حرب "ولاية سيناء" على الصوفيين: عداء تغذيه دوافع عدة

حرب "ولاية سيناء" على الصوفيين: عداء تغذيه دوافع عدة

08 ديسمبر 2016
يقف الصوفيون في سيناء إلى جانب الجيش(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
في سيناء، شرق مصر، ذُبح أخيراً، أكبر رمز ديني في المنطقة، كبير مشايخ الطرق الصوفية، الشيخ سليمان أبو حراز، صاحب المائة عام. وأتت عملية ذبحه في إطار صراع قائم بين تنظيم "ولاية سيناء" والصوفيين، لا يتردد فيه التنظيم بتكفير الصوفية واعتبار طرقهم باطلة. اختطف أبو حراز لأكثر من شهر واتهمه التنظيم بالتكهن وادعاء معرفة الغيب والشرك. ونشر التنظيم صوراً عن عملية الإعدام، وكتب عليها "تنفيذ الحكم الشرعي على كاهنين".
في الواقع هناك صراع لم يتوقف بعد هذا الحادث، إذ إن التنظيم لن يكفّ عن مداهمة بيوت وزوايا الصوفيين، ولا يتراجع عن خطف شيوخهم وتفجير أضرحتهم.

معركة متواصلة
اعتاد أهالي سيناء على مداهمات تنظيم "ولاية سيناء" لبيوت قرى مدينة الشيخ زويد التي يسكنها في الغالب الصوفيون. تتم هذه المداهمات لمسلحين ملثمين يقودون سيارات دفع رباعي، يقومون بخطف زوّار الحضرات. وقد وصل الأمر إلى حد وضع عبوات ناسفة أمام بعض مساجد الصوفيين وأضرحتهم، كما حدث في ضريحي الشيخ حميد أبو جرير بمنطقة المغارة في وسط سيناء، والشيخ سليم الشريف أبو جرير بمنطقة المزار في بئر العبد، واللذين تم تفجيرهما عن بُعد في التوقيت نفسه.

وتندرج كل هذه الأحداث والممارسات في إطار محاولات تنظيم "ولاية سيناء" فرض قوانينه الخاصة وإظهار نفسه كحاكم فعلي للمنطقة. وتكررت الممارسات مثل إحراق ومصادرة السجائر ومنع إقامة الحضرات. أحد المواطنين من الشيخ زويد، يدعى أبو مروان، روى كيف أن عناصر التنظيم "ضربوا مسجد الصوفيين الخاص بالشيخ عيد أبو جرير بـ"آر بي جي" واستخدموا الأسلحة الثقيلة في الطويل شرق العريش". ولفت إلى أنه يشعر بالخوف والرعب حيال "هذه الأخبار التي أسقطت ضحايا وإصابات"، والتي تعني، في نظره، أنه لم يعد هناك "حرمة لأحد في هذه المدينة". واعتبر أنه "من الصعب تشكيل لجان شعبية (في المدينة) لخطورة الوضع الأمني"، لافتاً إلى أن عناصر التنظيم "اعتادوا على تهديد الناس بعدم القيام بأي مظاهر صوفية داخل المساجد".
بدوره روى أحد السكان ما حدث قبل بضعة أشهر عندما خطف تنظيم "ولاية سيناء" واحداً من كبار الصوفيين في سيناء، يدعى الشيخ سليمان. ويقول "خطف الرجل ليُكتشف لاحقًا أن من قام بخطفه اثنان، هما من أبنائه انخرطا في صفوف التنظيم، وكانا قد حذرا والدهما من إقامة الحضرات الصوفية أو أية طقوس تتعلق بالصوفية".


الصوفيون والخوف من "داعش"
للممارسات الصوفية في سيناء طريقتان، الطريقة الجريرية والطريقة العلاوية. يركز عناصر "ولاية سيناء" في اعتداءاتهم على الزوايا التابعة للطريقة العلاوية، إذ يقومون بخطف رجالها. أوضح أحد أبناء الطرق الصوفية في سيناء، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "للصوفية تاريخاً عريقاً جداً في سيناء". ولفت إلى أن "المواجهة اشتدت في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما اقتحمت مجموعة مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) زوايا الصوفيين في جنوب الشيخ زويد ومنعوهم من الحضرة والذكر وكل الأنشطة والطقوس الخاصة بهم". وأوضح أن "الأمر وصل إلى حد احتكاك وضرب متبادل، وهو ما أدى في اليوم التالي إلى قيام عناصر من داعش بخطف سبعة أشخاص من كبار إحدى الزاويا"، وطالبوهم بـ"تنفيذ ما طلب منهم"، وهددوهم بـ"إقامة الحد الشرعي بحقهم، وبحق كل من لا يستجيب للمطالب"، وفق تأكيده. وتابع إن "الأشخاص السبعة الذين خطفوا، استجابوا حينها، وتم بالتالي إطلاق سراحهم بعد اتفاق على البنود المطلوبة منهم". وأوضح أن "الاستجابة كانت لدرء باب من الدم لن يستطيع أحد إغلاقه إذا فُتح" على حد تعبيره.

وبعد تلك الحادثة بأيام قليلة، تم اختطاف الشيخ سليمان أبو حراز، لمدة حوالى شهر ونصف الشهر. ولم يعرف أهالي سيناء ما الذي حل به، حتى فوجئوا بصوره مذبوحاً. ولم يتم تسليم جثمانه "خوفاً من عمل ضريح له" كما يقول أحد السكان. وفي ما يتعلق بتوقعات الناس، قال المصدر نفسه إنه "على الرغم من اليقين بقرب نهاية تنظيم ولاية سيناء، لكن بالطبع يوجد تخوف منه وطريقة حكمه على الناس وفرضه قوانينه بالقوة، لذلك لا يستبعد أن يكون قتل الشيخ جاء لترهيب الصوفيين".

العلاقة مع السلطة
في السابق تميزت العلاقة بين الحزب الوطني الحاكم المنحل في مصر والصوفيين بسيناء، بأنها كانت علاقة أشبه بحلف. وعملت السلطات المصرية على الاستفادة بالتحديد من مدينة الشيخ زويد التي تتمتع بوجود قوي للصوفيين. ووفقاً لبعضهم فإن الأجهزة الاستخباراتية اخترقت كامل المجتمع القبلي داخل الشيخ زويد، الأمر الذي دفع أوساط محلية إلى اتهام كثير من رموز القبائل بالتعامل مع الاستخبارات بشكل مطلق ضد قضايا أهل سيناء العامة، منذ أكثر من 60 عاماً. وقد شهدت الانتخابات العامة الأخيرة تأييداً واسعاً من الصوفيين لمرشحين كانوا ينتمون سابقاً إلى الحزب الوطني. وبحسب بعض أهالي سيناء فإن الاستخبارات المصرية أوعزت للصوفيين بانتخاب هؤلاء المرشحين.

من جهتها، قالت الناشطة من سيناء، مي عياد، إن الصوفيين في سيناء "مع الجيش المصري قلباً وقالباً"، وهو ما يضاف كسبب لعداء "ولاية سيناء" لهم. وأوضحت أن "الخوف من ولاية سيناء موجود عند الصوفيين، لكنه لم يمنع أن تبقى الزوايا (الصوفية) قائمة على ما هي عليه، لا سيما أن عدد الصوفيين ليس ضئيلاً في سيناء"، مشيرةً تحديداً إلى تكوين قبيلة السواركة التي تضم العدد الأكبر من المشايخ أصحاب الطرق الصوفية.