مؤتمر باريس للسلام بين الرهانات الفلسطينية ومحدودية الدور الفرنسي

مؤتمر باريس للسلام بين الرهانات الفلسطينية ومحدودية الدور الفرنسي

29 ديسمبر 2016
القيادة الفلسطينية على تواصل دائم مع الفرنسيين (Getty)
+ الخط -
تعوّل القيادة الفلسطينية بشكل كبير على مؤتمر باريس الدولي الذي من المرتقب عقده منتصف شهر يناير/كانون الثاني المقبل، لاستكمال جهود دبلوماسية بدأت قبل أعوام وكللت قبل أيام بالقرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن، والذي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. 
وعلى الرغم من أن الفلسطينيين لن يشاركوا في مؤتمر باريس، إلا أنهم يراهنون، رسمياً، على أنه سيحقق إلى حد بعيد مطالبهم استناداً إلى نقطتين: أولاً مشاركة الإدارة الأميركية في المؤتمر، وهي التي وعدت بتقديم "مكسب" للفلسطينيين قبل مغادرة الرئيس، باراك أوباما، البيت الأبيض؛ ثانياً، استثمار زخم قرار مجلس الأمن لتحويل المبادرة الفرنسية إلى أوروبية.

لكن الأوساط السياسية الفلسطينية تتخوف من مضمون المشاركة الأميركية، التي تبدو في الظاهر، أنها تأتي من باب الضغط على رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعدما أفشل كل الجهود والتعهدات الأميركية السابقة بتجميد الاستيطان، ما أدى إلى انهيار المفاوضات عام 2014. ويدرك الفلسطينيون أن الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، لن تصبح صديقة لهم.

يقول مسؤول فلسطيني، طلب عدم كشف اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المخاوف الحقيقية من المشاركة الأميركية تتمثل في أن يقوم المؤتمر بتبني "اتفاق الإطار" الذي طرحه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عام 2014. وأبرز نقاط "اتفاق الإطار" تقوم على اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل، ومنع حق العودة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وتبادل أراضٍ، وتفاهم حول الكتل الاستيطانية الكبيرة، وبقاء الاحتلال الإسرائيلي في غور الأردن لنحو 20 عاماً، مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود 1967 من قبل إسرائيل، وعاصمتها القدس الشرقية.

لكن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد المجدلاني، ينفي  في حديث مع "العربي الجديد" أن يكون "اتفاق الإطار" الذي اقترحه كيري، هو الإطار الذي سيطرحه الفلسطينيون. وقال "نحن اتفقنا مع الفرنسيين حول ما هو الإطار والمرجعية التي تتمثل في قرارات الشرعية الدولية، والمبادرة العربية للسلام (عام 2002)، وخطة خارطة الطريق الأميركية (عام 2003)".
من جهته، يؤكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، المفاوض السابق، محمد أشتية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القيادة الفلسطينية لا تعلم ماذا سيطرحه كيري في مؤتمر باريس المرتقب، لكن من الواضح أن الإدارة الأميركية، قبل أن تغادر، تنوي وضع أفكار للحل، بحسب أشتية. ويتابع أن "الأميركيين يريدون اختتام فترة إدارتهم ببعض الأفكار السياسية هنا وهناك، ولكنهم لم يتشاوروا مع (القيادة الفلسطينية) بهذا الموضوع"، وفق تأكيده.


ويلخص أشتية الموقف الرسمي الفلسطيني تجاه مؤتمر باريس الدولي قائلاً: "نرى أن قرار مجلس الأمن رقم 2334 هو عملياً من أهم المرجعيات لمؤتمر باريس، لأن القرار يعالج ثلاث قضايا مفصلية، هي: موضوع حدود 1967، وموضوع مدينة القدس كجزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وموضوع الأراضي الفلسطينية بوصفها أراضي محتلة وتنطبق عليها اتفاقيات جنيف الرابعة الصادرة عام 1949 (حول حماية المدنيين في وقت الحرب) والقانون الدولي الذي يمنع احتلال أراضي الغير بالقوة". ويشدد على أن الفلسطينيين سيطالبون الفرنسيين "بأن يكون هناك إطار زمني لإنهاء الاحتلال، وتبني مرجعيات متعلقة بإنهائه، والثوابت الوطنية الفلسطينية وأبرزها مرجعيات قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي المتعلقة بفلسطين، وخارطة الطريق، ومبادرة السلام العربية"، مشيراً إلى أن كل ما ذكر سيكون، بالنسبة للفلسطينيين، "مرجعية أي عملية تفاوضية مستقبلية أو حل".

