالت تشكّل تهديداً خطيراً عليها؟

في الإمارات يبنون أربعة مفاعلات نووية عملاقة، وفي جنوب إيران يوجد مفاعل واحد وحسب، وأنا اتساءل كيف يشكل مفاعلنا كل هذا الخطر، بينما يقرّ الجميع بأمان المفاعلات الإماراتية؟ السؤال الأهم، كيف يمكن لإيران أن تبني مفاعلاً لا يراعي المعايير والضوابط التي تقرّها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تشرف أصلاً على عملية بناء وتأسيس هذه المفاعلات، لكن للأسف تصريحات الدول الجارة في مجلس التعاون الخليجي والمتعلقة بالنووي الإيراني تشبه كل تصريحاتهم الأخرى حول إيران، وجميعها تصريحات غير موثقة، وغير مفهومة.

* ماذا عن علاقاتكم مع السعودية، التي تحوّلت لمواجهة في عدد من البلدان، كسورية واليمن وغيرها، قطر عرضت منذ فترة استضافة حوار إيراني سعودي، هل هناك حظوظ للحوار أم أن الوضع يتجه نحو المزيد من التصعيد؟

ليس لدي معلومات تفصيلية عن هذه المبادرة، لكني بداية أود أن أشير إلى أن الخلاف مع السعودية ليس إيديولوجياً، إعطاء المشكلة سمة أنها خلاف بين السنة والشيعة أمر غير صحيح، كل ما يحدث يرمي لأغراض سياسية. المسألة تتعلق بأن الجيران من الخليجيين قلقون من تطور إيران نووياً وعسكرياً وعلمياً. لدى هؤلاء خوف غير مبرّر من وجود نوايا أخرى لإيران. نحن لا نبحث عن نفوذ جغرافي ولا عن ثروات جديدة، ونودّ بالفعل تحقيق الاستقرار في المنطقة، والمطلوب في المرحلة الراهنة هو التفكير بحكمة. على سبيل المثال علاقات إيران مع تركيا، هذه العلاقات تبقى من النوع الاستراتيجي رغم وجود خلاف بين الطرفين حول عدد من القضايا، وعلى رأسها الملف السوري. لكن العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية في أحسن حالاتها، وهو ما يصب لمصلحة كلينا، وتعقيد الأوضاع بين الدول الجارة لن يصب لمصلحة المنطقة برمتها، نحن نريد تحسين علاقاتنا مع الدول الخليجية، لكن تصريحات مسؤوليهم وتوجيه أصابع الاتهام لإيران وتحميلها مسؤولية كل ما يحدث في المنطقة أمر مضحك.

* البعض في المنطقة العربية نفسها يتحدث عن تدخل إيراني واضح سواء في سورية أو في اليمن، وهناك اتهامات لإيران بأنها تسعى لتغيير ديموغرافي طائفي في سورية بالذات، بماذا تردون؟

أنا اتساءل لماذا لم يحمّلونا أيضاً مسؤولية الثورة في تونس أو في مصر وحتى في ليبيا، ماذا عن التدخل التركي أو القطري في ليبيا أو في مناطق أخرى مثلاً، هذا النوع من التدخل تخلق له مبررات مختلفة. لكن وقوف إيران مع الشعب السوري ضد "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها من التنظيمات المسلّحة يتحول لاتهامات، في المقابل تعد الحرب السعودية على اليمن التي شردت ملايين المدنيين وقتلت أطفالاً وأبرياء مبررة.

* يزداد الحديث عن احتمال حصول تدخل سعودي تركي في سورية بغرض مكافحة الإرهاب، ما موقفكم؟ وكيف ستتصرفون بحال وقع الأمر؟

السعودية غارقة في مستنقع عميق، وأي خطوات من هذا القبيل تعني غرقهم وتورطهم أكثر، يجب عليهم تعلم الدرس الصحيح من قصص التاريخ.

* إلى أي مدى تحالفكم مع روسيا معرّض للاهتزاز في سورية، وقد صدرت تصريحات في السابق من قبل الحرس الثوري تلمح لوجود مصالح روسية هناك، فضلاً عن انتقادات روسية لنظام بشار الأسد بعد قوله "إن النظام يعمل على استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية"؟

حسب معلوماتي فإن العلاقات السياسية الثنائية جيدة، فضلاً عن أن التنسيق بين إيران وروسيا حول سورية مدروس وعميق، ولا أتصور تعرضه لهزات قد تؤثر عليه مستقبلاً.

* بالنسبة لليمن، لا يبدو أن هناك أفقاً لأي حل سياسي هناك، هل ستمارسون أي ضغوط على الحوثيين لتجنب كوارث تصعيدية؟

الحوثيون لا يحتاجون لمساعدات إيران، أنا أرى أن الشعب اليمني برمته قادر على تحقيق انتصاره الذي يريده، ولا يمكن لأي طرف أن ينتصر على إرادة الشعب، والسعودية ستخرج من اليمن في النهاية، وسيكون النصر حليفاً لليمنيين، كما سيكون حليفاً للسوريين.

* ماذا عن علاقاتكم مع الولايات المتحدة، الرئيس باراك أوباما استطاع إنهاء سنوات طويلة من العداء مع كوبا على سبيل المثال، هل سيحين الموعد لتطبيع العلاقات مع إيران قريباً؟

العلاقات بين طهران وواشنطن تفتقر للثقة، لا يمكن تصور عودة طبيعية وسريعة للعلاقات الثنائية، يجب تغيير سياسات أميركا إزاء إيران، فضلا عن ضرورة التزامها بوعودها، وكل هذا يحتاج لوقت، في إيران نقول "ازرع شجرة الصداقة التي تجلب لك الطمأنينة، واقتلع غرسة العداء التي تجلب لك المشاكل"، هذه هي سياستنا باختصار.

* بعد التوصل لاتفاق نووي، هل زالت احتمالات حصول حرب إسرائيلية إيرانية؟

لطالما كانت تهديدات إسرائيل بالنسبة لإيران فارغة وواهية، نحن لا نعتبرها دولة أساساً، وبالتالي هي لا تشكل أي تهديد لإيران.

اقرأ أيضاً: طهران وموسكو تتبادلان اليورانيوم

المساهمون