إيران و"اتفاق أنقرة": رسائل مباشرة وضمنية

إيران و"اتفاق أنقرة": رسائل مباشرة وضمنية

01 يناير 2017
لم تكن إيران بعيدة عن المفاوضات (فاتح أكتاس/الأناضول)
+ الخط -
لم تتأخر إيران، غداة الاتفاق الروسي التركي حول وقف إطلاق النار في سورية، عن محاولة إيصال موقفها من التحولات التي تشهدها سورية، سواء من خلال تصريحات تولاها مسؤولون سياسيون أو أخرى لمسؤولين عسكريين، من بينهم مسؤول العلاقات العامة في الحرس الثوري الإيراني رمضان شريف الذي بعث أمس السبت برسائل واضحة في ما يتعلق بالموقف الإيراني من مستقبل سورية ومن التعاون مع روسيا وحتى النظرة إلى الدور التركي في السياق.
في موازاة ذلك، كثّفت طهران من اتصالاتها مع حلفائها، وتحديداً في سورية، وهو ما ترجم بوصول وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمس إلى طهران، والتقى الرئيس الإيراني حسن روحاني فضلاً عن نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وأمين مجلس الأمن القومي الأعلى، علي شمخاني، المسؤول الأول عن التنسيق الثلاثي بين طهران وموسكو ودمشق.
كذلك كان لافتاً تزامن زيارة المعلم والوفد الذي يرافقه مع زيارة أخرى بدأها أمس رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إلى طهران. ووفقاً لمصادر متابعة، فإن "المعلم بحث ملف محادثات أستانة في كازاخستان، مع الطرف الإيراني. ما فُسّر بوجود تنسيق بين طهران ودمشق من جهة، وطهران وموسكو من جهة ثانية، وهو ما لا يتعارض والموقف الإيراني، حتى لو رجّحت التوقعات إبداء إيران تحفّظات معينة على مفاوضات كازاخستان نفسها، أو على بنود وقف إطلاق النار".
وجات تصريحات روحاني عقب لقاء المعلم لتعكس جزءاً من الموقف الإيراني، إذ اعتبر أنه "يجب الانتباه خلال مرحلة تطبيق قرار وقف إطلاق النار، كي لا تقوم بعض الأطراف باستغلاله وبدعم التنظيمات الإرهابية من جديد". كما اعتبر أن "إيران ستبقى إلى جانب الحكومة السورية ومحور المقاومة". وأكد "على استمرار التنسيق الإيراني السوري الروسي، والذي سيصب لصالح الشعب السوري".



مع العلم أن البعض اعتبر أن إيران غير راضية تماماً عن الاتفاق، لكن مصادر عدة في الداخل الإيراني، رسمية وغير رسمية، أكدت وجود تنسيق عالي المستوى بين طهران وموسكو تحديداً، على شاكلة مباحثات مكثفة استمرت لأيام قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار. مع العلم أن المباحثات مستمرة لدراسة ما ستحمله طاولة أستانة في كازاخستان، التي ستستقبل المحادثات بين النظام والمعارضة السورية في المستقبل القريب.

في هذا الصدد، أشارت مصادر مطلّعة في حديث لـ"العربي الجديد" إلى "وجود تنسيق إيراني روسي، على الرغم من عدم حضور طهران طاولة المباحثات بين موسكو وأنقرة، التي أسفرت عن الإعلان عن وقف إطلاق النار. مع العلم أن الأمور تتجه نحو المفاوضات حول الحل السياسي". وأضافت المصادر أن "هذا الأمر يردده المسؤولون الإيرانيون في تصريحاتهم، ويشيرون إلى أن بلادهم تحدثت عن هذه النقطة بالذات منذ البداية في سورية، وبات الجميع مقتنعين اليوم بأن ما يحدث هناك هو حرب على الإرهاب طاولت شرارته الجميع".

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية حسن هاني زاده، أن "روسيا فاوضت تركيا وغيرها من الأطراف نيابة عن إيران، كونها اللاعب الدولي الرئيسي المرتبط بأزمة سورية. وتُعدّ طهران قوة إقليمية لكنها كانت وستكون جزءاً من المعادلة". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أنقرة ضالعة ولديها القدرة على أداء دور مباشر ومؤثر على فصائل المعارضة".

إلا أنه توقع أن يكون وقف إطلاق النار هشاً، متهماً كلاً من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، غير المشمولتين بالاتفاق، بـ"الوقوف بوجه التوصل لحل". وكشف أن "الجانب الروسي أطلع الإيرانيين على حيثيات القرار، ولكنه إن لم يتحول لقرار دولي يطبق بإشراف أممي فلن تستمر الأمور بمنحى إيجابي".

