المعارضة السورية وهواجس مفاوضات أستانة: لا شراكة مع الأسد

المعارضة السورية وهواجس مفاوضات أستانة: لا شراكة مع الأسد

31 ديسمبر 2016
تظاهرات ضد نظام الأسد بالأتارب بمحافظة حلب أمس(بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -
صحيح أنّه لا يزال من المبكر الحديث عن خطة المعارضة السورية للمرحلة الثانية من اتفاق أنقرة، أي للمفاوضات السياسية المنتظرة في عاصمة كازاخستان، أستانة، إذا صمدت الهدنة لشهر كامل، بموجب بنود الاتفاق، إلا أن أطراف هذه المعارضة بدأت تعدّ العدّة للمرحلة السياسية الأصعب، رافضة بشكل مطلق ما سربته وكالة "رويترز" وقالت إنها خطة للإبقاء على الأسد قبل استبداله لاحقاً برئيس من طائفته نفسها، لتصبح سورية دولة تتألف من ثلاث فدراليات.

في غضون ذلك، أوضح سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، في مجلس الأمن، أمس الجمعة، أن "محادثات أستانة ليست منافسة" للمفاوضات التي تحضر المتحدة لعقدها في 8 فبراير/شباط المقبل.

في غضون ذلك، التقى رئيس الائتلاف الوطني أنس العبدة ومنسق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، لتصدر دعوة من الطرفين إلى "لجم أي محاولة من قبل نظام الأسد وإيران ومليشياتهما لتقويض الاتفاق"، بعدما سجلا أكثر من ٣٠ خرقاً خلال ١٢ ساعة، لاسيما في وادي بردى والغوطة الشرقية


وأعلن مكتب رئيس كازاخستان، نور سلطان نزارباييف، أمس الجمعة، أن الرئيس طلب من وزارة الخارجية التحضير لاستضافة هذه المحادثات قريباً، وذلك عقب مكالمة هاتفية أجراها نزارباييف مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين. وسبق ذلك إجراء بوتين محادثات هاتفية مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، تركزت حول سبل معالجة الأزمة في سورية في ضوء التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. واعتبر بوتين أن الاتفاقات حول التسوية في سورية، هشة، وتتطلب اهتماماً خاصاً وصبراً. ودعا كلاً من "الحكومة السورية والمعارضة المسلحة، وجميع الدول التي لها تأثير على الوضع، لدعم الاتفاقات التي تم التوصل إليها، والمشاركة في محادثات أستانة لتسوية الأزمة السورية"، طالباً من وزيري الخارجية والدفاع الروسيين التواصل مع المعنيين في تركيا وإيران وسورية للتوافق على الخطوات حول الاتفاقات السورية.

وأعلن الأسد في تصريحات لمحطة تلفزيونية إيطالية موافقة نظامه على حضور محادثات أستانة. وهو إذ رأى أن الحل يتطلب أن "يسامح الجميع الجميع"، عاد وناقض نفسه بالقول إن لا حل إلا بالقضاء على ما وصفه بالإرهاب في كل أنحاء البلاد. ووصف وزير خارجية النظام، وليد المعلم، اتفاق وقف النار بأنه يشكل "فرصة حقيقية لنصل إلى تسوية سياسية للأزمة في سورية تنهي سفك الدم وتؤسس لمستقبل البلاد"، لكنه أعرب عن شكوك نظامه بالدور التركي.


وكانت المعارضة السورية أعلنت بلسان أكثر من متحدث باسمها عن ترحيبها بمفاوضات أستانة واستعدادها للمشاركة فيها، وإن كانت الهيئة العليا للمفاوضات قالت إنها لم تتلق دعوة لحضورها، وذلك وسط تسريبات بأن روسيا لا تحبذ دعوة الهيئة أو الائتلاف المعارض بصفتهما الاعتبارية، وأنها قد تدعو شخصيات منهما بصفتهم الشخصية. ورأى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض، يحيى مكتبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أي "محاولة لإعادة تأهيل نظام الأسد وباقي رموز حكمه هي تأهيل لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتأهيل للتطرف والإرهاب"، مؤكداً أن التخلّص من الأسد "يتعلّق بالأمن والاستقرار الدوليين ولا يمكن محاربة داعش حتى النهاية إلا من خلال التخلص من الأسد، لذلك لن نرضى ببقائه في السلطة".

