تركيا تضغط لمنطقة آمنة مصغرة: 10 كيلومترات تشمل أعزاز

تركيا تضغط لمنطقة آمنة مصغرة: 10 كيلومترات تشمل أعزاز

18 فبراير 2016
تعزيزات تركية جديدة على الحدود مع سورية(أوزان كوزيه/فرانس برس)
+ الخط -
لا يمكن فصل المقترح الجديد، الذي قدمته تركيا أمس الأربعاء، والقاضي بإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، بعمق 10 كيلومترات فقط عوضاً عن 40 كيلومتراً كما كانت تدعو أنقرة سابقاً، عن التحركات المتسارعة الهادفة لوقف الحملة العسكرية الشرسة التي تشنها روسيا في ريف حلب الشمالي بالتعاون مع كل من حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) والمليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً وبعض عناصر النظام السوري. وقد أدت هذه الحملة إلى تراجع كبير في مساحة سيطرة المعارضة السورية وإلى موجة نزوح كبيرة للأهالي نحو الحدود التركية.
ويبدو أن ظروف المقترح الجديد بإقامة منطقة آمنة مصغرة، والذي أعلن عنه نائب رئيس الوزراء التركي، يالجين أكدوغان مختلفة هذه المرة، فالمشروع ليس تركياً فقط ولكنه يحظى بغطاء عربي "سعودي - قطري" تحديداً، ويبدو الموقف الألماني داعماً وبقوة للمشروع، ولا سيما بعدما جددت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أمس الأربعاء، التأكيد أنه "سيكون من المفيد وجود منطقة في سورية لا يشنّ فيها أي من أطراف النزاع غارات جوية"، بعدما وصفت الوضع الإنساني في سورية بأنه "لا يحتمل".
وقد استدعت هذه المواقف رداً روسياً عبّر عنه نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، الذي شدد على أنه "من الضروري الحصول على موافقة من الأمم المتحدة ومن الحكومة السورية لكي تمكن إقامة منطقة حظر جوي". وأضاف غاتيلوف، بحسب ما نقلت وكالة انترفاكس الروسية عنه: "مثل هذا القرار لا يمكن أن يتخذ بدون موافقة الطرف المعني وبدون قرار من مجلس الأمن الدولي"، وذلك بعد يوم من انتقادات شديدة وجهها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، للتحركات الروسية في سورية بلغت حد حديثه عن تخطيط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاستثمار في "احتلال دائم لسورية"، محذراً إياه من أنه سيكون مكلفاً جداً.