أما بما يتعلق بمشاركة طهران في محادثات كازاخستان، وهو ما أكد صحته مسؤولون روس في وقت سابق، قال هاني زاده إن "هذا أمر طبيعي ولن تحتج طهران على المشاركة ولن تبدي اعتراضها، فهذا لا يتناسب والسياسة الإيرانية".



صورة التمثيل الإيراني في هذه المحادثات ليست محسومة حتى اللحظة، وقد ذكرت مصادر خاصة أن "مسؤولين عسكريين سيكونون متواجدين ضمن الوفد الإيراني، إما للمشاركة في ذات الاجتماع، أو لعقد اجتماع عسكري ثلاثي إيراني روسي تركي، على هامش اجتماع أستانة المرتقب. على غرار ما حدث في وقت سابق من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين اجتمع وزراء دفاع الدول الثلاثة في موسكو، الروسي سيرغي شويغو والإيراني حسين دهقان والتركي فكري إشك، بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية هذه البلدان، الروسي سيرغي لافروف والإيراني محمد دواد ظريف والتركي مولود جاويش أوغلو. حينها تمّ الإعلان عن تسوية مرتقبة تخصّ سورية، تشمل وقفاً لإطلاق النار، وعقد مفاوضات للتوصل لحل سياسي، وهو ما حصل لاحقاً".

وعلى الرغم من عدم تواجد طهران في الواجهة لأسباب عدة، غير أن البعض رجّح إبداء تحفّظات إيرانية قبيل اجتماع أستانة، منها ما يتعلق بالفصائل التي ستمثل المعارضة السورية، والتي تحسبها طهران "تنظيمات إرهابية"، فضلاً عن ضرورة استمرار الحرب على الإرهاب، وهو الملف المعقد الذي ترى طهران أن دائرته اتسعت وطاولت شرارته الكل، وهو ما سيجعل هذا الملف نقطة خلافية أخرى تحتاج لتوضيحات أكبر.

وبعد أن أبدى ظريف، خلال اتصال هاتفي مع لافروف ترحيبه بقرار وقف إطلاق النار، وهو الاتصال الذي جاء بعد ساعات من الإعلان عن القرار برعاية روسية تركية، عاد ونشر 16 صفحة على صفحته الرسمية على موقع "تويتر"، تحدث فيها عن آليات الحرب على الإرهاب، التي وصفها بـ"الضرورية"، بعد تطبيق وقف إطلاق النار في سورية. الذي وصفه كذلك بـ"الإنجاز الهام الذي يجب أن يصبّ لصالح مكافحة الإرهاب". وهو ما يعني موافقة إيران على ما يحدث في الوقت الراهن، لكنه لا يشير بالضرورة إلى أن الأمور ستجري بسلاسة مستقبلاً، وهو ما يتطلّب تنسيقاً من نوع آخر مع الجانب الروسي.

من جهته، رأى المحلل السياسي عماد ابشناس، أن "طهران ستشارك في محادثات كازاخستان حتى بوجود معارضة من قبل بعض الأطراف السورية"، لكنه أكد هو الآخر على "وجود تنسيق إيراني روسي مستمر، من دون أن ينفي وجود مخاوف إيرانية من الدور التركي، لا الروسي. فمن وجهة النظر الإيرانية، قد تبدي طهران بعض التحفظات على الدور التركي الذي سيكون ضامناً وراعياً لما سيترتب على فصائل المعارضة السورية".

وأشار إلى أن "مصير الرئيس السوري بشار الأسد وما إن كان سيبحث في محادثات كازاخستان أم لا، أمر غير واضح، وهذه نقطة ستصر طهران على ألا تبحث بين الدول الفاعلة، وستؤكد على ضرورة أن يتخذ السوريون هذا القرار بأنفسهم في مواقفها وتصريحاتها السياسية".

وبوجود هذه الرؤية التي تشكلها مؤشرات الداخل الإيراني، رأى البعض أن "إيران وإن لم تكن في واجهة الإعلان عن وقف إطلاق النار، لكنها ستكون الطرف الواصل بين روسيا الراعية والضامنة، وبين النظام السوري ومن يحسبون عليه على الأرض، كونها ستؤثر ميدانياً على وجود حزب الله وغيره ممن يقاتلون إلى جانب الجيش النظامي".

من ناحية ثانية، فإن الحديث عن الموقف الإيراني ومشاركة البلاد في الاجتماع السوري المرتقب، لا يعني فقط أن هذا الملف يخص الدائرة السياسية المتمثلة بالخارجية الإيرانية، فهناك جهة لا يمكن تجاهل تأثيرها والمتمثلة بالحرس الثوري الإيراني. وهو اللاعب الإيراني الفعلي على الأرض في سورية، لذا فإن التنسيق مع موسكو لن يكون سياسياً وحسب بل عسكرياً كذلك.