"السوبر باك"... المال الانتخابي يهيمن على السباق الرئاسي الأميركي

"السوبر باك"... المال الانتخابي يهيمن على السباق الرئاسي الأميركي

واشنطن

جو معكرون

828E0773-6249-4AB6-B25A-1202D620094A
جو معكرون

كاتب وصحافي لبناني مقيم في واشنطن

17 فبراير 2016
+ الخط -

كان قرار المحكمة الدستورية العليا عام 2010 الذي قضى بالسماح للشركات والأشخاص بالإنفاق الانتخابي غير المحدود بمثابة زلزال في الحياة السياسية الأميركية. وكانت نتيجته إضعاف قدرة الحزبَين الديمقراطي والجمهوري على التأثير في الانتخابات الرئاسية مقابل صعود دور مجموعة صغيرة من المتموّلين التي تسعى إلى التأثير على صناعة القرار في واشنطن.

الدافع وراء صدور هذا القرار، كان محاولة منظمة "مواطنون متّحدون" بث وثائقي عن المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون خلال الانتخابات التمهيدية عام 2008. وبعدما منعت المحكمة المحلية في واشنطن بث الوثائقي باعتباره محاولة إنفاق انتخابي من طرف ثالث للتأثير على الانتخابات، لجأت هذه المنظمة المحافظة إلى المحكمة العليا. وكسبت المعركة على أساس أن الدستور يكفل حرية التعبير شرط الكشف العلني عن الأسماء التي تموّل بث هذا الوثائقي.

هذه السابقة القانونية فتحت الباب واسعاً أمام تأثير المال الانتخابي على السباق الرئاسي الأميركي أو أي عملية انتخابية أخرى في الولايات المتحدة. ولا يزال القانون الفيدرالي يحظر أي تمويل مباشر من الشركات أو الاتحادات العمالية أو المنظمات لحملات المرشحين أو الأحزاب السياسية. لكن الثغرة الجديدة في قرار المحكمة العليا سمحت بتشكيل لجان عمل سياسية مستقلة "السوبر باك"، التي يحق لها جمع تبرعات مالية غير محدودة للقيام بحملات انتخابية نيابة عن مرشح أو ضده. القانون الفيدرالي لا يسمح بأي تنسيق مباشر بين حملة المرشح الرسمية والـ"سوبر باك" المؤيدة له أو لها. لكن السر المعروف في واشنطن، أن "السوبر باك" تقوم بـ"الأعمال القذرة" بالتهجّم على المنافسين بإيحاء من المرشح الذي تؤيده أو تؤيدها.

بحسب مركز السياسة المتجاوبة، 3.7 في المائة من أكبر 100 متبرّع لهذه اللجان السياسية خلال الانتخابات الرئاسية عام 2012، ساهموا بـ80 في المائة من مجمل هذه التبرعات الانتخابية، أي التأثير الأكبر هو لقلّة من الأثرياء وليس للشركات أو الاتحادات العمالية. على سبيل المثال، من بين أبرز الأثرياء الذين يدعمون لجنة هيلاري كلينتون السياسية للانتخابات الرئاسية الحالية، هو حاييم سابان وزوجته شيريل (5 ملايين دولار). سابان المعروف في واشنطن بتأييده لإسرائيل وبتمويله مؤسسة بروكينغز. كما يتبرع لها جورج سوروس (2.5 مليون دولار) المعروف بنشاطه السياسي.

أما من بين داعمي حاكم فلوريدا السابق، المرشح الجمهوري جيب بوش فيبرز اسم موريس غرينبرغ (10 ملايين دولار) الذي يدير مجلس العلاقات الخارجية ومعروف عنه مواجهته الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد خلال زيارته إلى نيويورك حين نفى في ندوة حصول المحرقة ضد اليهود. أمّا سيناتور فلوريدا، الجمهوري ماركو روبيو فيرعى حملته نورمان برامان تاجر السيارات في ولاية فلوريدا الذي ساهم بأكثر من 6 ملايين دولار. ويبقى الدعم الأبرز للمرشح الجمهوري، السيناتور تيد كروز، الذي يأتي من متموّلين محافظين مثل الأخوة ويلكس (15 مليون دولار) وروبرت ميرسر (11 مليون دولار).

اقرأ أيضاً: عقيدة السياسة الخارجية لهيلاري كلينتون والإطراءات المتبادلة مع كيسنجر

وصل مجمل تبرعات "السوبر باك"في الانتخابات الرئاسية الحالية، حتى نهاية العام الماضي، إلى حوالي 260 مليون دولار، 210 ملايين منها لمرشحي الحزب الجمهوري. أما مجمل تبرعات الحملات التقليدية، بلغ 360 مليون دولار، 190 مليون دولار منها لمرشحي الحزب الديمقراطي. التأثير الأكبر للمتمولين الكبار هو على الحزب الجمهوري، ما يعكس هذا العدد الكبير من المرشحين وقدرة القيادة الحزبية المحدودة على تحديد مسار السباق الرئاسي.

ووصلت أكبر تبرعات "السوبر باك" إلى جيب بوش بمبلغ 118 مليون دولار مقابل تبرعات حملته التقليدية التي بلغت 31 مليون دولار فقط. أما عند الديمقراطيين، فتتصدر "السوبر باك" المؤيدة لكلينتون بمبلغ 48 مليون دولار مقابل 31,000 لمنافسها السيناتور بيرني ساندرز.