اقرأ أيضاً: 28 قتيلا بانفجار في العاصمة التركية يستهدف مساكن عسكرية 

تفاصيل وأهداف المنطقة الآمنة

وأكد نائب رئيس الوزراء التركي، أن بلاده اقترحت إقامة منطقة آمنة بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية تشمل منطقة أعزاز، التي لا تبعد عن الحدود التركية سوى 9 كيلومترات، لمنع التغيير الديمغرافي في المنطقة. وحذر حزب الاتحاد الديمقراطي من الاقتراب من مدينة أعزاز ومن موجة نزوح قد تصل إلى 600 ألف مواطن سوري في حال سقطت مدينة حلب بيد النظام أو المليشيات المتعاونة معه.
وشدد أكدوغان على انه لا رغبة لتركيا بخوض أي حرب، قائلاً: "نحن لسنا محبين للحروب ولا مغامرين"، مضيفاً: "لا تزال الحوارات مستمرة مع أعضاء التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بشأن تنفيذ تحرك بري، ولكن الولايات المتحدة الاميركية لا تزال غير مقتنعة".
وفي السياق، علمت "العربي الجديد" من مصدر في الخارجية التركية، بأن المشروع التركي السعودي الذي تم تقديمه إلى واشنطن، هو إعادة صياغة لمشروع المنطقة الآمنة الذي كانت تركيا تطالب به، إذ إن عمق المنطقة الآمنة الجديدة تقلّص من 40 كيلومتراً في المشروع السابق إلى ما بين 10-25 كيلومتراً، أما امتدادها فلن يكون 98 كيلومتراً في المرحلة الاولى كما كان مقترحاً في المشروع الأول، ولكنه سيضمن أن تضم مناطق سيطرة المعارضة السورية التي خسرتها أخيراً لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي.
وبحسب المقترح المقدم، فإن تركيا والسعودية اقترحتا منطقة آمنة إما بتدخل مباشر من قوات الجيش التركي والسعودي، أو بحماية قوات المعارضة السورية المتبقية في ريف حلب الشمالي التي لن تحتاج لأكثر من مظلة جوية مع بعض المستشارين العسكريين الأتراك والسعوديين لتستعيد تلك المناطق. وفي ما يخص المظلة الجوية، فإنه وفقاً للمقترح نفسه، إما أن يتولاها حلف شمال الأطلسي بشكل مباشر، أو التحالف الدولي ضد "داعش"، انطلاقاً من قاعدة إنجرليك. كما أنها لن تكون مكلفة، كما المشروع الأول المطروح وفق النموذج العراقي بعد حرب الخليج، إذ لن تستدعي أكثر من ضغط على روسيا التي لن تجرؤ على التصعيد مع التحالف الدولي أو حلف شمال الأطلسي إن اتخذت واشنطن القرار.
وبحسب المصدر فإنه "لم تتم الموافقة بعد على المشروع، إلا أن الضغط الدبلوماسي لا يزال مستمراً"، بما يوحي بأن المشروع لا يزال أقرب لورقة ضغط على روسيا للعودة إلى المفاوضات والتخلي عن طموحاتها بحل الملف السوري عسكرياً. وهو الأمر الذي أشار له أكدوغان قائلاً إنه "لا يمكن لأحد أن يتدخل في أعزاز، ولا بد من زيادة الضغط الدبلوماسي على الروس".

من جانب آخر، لم يعد مشروع المنطقة الأمنة وسيلة تركية للحفاظ على أوراقها في الملف السوري فحسب، بل بات ضرورة لا يمكن التنازل عنها للحفاظ على الأمن القومي التركي. ويعتبر المسؤولون الأتراك أن تكوين شريط تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني على حدود تركيا الجنوبية أمر كارثي سيستدعي تحركاً، حتى لو كان من جانب واحد، على طريقة التدخل في قبرص 1974، ومهما كانت نتائجه. كما أن تدفق اللاجئين السوريين، بعد الاتفاق التركي الأوروبي، لم يعد شأناً تركياً لكنه أصبح شأناً أوروبياً بات يشكل تهديداً وجودياً على الاتحاد الأوروبي وورقة روسية للضغط عليه، الأمر الذي تؤكده معظم مراكز الأبحاث الغربية. وقد بات هذا الأمر يستدعي تحركاً لوقف التغول الروسي في حلب ونزع هذه الورقة من روسيا. وهو ما يفسر دعوة ميركل أمس الأربعاء.

تبدل في الموقف الأميركي

في مواجهة ذلك كله، أخذ الموقف الأميركي بالتغير منذ الثلاثاء، سواء على مستوى العلاقة مع روسيا أو مع حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ أكد الرئيس الاميركي باراك أوباما، خلال كلمة له في اجتماع بين الأميركيين وممثلي رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، في ولاية كاليفورنيا، أن روسيا ستغرق في المستنقع السوري، في لهجة بين التهديد والتحذير. وأضاف: "روسيا ستغرق في المستنقع السوري، لقد قلت هذا وبالتأكيد سيحصل، إن كان الروس والنظام بعتقدون أنه من خلال التقدم الذي حققوه أخيراً سيكونون قادرين على إنهاء الحرب، فإني أقول لهم إن معظم الأراضي السورية خارجة عن سيطرة (بشار) الأسد، وهذا الأمر لن ينتهي خلال وقت قصير". وهو ما أعاد التأكيد عليه أمس الأربعاء، نائب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلنكن بقوله إن ثلاثة أرباع سورية لا يسيطر عليها الأسد.

