جدل إسرائيلي حول ضرب أنفاق غزة استباقيّاً

جدل إسرائيلي حول ضرب أنفاق غزة استباقيّاً

11 فبراير 2016
يخشى الاحتلال من مواجهة عسكرية شاملة في غزة(مصطفى حسونة/الأناضول)
+ الخط -
يتواصل الجدل في إسرائيل، وتحديداً داخل المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت"، حول سبل مواجهة الخطر الذي تمثله الأنفاق الهجومية التي تعكف حركة "حماس" على حفرها. ففيما تركز وتبرز الصحف الإسرائيلية، أخيراً، التصريحات الفلسطينية بالذات حول الأهمية الاستراتيجية التي توليها الحركة للأنفاق، فإنها تشير في الوقت نفسه إلى فشل جيش الاحتلال، بالرغم من الجهود التي يبذلها أخيراً، في العثور على هذه الأنفاق أو تحديد مسارها.

وقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية حقيقة الجدل داخل الكابينت الإسرائيلي، بين من يرى من أعضائه بوجوب المبادرة إلى شنّ هجوم استباقي على الأنفاق وعدم انتظار اندلاع المواجهة العسكرية أو تمكن خلية تابعة للحركة من عبور نفق هجومي والوصول إلى مستوطنة إسرائيلية حدودية وتنفيذ عملية داخلها أو اختطاف جندي إسرائيلي، بحسب وجهة نظرهم، وبين من يعارض هذا التوجه. 

اقرأ أيضاً أنفاق غزة... تهويل إسرائيلي يرفع أسهم عدوان جديد

وزاد من حدة الجدل تسريب وسائل الإعلام الإسرائيلية، قبل أيام عدة، حقيقة ما دار في إحدى الجلسات الأخيرة في الكابينت بشأن التعامل مع الأنفاق الهجومية. وفي السياق، ذكرت "القناة السابعة" التابعة للمستوطنين، أن زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، طالب بمهاجمة الأنفاق، فيما عارض كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن موشيه يعالون، الاقتراح. أما القناة الثانية فنقلت عنهما قولهما إنّ "هذه المسالة تحتاج إلى قرار متزن ومسؤول، والاقتراح المذكور يشبه اقتراحاً بشنّ هجوم على مواقع بطاريات صواريخ حزب الله أو المنشآت الذرية الإيرانية".

من جهته، رفض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، جادي أيزنكوت، التطرق إلى الموضوع علناً. وفيما اعتبر أنّ هذا الأمر يُبحث في الأطر المناسبة، اكتفى بالقول إن جيش الاحتلال يقوم بعمليات سرية ضد الأنفاق.

ولا يبدي الجيش الإسرائيلي، في المرحلة الحالية، وهو يعلن تكرار مساعيه للعثور على هذه الأنفاق، أي حماسة لشنّ معركة أو إطلاق مواجهة عسكرية ضد "حماس" في قطاع غزة، على الرغم من أن تقديراته العملياتية تنطلق من وجود نفق ينتهي وراء خطوط حدود الاحتلال.
وفي ظل التركيز الإعلامي الإسرائيلي على مسألة عودة "حماس" لحفر منظومة الأنفاق، فإنه لا يمكن عزل اقتراحات بينت إلى جانب تسريب حقيقة التباين في الموقف بينه وبين كل من نتنياهو ويعالون، عن الاعتبارات الحزبية والسياسية الداخلية. يحاول بينت، ومنذ العدوان على غزة في العام 2014، الادعاء بأنه أول من رصد الخطر الذي تمثله هذه الأنفاق، وأنه الوحيد الذي يطالب بالعمل ضدها مقابل التزام نتنياهو ويعالون بـ"موقف رخو". وقد سبق أنّ تمّ الاشتباه بأن بينت كان وراء تسريب تفاصيل عما يدور في جلسات الكابينت، ولا سيما إبان العدوان على غزة.

