دفع روسي للهدنة السورية... والمعارضة تبحث عن ضمانات

دفع روسي للهدنة السورية... والمعارضة تبحث عن ضمانات

25 فبراير 2016
تتخوّف المعارضة من استمرار القصف الروسي عليها بالهدنة(عمار البوشي/الأناضول)
+ الخط -


تدفع روسيا والولايات المتحدة بقوة نحو تطبيق الهدنة ووقف إطلاق النار في سورية، وبدا ذلك واضحاً من خلال التحركات الروسية أمس، الأربعاء، والضغط الأميركي في هذه الاتجاه. وإزاء هذه الضغوط، تعمل المعارضة السورية على تشكيل لجنة عسكرية تضم سياسيين، مع تفويض من الهيئة العليا للتفاوض، للتحدث باسم المعارضة حول تطبيق الهدنة مع النظام، وذلك بالتنسيق مع قادة الفصائل المسلحة. وتقول مصادر في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد"، إن الفصائل المسلحة المعارضة، فوّضت الهيئة العليا للمفاوضات بشأن الهدنة، وذلك لتجنّب أن تحاول واشنطن إجراء اتصالات فردية مع كل فصيل من الفصائل على حدة. وتشير المصادر إلى أن المعارضة تسعى إلى الحصول على ضمانات بألا يستغل النظام هذه الهدنة ويسيطر على مناطق جديدة، لافتة إلى أنه من أهم الملاحظات التي قُدّمت للطرف الأميركي بشأن اتفاق الهدنة سبل تجنيب المدنيين وفصائل الجيش الحر القصف بحجة محاربة الإرهاب.

في السياق نفسه، أعلن كبير مفاوضي المعارضة السورية، محمد علوش، أمس الأربعاء، أن المعارضة لم تقرر بعد إن كانت ستلتزم بخطة الهدنة، مضيفاً في حديث تلفزيوني أنه "لدينا وقت حتى الجمعة". وكانت المعارضة قد أعلنت في وقت سابق موافقة مبدئية على الهدنة.

أما الحراك الأبرز أمس، فقد تصدّرته روسيا، إذ أجرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سلسلة اتصالات بزعماء المنطقة لبحث موضوع الهدنة. وبحث مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الإيراني حسن روحاني وقف إطلاق النار في سورية. وأعلن الكرملين في بيان "أن الملك السعودي رحب بالاتفاق المبرم" حول وقف إطلاق النار، فيما بحث بوتين مع روحاني استكمال الجهود لدفع وقف إطلاق النار، وأكدا "أهمية استمرار العمل المشترك بين البلدين حول التسوية السورية، بما في ذلك الاستمرار في محاربة (داعش) و(جبهة النصرة) وغيرهما من المجموعات الإرهابية التي تضمنتها قائمة مجلس الأمن"، فيما أكد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لبوتين استعداده لتطبيق وقف إطلاق النار، وذلك خلال اتصال هاتفي بينهما، كما أفاد الكرملين في بيان. وبحسب البيان فقد اعتبر الأسد أن الهدنة تُشكّل "خطوة مهمة نحو تسوية سياسية للنزاع". غير أن بوتين والأسد "أشارا إلى أهمية التصدي بلا هوادة لتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من المجموعات الإرهابية الأخرى المصنفة كذلك من الأمم المتحدة".

كذلك تشاور بوتين هاتفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، حول "الوضع في الشرق الأوسط"، بحسب بيان للكرملين، الذي لم يشر تحديداً إلى الصراع السوري.

إزاء التحركات الروسية، أعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، عن أمله في تلقي رد إيجابي من فصائل المعارضة المسلحة قبل يوم السبت، موعد بدء الهدنة، معتبراً الاتفاق فرصة لـ"حقن الدماء، ووقف القتال الذي عانى منه الشعب السوري لوقت طويل". وأكد راتني في بيان مكتوب، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، تواصل التنسيق مع الأمم المتحدة وأعضاء المجموعة الدولية لدعم سورية، والمعارضة من أجل تنفيذ مهام عمل مجموعة وقف إطلاق النار، وتواصل العمل من خلال مجموعة العمل الخاصة بالأمور الإنسانية من أجل إيصال المساعدات بشكل فوري ومستمر إلى المناطق المحاصرة، مشيراً إلى أنه تم حتى الآن الوصول إلى خمس مناطق محاصرة ويجري العمل للوصول إلى منطقة سادسة. وكانت المعارضة السورية قد اشترطت إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، قبل الانخراط في أية مفاوضات سياسية مع النظام.

اقرأ أيضاً: عُقَد الهدنة السورية... استحالة تحديد المناطق تعرّض المعارضة للاستهداف

من جهته، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كلمة له أمس، تأييده وقف إطلاق النار، لكنه أضاف: "إذا كانت روسيا ونظام الأسد وكيانات كحزب الاتحاد الديمقراطي، هي من تصنف جماعات المعارضة في سورية، فالوضع في غاية السوء، ونخشى أن يؤدي هذا الوضع الذي يتساوى فيه الجلاد والضحية، إلى تطورات جديدة وأكثر مأساوية".