وكان أوباما قد شدد في كلمته أيضاً على أن الحل الوحيد في سورية هو حل سياسي، وأن التحركات الروسية الأخيرة لا تصب في مصلحة أحد. وأضاف: "بوتين يستطيع أن يفكر بأنه جهّز الوضع لإبقاء سورية تحت الاحتلال الروسي بشكل مستمر من خلال الجيش الروسي، ولكن هذا عمل كبير، وإن نظرنا إلى الاقتصاد الروسي، فإن ذلك لا يبدو انه سيكون أمرا جيداً لروسيا". واستخدم أوباما ورقة إعادة الإعمار كوسيلة للضغط على روسيا، مؤكداً أنه لن تستطيع موسكو القيام بهذه الأعباء لوحدها بدون الشراكة مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، قائلاً: "السؤال الذي يجب أن نطرحه، أي فائدة ستجنيها روسيا من السيطرة على بلد مدمر تماماً ويحتاج إلى مساندة بمليارات الدولارات".
أما في ما يتعلق بحزب الاتحاد الديمقراطي، فقد أظهرت الخارجية الأميركية تحولاً مهما في لهجتها. وبعدما كانت أقرب لموقف الحياد بين أنقرة والاتحاد الديمقراطي، بدعوتها تركيا إلى وقف القصف المدفعي و"الاتحاد" لوقف التقدم في ريف حلب، دعا المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، "الاتحاد"، يوم الثلاثاء، إلى وقف القيام بأي فعل من شأنه أن يزيد التوتر مع الحليف التركي والحلفاء العرب، وكذلك وقف التقدم والانسحاب من الأراضي التي سيطر عليها نحو قواعده السابقة في عفرين وتحديداً من قاعدة منغ العسكرية ومحيط مدينة أعزاز. وفيما بدا أقرب إلى تهديد فك الشراكة الأميركية مع "الاتحاد"، قال تونر "كنا واضحين جداً حول هذا الأمر، إن تحركات الاتحاد الديمقراطي مضرة، وتقوّض أرضية التعاون التي بنيناها معه في الحرب على داعش".
لكن التغير في الموقف الأميركي، لم يرضِ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي انتقد واشنطن مرة أخرى لدعوتها تركيا لوقف ضربات المدفعية ضد الاتحاد الديمقراطي، مشدداً على أن هذه الضربات لن تتوقف. وأضاف: "يدعوننا لوقف الضربات المدفعية ضد الاتحاد الديمقراطي، وأنا أقول لهم: نعتذر منكم، لا نفكر بإيقافها، إن من يوجه ضربات هاون أو رصاصة ضد تركيا سيتلقى أضعافها، وإننا نقوم بتطبيق قواعد الاشتباك الدولية"، مضيفاً: "يا أميركا، رفضتم اقتراحنا بإنشاء منطقة حظر طيران، ولكن انظروا الآن ما تفعله الطائرات الروسية، تقتل الألاف من الأيرياء المظلومين".
وأشار أردوغان إلى الرابطة العضوية بين الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني وإلى أن السلاح الذي استخدمه الأخير في الاشتباكات مع قوات الأمن التركية داخل تركيا يأتي من سورية. وأكد أردوغان أنّ أنقرة لن تسمح بإنشاء "قنديل" جديدة في سورية، في إشارة إلى مقرات الكردستاني في شمال العراق والتي قام الجيش التركي بتدميرها خلال الحملة الأخيرة. وأوضح أنه "في ما يخص الشأن السوري، فإن تركيا تدافع عن نفسها، وتحظى كل خطواتنا بالشرعية، وإن كل من لا يتفهم ذلك أو لا يحترمه سيدفع الثمن". في غضون ذلك، يستمر الجيش التركي بتوجيه ضرباته للاتحاد الديمقراطي لليوم الخامس على التوالي، وكذلك لـ"داعش". وبينما لم يخرج مجلس الأمن الذي ناقش القصف المدفعي التركي على سورية، يوم الثلاثاء، بطلب من الروس، بأي قرار ضد أنقرة، استمرت قوات الجيش التركي بالدفع بالمزيد من التعزيزات العسكرية إلى الحدود السورية.

اقرأ أيضاً حماية تركية لحصن المعارضة الأخير شمال حلب