تؤكد كلينتون أنّ ليس لها علاقة بـ"السوبر باك" التابعة لها وتطرح عنوان "إصلاح النظام الانتخابي". لكن صحيفة "النيويورك تايمز"، ذكرت في تقرير العام الماضي، أن هيلاري أصبحت المرشحة الأولى التي تعمل شخصياً على تشجيع بعض أثرياء الحزب على تمويل اللجنة السياسية المؤيدة لها كما كان زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون "ضيفاً مميزاً" على اجتماع مخصص لتمويل اللجنة السياسية المؤيدة لها. أما ساندرز، الذي ينتقد نفوذ "وول ستريت" على السباق الرئاسي، فتفيد إحصاءات لجنة الانتخابات الفيدرالية أن اللجنة السياسية المؤيدة له استفادت على الأقل من 55,000 دولار من تبرعات "وول ستريت" إضافة الى الدعم الذي تلقاه من بعض الشركات المالية خلال ترشحه لمنصب سيناتور فيرمونت، كما أشار تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال". طبعاً هذا الرقم أقل من هيلاري، إذ أنّ 30 في المائة من تبرعاتها (14.3 مليون دولار) تأتي من شركات مالية و7 ملايين دولار من اتحادات عمالية.

بدأت حملة كلينتون تستخدم أموال "السوبر باك" المؤيدة لها أبكر مما كان متوقعاً، لوقف زخم منافسها ساندرز ولتحفيز الأقليات على التصويت في الانتخابات التمهيدية. في المقابل، بدأت تتلقى ضربات جمهورية عبر "السوبر باك" الذي أطلقه مستشار الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، كارل روف التي بثت إعلاناً دعائياً يسلط الضوء على مواقف مشابهة لكلينتون والمرشح الجمهوري، رجل الأعمال دونالد ترامب ضد المهاجرين. كما تشن لجنة جيب بوش منذ أيام حملات في كارولينا الجنوبية على ترامب الذي يتباهى أن حملته تموّل ذاتها، وأن ليس لديه "سوبر باك" رسمية وفعّالة تعمل على تأييده.

أبعد من جمع التبرعات، ثروة مرشحي الرئاسة عند الحزبَين لا يُستهان بها. وبحسب تقرير لمجلة "فوربس"، مجمل ثروة 19 مرشحاً للرئاسة تتجاوز 245 مليون دولار، باستثناء طبعاً ثروة ترامب التي تصل إلى 4.5 مليارات دولار. تشير التصاريح الضريبية الفيدرالية إلى أنّ دخل هيلاري وزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون منذ مغادرة البيت الأبيض عام 2001، تجاوز 45 مليون دولار.

خلال خطابه الأسبوع الماضي في مبنى الكونغرس المحلي في ولاية إيلينوي، تطرّق الرئيس الأميركي، باراك أوباما إلى مسألة التمويل الانتخابي قائلاً: "لا يجب على حفنة من العائلات والمصالح الخفية أن تكون قادرة على تمويل الانتخابات في أكبر ديمقراطية على وجه الأرض". مشكلة إصلاح التمويل الانتخابي بين الديمقراطيين والجمهوريين تعود إلى جذور الخلاف الأيديولوجي بين الفكرة الليبرالية، بأن للحكومة الفيدرالية دوراً لضمان عدالة النظام، وبين الفكرة المحافظة التي تعطي أسبقية مطلقة للحرية الفردية. كما سيكون لوفاة أبرز قضاة المحكمة العليا المحافظين، أنتونين سكاليا، الأسبوع الماضي، تداعيات على ملف التمويل الانتخابي، لأنه كان وراء دعم دعوى "مواطنون متحدون". وبالتالي، هناك طموحات ليبرالية بإعادة طرح القضية على المحكمة العليا علّها تغيّر موقفها.

اقرأ أيضاً: الإنجيليون وانتخابات الرئاسة الأميركية .. تيد كروز

ذات صلة

الصورة

سياسة

ذكر تقرير لموقع "أكسيوس" الإخباري، اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، وحملته الانتخابية يعملون على مشروع جد حساس بالنسبة إلى إعادة انتخابه في المنصب الرئاسي، والمتمثل بتفادي تعثره أو سقوطه في أثناء مشاركته في الأنشطة العامة.
الصورة
ترامب (كريس دلماس/فرانس برس)

منوعات

بعدما أصبح أول رئيس أميركي سابق توجه له تهم جنائية، بات دونالد ترامب الأول أيضاً الذي تلتقط له صورة جنائية تنضم إلى مجموعة مماثلة تاريخية لصور مشاهير.
الصورة

سياسة

يواجه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من بين عدة تهم أسندت إليه، تهمة انتهاك قانون مكافحة الجريمة المنظمة، المعروف باسم "ريكو"، والذي قد يصل حد عقوبته إلى ما بين 5- 20 سنة في السجن.

الصورة

سياسة

قام الجمهوريون في الكونغرس الأميركي بأول خطوة، الخميس، في اتجاه فتح تحقيق محتمل لعزل الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو ما يطالب به أعضاء مؤيدون للرئيس السابق دونالد ترامب.