التحركات "العفوية" لأنصار حزب الله: رسائل وتهديدات مبطّنة

التحركات "العفوية" لأنصار حزب الله: رسائل وتهديدات مبطّنة

29 فبراير 2016
من سيطرة حزب الله وحلفائه على بيروت 2008(فرانس برس)
+ الخط -
حرّك حزب الله أنصاره بـ"عفوية"، ليل السبت الأحد الماضي، للاحتجاج على بث إحدى الفضائيات العربية شريطاً مصوّراً يتضمّن تقليداً للأمين العام للحزب، حسن نصر الله، خلال أحد برامجها الفكاهية. ترجمت "عفوية" الأهالي نفسها من خلال مئات الدراجات النارية الغاضبة التي جابت بيروت وعدة مناطق لبنانية.

كان بالإمكان تصديق عفوية أهالي الضاحية الجنوبية (مقرّ قيادة حزب الله ومربّعه الأمني وخزّانه البشري عند مدخل بيروت الجنوبي)، لكن ما تلا هذه الخطوة جاء ليؤكد أنّ قراراً ما تمّ اتخاذه من قبل قياديين في الحزب، لتنفيذ تحركات في كل منطقة مؤثرة، بعيداً عن أطراف الضاحية، حيث تمّ حرق الإطارات وقطع الطرقات.

ونزل العشرات من أنصار الحزب إلى منطقة الصالومي ـ سن الفيل (في المتن، شرقي بيروت)، انطلاقاً من حيّ النبعة (إحدى الضواحي المختلطة في المناطق المسيحية) وقطعوا الطريق. كما تحرّك أهالي السعديات (جنوبي بيروت)، التي سبق أن شهدت اشتباكات بين أنصار لحزب الله باسم "سرايا المقاومة" (أي المجموعات المسلحة التي يدعمها حزب الله وسبق أن شاركت في اجتياح بيروت عسكرياً في مايو/أيار 2008)، فوقع اشتباك آخر من دون إعلان القوى الأمنية عن أية توقيفات في هذا الإطار. وتكرّر المشهد نفسه في مدينة بعلبك (شرقي لبنان)، حيث تم قطع الطريق الدولي بين لبنان وسورية. وتواصلت هذه التحركات ظهر أمس الأحد، في مناطق عدة، منها الشوفيات (مدخل بيروت الجنوبي)، وفي قرى عدة في البقاع (شرقي لبنان) وأبزرها تعلبايا المختلطة مذهبياً بين السنة والشيعة. 

اقرأ أيضاً: أنصار حزب الله بالشارع بذريعة الاحتجاج على تقليد نصرالله

كان بالإمكان تمرير كل ما سبق تحت غطاء "العفوية"، لكن الخطوة الميدانية الأكثر دلالة وتعبيراً جاءت من خلال مسيرة سيّارة، وصلت إلى أطراف وسط بيروت، تحديداً إلى نقطة تقاطع برج المر وشارع بلِس، أي منطقة باب دريس، على بعد أقل من مائة متر من منزل زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري. 

ويمكن وضع كل ما حصل في المناطق الأخرى في سياق، وما حصل في باب دريس في سياق آخر مختلف تماماً. فقد تبيّن من خلال هذه الخطوة، أنّ المطلوب توجيه رسالة واضحة، سياسياً وأمنياً وعسكرياً، لزعيم المستقبل، إذ كادت "عفوية" أنصار الحزب أنّ تؤدي بهؤلاء "الأنصار" إلى طرق باب آل الحريري في بيروت قبل دخوله، وهو تماماً ما سبق وحصل بقوة السلاح في أحداث مايو/أيار 2008، حين  وصلت مجموعات لحزب الله وأخرى لحركة "أمل" (التي يترأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري)، إلى سور حديقة منزل الحريري في قريطم (في بيروت أيضاً)، واكتفوا بإطلاق بعض القذائف التحذيرية تاركين قاطني المنزل كالأسرى المحاصرين بانتظار الحلول السياسية.

ولا يتردّد أي متابع في وضع تحركات أنصار حزب الله في سياق التوتر السياسي الحاصل في لبنان، نتيجة الخلاف على السياسة الخارجية والخطوات التي اتّخذتها السعودية بحق لبنان احتجاجاً على مواقف حزب الله والخارجية اللبنانية. فجاءت "عفوية" الأهالي لتعبّر عن المعلومات التي يتم التداول بها في لبنان منذ أسبوع، والتي تحذّر من قيام حزب الله بمحاكاة أمنية معيّنة بهدف وضع "الحدود اللازمة" لكل خصومه وتحديداً حلفاء السعودية؛ فجاء الشريط المصور الترفيهي في وقت مناسب للحزب. 

وبناءً على هذا المشهد الميداني، يمكن القول إنّ حزب الله عرف جيداً كيف يستفيد من الشريط المصور الترفيهي، الذي بثّته إحدى القنوات الفضائية السعودية (إم بي سي) لتحريك مناصريه وتوظيف هذه التحركات كما يجب. فتبيّن أن الحزب قادر بلحظات، بشعار "العفوية"، على التحرك في كل بيروت، بمناطقها المفروزة مذهبياً والمختطلة إسلامياً أو حتى المختلطة مسيحياً وإسلامياً (سن الفيل)، بضواحيها ووسطها،

مع العلم بأنّ كل هذه التحركات ترافقت مع إطلاق نار في الهواء وسيل من الشتائم والعبارات المذهبية غير المسبوقة الموجهة ضد السعودية والطائفة السنية. تأتي هذه الممارسات المذهبية لتؤكد عكس ما قاله نصر الله في خطابه الأخير، بأنّ "المعركة في المنطقة سياسية وليست مذهبية"، وتكرّس إعلانه الشهير عام 2009 بأنّ يوم السابع من مايو/أيار 2008 "يوم مجيد"، ليلحقه عام 2010 بالتأكيد على أنّ حزب الله مستعد لفعل "سبعين 7 أيار" للدفاع عن نفسه.

انطلاقاً من الدفاع عن "هالة" نصر الله، التي كرّسها حزب الله في أكثر من محطة سياسية عبر الشارع وقطع الطرقات والتهديدات، وصلت الرسالة بوضوح إلى السياسيين اللبنانيين. معظمهم يفضّل عدم التعليق، والاكتفاء بالصورة التي أنتجها حزب الله عن نفسه بأنه قادر على "تحريك بلطجيته ومليشياته ساعة يشاء"، بحسب ما يقول أحد مسؤولي تيار المستقبل رافضاً الكشف عن اسمه. هذه العبارة تطوف في أكثر من مجلس سياسي معارض للحزب، فتدفع القوى السياسية اللبنانية من جديد إلى إعادة حساباتها بشكل دقيق في ظرف سياسي أدقّ.

اقرأ أيضاً: الأزمة اللبنانية ــ السعودية: الأوراق المتبقية لخصوم حزب الله