وعلى صعيد التحضيرات لبدء تطبيق الهدنة، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، عن إنشاء مركز تنسيق في قاعدة حميميم الجوية بمحافظة اللاذقية وذلك لمراقبة "وقف إطلاق النار". وفي تعليقه على هذه النقطة، يقول المحلل الاستراتيجي، العميد أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن مراقبة أي اتفاق لوقف النار من الجو فقط، ولا بد من وجود قوات على الأرض بالنظر إلى التداخل الكبير بين قوات النظام والمعارضة في الكثير من الجبهات، ولا يمكن أن يتم بدقة تحديد من بدأ بإطلاق النار خصوصاً أن معظم الاشتباكات تتم بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وهذه لا يمكن رصدها بدقة بواسطة وسائل المراقبة الجوية والإلكترونية. ويتوقّع رحال ألا تقبل فصائل المعارضة السورية المسلحة اتفاق الهدنة بصيغته الحالية على الرغم من موافقتها على مبدأ وقف النار، إذ ستضع على الأرجح شروطاً للالتزام به متضمنة في قرار مجلس الأمن رقم 2254، فضلاً عن ضرورة إدراج التنظيمات الأجنبية التي تقاتل مع النظام ضمن قوائم الإرهاب، على غرار تنظيمي "داعش" و"النصرة" اللذين تم استثناؤهما من هذه الهدنة.

ويرى رحال أن استهداف "جبهة النصرة" سيكون اللغم الذي يفجر الاتفاق بالنظر إلى التداخل الكبير بين مواقعها ومواقع فصائل المعارضة المسلحة الأخرى، كما هو الحال في مدينة إدلب. ويلفت إلى أنه في جبهات أخرى هناك وجود محدود لعناصر الجبهة، مثل منطقة الساحل حيث يُقدر عدد عناصر "النصرة" هناك ببضع عشرات من أصل آلاف المقاتلين، وعلى الرغم من ذلك شن الطيران الروسي آلاف الغارات هناك طيلة الأسابيع والأشهر الماضية بحجة محاربة الإرهاب.

وحول ما يقال عن وجود اتفاق شفهي بين الطرفين الروسي والأميركي على تأمين غطاء جوي من جانب روسيا والولايات المتحدة لأية قوات سواء من النظام أم المعارضة تتوجه لمحاربة تنظيم "داعش"، يقول رحال إن "هذه مطالب قديمة للنظام وروسيا وأميركا بتسخير كل القوى لمحاربة (داعش) وإهمال القتال ضد النظام، ما يشكّل حرفاً لأهداف الثورة السورية التي من المفترض أن تقاتل النظام الباغي أولاً وليس صنيعته داعش"، حسب قوله.

من جهته، يستبعد قائد الفرقة الثانية مشاة في القلمون الشرقي التابعة للجيش الحر، رئيس إدارة العمليات في هيئة أركان الجيش الحر سابقاً، العميد هاني الجاعور، أن يتم استهداف مواقع "جبهة النصرة" في المراحل الأولى من الهدنة بغية تثبيت عملية وقف النار وعدم التسبّب في إشكالات مع فصائل الجيش الحر قد تطيح بالهدنة.

ويرى الجاعور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القوى الدولية ستعطي فرصة لـ"النصرة" لتغيير موقفها وفك ارتباطها بتنظيم "القاعدة"، مشيراً إلى أن الجبهة ستتعرض لضغوط في هذا الاتجاه خلال الفترة المقبلة، وستكون بين نارين إذا ما تعرضت للقصف، نار الطيران الروسي وقوات النظام من جهة، ومن جهة أخرى حال الأهالي الذين سيتسبب القصف في موجة نزوح كبيرة بينهم.

ويتوقع العميد الجاعور أن تنجح الهدنة وأن تفتح أفقاً لحل سياسي، لافتاً إلى وجود مؤشرات عدة على أن نظام بشار الأسد بات يتخوّف من الوجود الروسي في سورية، إذ بدأت تظهر خلافات علنية بين الطرفين، معتبراً أن النظام "ربما يفضّل العودة الكاملة لحضن إيران، التي يتشاطر معها كلياً الأهداف، بينما ربما تكون لروسيا أجندة مختلفة، وتفاهمات غير معلنة مع الإدارة الأميركية لا تعبأ كثيراً بمصير الأسد ونظامه، وإنما تهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة لروسيا والولايات المتحدة".

ويرى الجاعور أن للولايات المتحدة وروسيا القدرة على المراقبة بواسطة الأقمار الصناعية لتحديد الطرف، الذي يخرق الهدنة، إذ ينتشر أكثر من عشرين قمراً صناعياً في سماء سورية لأغراض التجسس وجمع المعلومات، متمنياً على "جبهة النصرة" فك ارتباطها بـ"القاعدة" وتغليب مصالح الشعب السوري على أية اعتبارات أيديولوجية زائفة.

اقرأ أيضاً: تحذير أميركي من تقسيم سورية في حال فشل الهدنة