تركيا والسعودية لن تكرّرا خطأ العراق 2003 في سورية

تركيا والسعودية لن تكرّرا خطأ العراق 2003 في سورية

14 فبراير 2016
توقيت إرسال قوات برية سعودية مرتبطة بعمليات التحالف(كارولين كول/Getty)
+ الخط -
لا يبدو أنّ درس الأتراك والسعوديين في تحجيم دورهم خلال غزو العراق عام 2003، ما جعل إيران تبسط سيطرتها فيه بشكل مباشر، يقل شدّة عن عِبر الأميركيين التي استخلصوها من هذا الغزو، والمتمثلة بضرورة تجنّب التدخل العسكري المباشر في معارك المنطقة وقلب أنظمة الحكم فيها. هذا الأمر، عبّرت عنه الرياض بإعادة فتح سفارتها في بغداد والعمل على فتح قنصلية في أربيل. كما أعادت تركيا التأكيد على لسان رئيسها، رجب طيب أردوغان، على "الخطأ التركي الفادح" برفض فتح القواعد التركية أمام الجيش الأميركي في غزو العراق.

هكذا، اتخذ الجانبان الخطوات العملية الأولى، يوم السبت، للتأكيد على أنهما لن يتركا سورية لروسيا وإيران، ولن يسمحا للأخيرة بإتمام إمبراطوريتها نحو المتوسط. وسبق ذلك، تصريحات سعودية عدّة، تشير إلى احتمال تدخل الرياض عسكرياً في سورية. وقام الجيش التركي، أمس الأحد، بضرب مواقع لحزب "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني) أثناء محاولته، وبغطاء روسي، ضرب فصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة في الشمال السوري. وتزامنت الاشتباكات مع وصول مقاتلات سعودية برفقة طواقم كاملة إلى قاعدة إنجرليك التركية الجوية. فيما بدا ذلك، تمهيداً للتدخل في سورية عبر ضرب تنظيم "داعش"، ودعم "الجيش السوري الحر" بغطاء من التحالف الدولي.

وتوعّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، أمس الأول السبت، حزب "الاتحاد الديمقراطي" بالرد في حال محاولته السيطرة على بلدة أعزاز في ريف حلب. وأكّد داود أوغلو تمسك أنقرة بفصائل المعارضة "المعتدلة" في ريف حلب الشمالي، عبر الإعلان عن قيام الجيش التركي بتوجيه ضربات عسكرية للحزب، ليست الأولى، لكنها الأكثر عنفاً، واستهدفت مواقع الأخير حول أعزاز ومطار منغ العسكري.

وقبل ساعات من إعلان توجيه تلك الضربات، دقّ داود أوغلو، يوم السبت، طبول الحرب على روسيا و"العمال الكردستاني"، خلال كلمة ألقاها أمام قيادات حزب "العدالة والتنمية" في ولاية إرزينجان (شرق البلاد)، بمناسبة إحياء الذكري 98 لانتصار الجيش العثماني على الروس في شباط/فبراير 1918 واستعادته إرزينجان من خلال الحرب العالمية الأولى.

وأعلن رئيس الحكومة التركية انتهاء "مسألة الشرق"، في إشارة إلى المطالب الروسية التي استمرت لغاية وفاة زعيم الاتحاد السوفييتي، جوزف ستالين، عام 1953، بالأراضي التركية شرق البلاد بوصفها "أراضيَّ تابعة لكل من جمهوريتَي أرمينيا وجورجيا السوفييتيَن". وقال داود أوغلو، "بعد أكثر من 150 عاماً من الحديث عن مسألة الشرق ومحاولة السيطرة على الشرق وأراضي هذا الوطن، أقولها الآن، إنّ مسألة الشرق انتهت. سنقف جميعاً كتفاً إلى كتف في وجه أولئك الذين يحاولون تفريقنا إلى عرب وأتراك وأكراد وسنة وعلويين. لا يمكن تقسيمنا، ولن يستطيعوا إذلالنا قط".

ولم يفت رئيس الحكومة التركية التوضيح أنّ شن هجوم كبير على "الاتحاد الديمقراطي"، جاء لاعتباره جناحاً للكردستاني و"منظمة إرهابية لا تمثل الأكراد". وبالتالي، فإن الحرب ضده ليست إلا استمراراً للمعارك ضد الكردستاني لكن في سورية. واتهم رئيس الوزراء التركي "الاتحاد" بارتكاب جرائم حرب في سورية بالتعاون مع روسيا، قائلاً، إن "وحدات حماية الشعب التابعة للاتحاد الديمقراطي تتلقى تدريباتها في جبال قنديل (مقرّ الكردستاني)، حتى أنهم علّقوا صور زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان في مكتبهم التمثيلي الذي افتتحوه في موسكو".

اقرأ أيضاً: الخيار العسكري السعودي التركي سوريّاً أقرب من أيّ وقت

على المستوى الداخلي التركي، لا تبدو الظروف سيئة للتدخل في سورية وضرب "الاتحاد الديمقراطي"، إذ استطاع الجيش التركي، أخيراً، استعادة معظم المناطق التي دخلها "الكردستاني" وأعلن فيها الإدارة الذاتية. وتلقّى الأخير ضربات قوية وموجعة من الجيش التركي، لم تكن عسكرية فقط، بل سياسية، إذ إنّه لم يتلق الدعم الشعبي الذي توخّاه من خلال عملياته في تركيا، كما في الحرب مع "داعش" في مدينة عين العرب.