وحول ما ذكرته تقارير صحافية بشأن تقاسم النفوذ في سورية بين الدول الثلاث الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، قال مكتبي إن "كل القرارات والبيانات والتصريحات الدولية بما فيها قرارات الاجتماع الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران، أكدت على وحدة الأراضي السورية ووحدة شعبها ولم يتم ذكر أي حديث عن تقسيم سورية أو جعلها نفوذاً بأيدي دول أخرى، لأن ذلك يعني مزيداً من الفوضى والحروب ضمن المجتمع السوري، لكن نحن مع اللامركزية الإدارية وضمان مبدأ المواطنة لكل السوريين على قدم المساواة في الواجبات والحقوق ضمن سيادة القانون". وعن مطالب المعارضة من مؤتمر أستانة، قال: "نريد أن يكون هناك انتقال سياسي حقيقي للسلطة، والتخلّص من الديكتاتورية والاستبداد، فمن الصعب الاشتراك مع بشار الأسد في حكومة واحدة، والحصول على بعض الحقائب الوزارية وبعض المقاعد في مجلس الشعب لإنهاء الثورة، لأن هذه العروض التي كان النظام يقدّمها لا ترقى نهائياً إلى مستوى تضحيات الشعب السوري بعدما قُتل واعتُقل وهُجر عدد كبير من السوريين، لذلك فإن الحل السياسي في سورية بصيغته الحالية هو حل مشوّه ولا يُمكن أن نقبل به، ولا يمكن للشعب السوري أن يقبل به أيضاً".

وأضاف مكتبي أن لدى المعارضة "مرونة في التفاعل مع كل ما من شأنه أن يؤدّي لنهاية القتل وينهي تفكّك المجتمع السوري"، مبيناً أن "هناك شكلين مطروحين للحكومة المقبلة، فإما أن تكون حكومة وحدة وطنية أو حكومة انتقالية، لكن قضية تحديد شكل الحكومة ترتبط بصلاحياتها أكثر من مُسمّاها، فمن الممكن أن تكون هناك حكومة انتقالية بصلاحيات محدودة، ومن الممكن أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية بصلاحيات مطلقة للمعارضة، فالصلاحيات هي من تحدّد وليس الاسم"، بحسب تأكيده.

وفي ما يتعلق بالثوابت الأساسية للمعارضة في المفاوضات المقبلة، قال مكتبي: "مبادئنا الأساسية في المفاوضات ثابتة، وهي أولاً أن تكون مرجعية المفاوضات الرئيسية بيان جنيف واحد، وقرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي ينص على أن العملية الانتقالية في سورية تكون بتشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات واسعة بما فيها الأمن والجيش، على ألّا يكون لنظام الأسد أي دور في هذه المرحلة" بحسب قوله. وأضاف أن "المبدأ الثاني هو الحرص على وحدة أراضي سورية ووحدة شعبها ضمن إطار وطني جامع يضمن حقوق جميع السوريين على قاعدة المواطنة ومبدأ المساواة في الحقوق والواجبات". وتابع أن المبدأ الثالث يتعلق بتأكيد موقف المعارضة "ضد كل أشكال التطرف والإرهاب بما فيهم تنظيم داعش وجبهة فتح الشام ومليشيات حزب الله وأبو الفضل العباس وحركة النجباء وغيرها من المليشيات العراقية واللبنانية والإيرانية والأفغانية". وأشار أخيراً إلى أن "لدى المعارضة قدرا كافيا من المناورة خلال المفاوضات بما يخدم مصلحة الشعب السوري".