وفي السياق، يتطرق مدير مركز أبحاث الأمن القومي، الجنرال احتياط عاموس يادلين، إلى مسالة توجيه ضربة استباقية للأنفاق في قطاع غزة، باعتبار هذا النوع من الضربات طبع لسنوات عقيدة الحروب الإسرائيلية بدءاً من العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956. على الرغم من ذلك يشير يادلين إلى أن هذا الأمر لم يعد مفهوماً ضمناً أو قائماً كخيار مباشر ومستقل، بفعل التغيير في المناخ العام الدولي الذي لم يعد مستعداً للقبول بشكل تلقائي بضربات كهذه، ولا سيما أنّ "العدو في الطرف الآخر"، على حد وصفه، "منتشر بين السكان المدنيين وفي أحياء سكنية مدنية، ما يقلص من فرص خيار كهذا".
ويلفت يادلين إلى أنه في حال الاتجاه لمثل هذا الخيار فإن العامل الأساسي أو المصيري الذي يمكن أن يحسم توجيه هذه الضربة هو العامل الاستخباراتي وتوفر معلومات مؤكدة ودقيقة بشأن مواقع هذه الأنفاق. أما في حال غياب هذه المعلومات، فإنّ هذا الخيار يبقى نظرياً، وتبقى الطريق الوحيدة لتنفيذه هي في إعادة احتلال قطاع غزة وضرب سلطة "حماس"، وإن كان ذلك محفوفاً بمخاطر التعرض لانتقادات دولية ومساس واسع النطاق بالمدنيين. لكن اعتماد هذا الخيار يعني إعادة إسرائيل إلى قطاع غزة وهو خيار غير محبذ.
وفي السياق، يرى يادلين أن الخيار الأمثل للتحرك والمبادرة الإسرائيلية مرهون بصور حقيقية تبين مكان ومواقع الأنفاق ومسارها، بحيث امكن مهاجمة هذه الأنفاق موضعياً، على أن يرافق مثل هذه الهجمات الموضعية توجيه رسائل واضحة لـ"حماس"، بأن هذه الضربات لا تتعدى كونها إجراءً دفاعياً ورداً لا يحمل أي معنى أو نوايا لتصعيد عسكري. ويعتبر يادلين أن هذه الخيارات المحدودة ظاهراً ناجمة أيضاً عن عدم توصل إسرائيل بعد إلى حل تكنولوجي للتحدي الذي تمثله هذه الأنفاق.
أما الخيار الثاني الذي يرصده يادلين، فيتمثل في العمل على مواجهة خطر حفر الأنفاق في المساحة المتاخمة للسياج الحدودي وبعمق 4 كيلومترات، حتى تخوم المواقع الحضرية في قطاع غزة، والعمل بنفس طرق عمل جيش الاحتلال خلال العمليات البرية في عدوان العام 2014. لكن هذا الخيار يحمل في طياته أيضاً، درجة عالية من خطر التصعيد العسكري الذي يصل حد التدهور إلى مواجهة عسكرية شاملة.
ويرى يادلين، وهو بذلك يتفق على ما يبدو مع الاتجاه السائد في صفوف قيادة جيش الاحتلال، أن الخيار الأمثل هو الخيار الثالث، والذي يقوم حالياً على الاحتواء، لكن بموازاة ذلك العمل على رفع جاهزية الجيش وتطوير حل تكنولوجي للعثور على الأنفاق وردمها، ووضع خطط عمل ملائمة. مثل هذا الخيار، من وجهة نظره، يمنح إسرائيل الوقت اللازم لبناء خطة عمل لمواجهة "حماس" بعد أن يكون خطر الأنفاق قد فقد من معناه وأهميته الاستراتيجية، على غرار ما حققته منظومة القبة الحديدية عندما أفقدت صواريخ "حماس" المتوسطة المدى فعاليتها، على حد قوله.

ويعتقد يادلين بوجوب بناء "قبة حديدية" تحت الأرض تغيّر من موقع وقوة إسرائيل عند بدء المواجهة العسكرية المقبلة. وعلى الرغم من أنّ يادلين يبدي حماساً للخيار الثالث الأخير، الذي يوصي برفده عبر رصد ميزانيات لمواجهة الأنفاق وتطوير حل تكنولوجي لها، إلا أنه لا يستبعد الضربة الاستباقية في حال زاد اليقين في الطرف الإسرائيلي عن اقتراب اندلاع المواجهة العسكرية، حتى قبل توفير الحل التكنولوجي المذكور. ومن وجهة نظره، فإنه في مثل هذه الحالة يجب أن تكون المواجهة العسكرية قصيرة الأمد وبقوة كبيرة، على أن يسبقها تخطيط يوضح ويحدد، بدون لبس، الأهداف المرجوة من الهجوم، بما فيها تغيير موازين القوى وديناميكية العلاقة بين الطرفين.

اقرأ أيضاً: تصريحات وزير إسرائيلي بشأن أنفاق غزة تضع السيسي بمأزق

المساهمون