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة، إلى هبوط شعبية جناحه السياسي حزب "الشعوب الديمقراطي" بحوالى 2 في المائة، فيما بدت أنها تمت على حساب تأييد الطبقة المحافظة الكردية. الأمر الذي ظهر فعلياً في الانتخابات التي نظّمها "الشعوب الديمقراطي" بقيادة صلاح الدين دميرتاش، ليسيطر قيادات "الكردستاني" على لجنته المركزية بالتعاون مع اليسار التركي الراديكالي، وذلك على حساب المتدينين الأكراد.

وبعد حوالى أسبوع من الانتقادات التركية الشديدة للعلاقة بين "الاتحاد الديمقراطي" وواشنطن، بدت الضربات وسيلة لجرّ الأخيرة إلى الحرب، وإجبارها على اتخاذ موقف حاسم بالاختيار بين الحليف في أنقرة و"الديمقراطي"، ليأتي تصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري محايداً. وتجنّب كيري اتخاذ موقف الآن، ولم يدعم "الاتحاد الديمقراطي" الذي بدا وكأن مكتبه التمثيلي في موسكو، كان بداية الطلاق مع واشنطن، فضلاً عن خسارته وضعية "جوكر" الحرب السورية الذي يتلقى الدعم فيها من الجميع. ودعا كيري الطرفَين إلى التهدئة، قائلاً، "ندعو الأكراد السوريين والقوات الأخرى المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي، لعدم استغلال الوضع الحالي لبسط السيطرة على المزيد من المناطق. كما تلقينا تقارير عن قصف مدفعي من الجانب التركي، ونحن ندعو تركيا لوقف هذا النوع من القصف".

وعلى الرغم من الممانعة الأميركية للتدخل البري التركي ـ السعودي ضد "داعش" في سورية، فيما بدا التزاماً بقواعد "الحرب الباردة" التي تتطلب تجنب الاحتكاك المباشر مع موسكو، لا تبدو هذه الممانعة "فيتو" حاسماً ضد التدخل، لأن واشنطن تعلم أنّ التدخل الروسي ضد المعارضة السورية لن يؤدي إلّا إلى تفاقم الظاهرة الراديكالية ممثلة بـ"داعش". كما تدرك الولايات المتحدة أنّ روسيا لن تقدم لها انتصاراً مجانياً ضد التنظيم في العراق، عبر توجيه ضربات عسكرية ضده في سورية. كما يبدو واضحاً لأميركا أيضاً، أنّ الانتصار الروسي ضد المعارضة "المعتدلة" في سورية، سيجعلها تتطلّع لزيادة تدخلها في العراق وليبيا، بحجة فشلها، وتحت غطاء "محاربة الإرهاب".

وأكثر من ذلك، أكّدت العدائية الروسية دولياً، أنّ عودة الحرب الباردة أمر لا بد منه. ويتزايد القلق الأميركي على الاتحاد الأوروبي من قيام روسيا باستخدام ورقة اللاجئين كوسيلة للرد على عقوبات الاتحاد الأوروبي ضدها. كما تتخوف واشنطن من استخدام تركيا ورقة اللاجئين نفسها للضغط على الاتحاد الأوروبي للتحرك ضد روسيا، ووقف قصفها على حلب الذي أدى إلى موجة هجرة جديدة نحو أراضيها. الأمر الذي أشار إليه كيري، يوم السبت، خلال مؤتمر الأمن في مدينة ميونخ الألمانية، قائلاً إنّ "الولايات المتحدة ستساعد أوروبا في مواجهة أزمة الهجرة التي تشكل تهديداً شبه وجودي لأوروبا".

وأضاف كيري "تدرك الولايات المتحدة طبيعة التهديد شبه الوجودي على الحياة السياسية والاجتماعية في أوروبا، لذا ننضم إلى مهمة حلف الأطلسي لإغلاق طريق هجرة أساسي، وسنتعاون بطرق أخرى لوقف التدفق الكبير القادر على إلحاق ضرر بوحدة أوروبا"، في إشارة إلى مهمة "الحلف" التي يجب أن تساهم في مكافحة المهرّبين الذين ينظّمون رحلات المهاجرين في بحر إيجه من تركيا إلى اليونان.

ويستبعد مراقبون صداماً مباشراً مع روسيا في حال قررت أميركا تغطية التدخل السعودي ـ التركي، إذ إنّ مجال العمليات سيشمل حلب وحوض نهر الفرات ضد "داعش"، في الوقت الذي تضغط فيه واشنطن على التنظيم في الأنبار العراقية. وكما قامت موسكو بضرب حلفاء أنقرة والرياض (المعارضة السورية) في حلب، وحمص، ودرعا، ستقوم الطائرات السعودية والمدفعية التركية بالتعاون مع قوات خاصة برية تركية ـ سعودية بدعم "الجيش الحر" للتقدم ضد "داعش" وضرب حلفاء موسكو وتحديداً الأكراد، وفقاً لهؤلاء المراقبين.

اقرأ أيضاً: السعودية وتركيا... حلف الردع