واعتبر عضو الائتلاف السوري، فايز سارة، أن التوافقات الروسية التركية الإيرانية حول سورية تحمل أسئلة كثيرة حول العلاقات بين هذه الدول نفسها، وعلاقاتها بالمحيط الإقليمي والدولي، الأمر الذي يجعل توافق الأطراف الثلاثة على مؤتمر أستانة، وكأنه توافق في الهواء، وليس توافقاً على الأرض، حسب تعبيره. وأوضح في حديث لـ"العربي الحديد" أن لكل من هذه الدول استراتيجية وأهدافا مختلفة في القضية السورية، وأحياناً متعارضة لا سيما في ما يتعلق بالموقف من النظام ورأسه بشار الأسد، والموقف من حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية والأفغانية، التي تشكل قوة إيرانية خاصة في سورية ولا يمكنها المساومة على مسألة شرعية واستمرار وجودها كقوة ضامنة لبقاء النظام ورئيسه تحت نفوذها. وتابع أنه في المقابل لا تؤيد روسيا ذلك، وتتطلع إلى وقت يخرج فيه هؤلاء (المليشيات الموالية لطهران)، ليس لمعارضتها توجهاتهم الأيديولوجية وحسب، بل لأن استمرار وجودهم يمثل خللاً في استراتيجية سيطرة الروس على سورية.

وأشار سارة إلى أن السعودية وقطر، وهما فاعلان كبيران في القضية السورية، لا يمكن أن يقبلا باستبعادهما من المعادلة، لا سيما أن لهما من القدرات والطاقات والصلات، ما يمكن أن يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق في سورية. كما أن الولايات المتحدة ودول أوروبا، وعلى الرغم من أن سياستها تظهر عزوفاً عن الانغماس في الصراع السوري وحوله، من الصعب قبولها التهميش والإقصاء عن الحل ومستقبل النظام في سورية.

أما العضو السابق في مجلس الشعب السوري، الشيخ محمد حبش، فقد رأى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن اتفاق وقف إطلاق النار رسم تقريباً خرائط النفوذ في سورية، معتبراً أن التصريحات الصادرة عن أقطاب الحلف الراعي للاتفاق ولمفاوضات أستانة بشأن وحدة الأراضي السورية، هي تصريحات استهلاكية، إذ هناك مصالح حقيقية للروس في تأمين منصة على البحر المتوسط تكون منطقة نفوذ منفرد لهم، وهم موجودون بالفعل عسكرياً في حميميم ويديرون منطقة نفوذهم بشكل صارم. وأضاف أن "المشروع التركي على الحدود الشمالية متصل بالأمن القومي التركي وإجماع الأحزاب التركية على منع قيام كيان كردي على الحدود الجنوبية، في حين يمارس الإيرانيون النفوذ العسكري والديني في سورية، وهم يفضلون التأثير في النظام واختيار أماكن تموضعهم في الجغرافيا التي تناسبهم دون أن يكون لهم حكم إداري مباشر على الأقاليم التي يسيطرون عليها، لكنهم سيطوقون لبنان امتداداً لنفوذهم في سورية والعراق"، بحسب قوله.

ورأى حبش أن النظام السوري "سيكون نصيبه من هذا التقسيم نصيب الأيتام على مأدبة اللئام، وسيكتفي بالحكم الإداري والسلطات العسكرية ولكنها ستكون مطوقة بالخطوط الحمراء في كل اتجاه". وختم بالقول إن "هذه المسيرة التفاوضية سينتج عنها على الأغلب فدرالية طائفية وقومية ولكنها ستظل ترفع شعارات الجغرافيا تحت عناوين هشة تنتمي لسورية التي لا يبقى منها في صراع النفوذ إلا الاسم والنشيد"، بحسب وصفه.