وبالفعل، تم تبليغ الفرنسيين بالرؤية الفلسطينية للحل، عبر أكثر من مستوى سياسي فلسطيني، لا سيما من قبل الرئيس محمود عباس. لكن المسؤولين الفلسطينيين لم يؤكدوا ما إذا كان قد تم تسليم باريس الرؤية الفلسطينية بشكل مكتوب أم شفهي. ويدرك الفلسطينيون جيداً أن المشاركة الأميركية في المؤتمر المقبل سيكون لها ثمنها. ويتوقعون ألا تأتي هذه المشاركة من باب توريط إدارة أوباما للإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، وحسب، بل أيضاً من أجل رسم شكل الخريطة السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين للسنوات العشر المقبلة، كما كان الأمر مع خارطة الطريق (التي طرحت عام 2003)، قبل أن تسقط بفعل التعنت وسياسة فرض الأمر الواقع من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتصبح مجرد مرجعية.

أما فرنسا، بوصفها الراعية الرئيسية للمؤتمر، فهي تعطي إشارات كثيرة بأنها لن تكون الجهة القادرة على فرض أي رؤية يتوصل إليها مؤتمر باريس. وتلمح أن عملها، كما يقول دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد"، يهدف إلى جعل طرفي الصراع "يرون أن هناك نوافذ للسلام"، لكنه يقول: "نحن لسنا في وضع نستطيع فيه أن نعاقب أحدا"، في إشارة إلى إسرائيل. ويعتبر الدبلوماسي نفسه أن "المبادرة تسعى لإعطاء زخم لحل الدولتين على أساس 1967، وأن هذا الحل لا يزال قابلاً للتحقيق ويجب التمسك به"، مضيفاً أنه "سيكون مهماً أن تتبنى الإدارة الأميركية هذه الرسالة وتعمل على إنجازها على أرض الواقع من خلال مشاركتها في المؤتمر". وحول الاعتراف بدولة فلسطين، لا يعتقد الدبلوماسي الفرنسي "أن هذا الاعتراف سيغير الوضع على الأرض"، بحسب تعبيره.

يبدو واضحاً إذاً، أن الفرنسيين بدأوا يخفضون، بالتدريج، سقفهم وأهدافهم السياسية من مؤتمر باريس المرتقب في يناير المقبل. وكانت فرنسا أعلنت أنها ستعترف بدولة فلسطينية في حال أفشلت إسرائيل مؤتمرها الدولي، لكنها تراجعت عن هذا الموقف، ثم بدأ المسؤولون الفرنسيون يصرون في كل اجتماعاتهم ولقاءاتهم مع السياسيين والصحافيين الفلسطينيين على التركيز بأن دورهم يتمحور حول المحاورة التالية: توفير أجواء للمفاوضات بين الطرفين؛ دعم المؤسسات غير الحكومية الفلسطينية؛ دعم الاقتصاد الفلسطيني؛ تنشيط المؤسسات التي تُعنى بالتواصل وتطبيع العلاقات بين المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي. لكن جميع ما ذكر تم تجريبه واختباره في السنوات العشرين الماضية وأثبت عدم جدواه، لأنه لم يفرض على دولة الاحتلال أي تراجع أو تنازل فعلي لمصلحة الفلسطينيين.

والعامل الآخر الذي يشير إلى انخفاض السقف الفرنسي، يتمثل في الامتناع عن دعوة الفلسطينيين لحضور المؤتمر الدولي، بعد رفض إسرائيل المشاركة فيه. وفي هذا السياق، يعلق أشتية قائلاً: "نعلم أن فرنسا لن تدعونا للمؤتمر، لأن نتنياهو لن يحضر وهذا ليس ذنبنا، ولكن سيتم إبلاغنا بنتائج المؤتمر، على الرغم من أننا نفضل أن نكون موجودين، ولا أعرف سبب الربط، ربما حتى يظهر الفرنسيون أنهم متوازنون، والتوازن بين الظالم والمظلوم شيء لا نفهمه"، بحسب تعبيره.

وتمثل مخرجات مؤتمر باريس المرتقب، معضلة من نوع آخر. ويقول دبلوماسي فلسطيني طلب عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "مخرجات المؤتمر الدولي إذا كانت بالطريقة التي نراها صحيحة، بمعنى قائمة على الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، يجب بالتالي تشريعها من قبل الأمم المتحدة عبر بيان أو قرار، لكن الخوف أن يتم إملاؤها على الفلسطينيين، عبر قيام المؤتمر نفسه بالذهاب إلى مجلس الأمن بغية تشريعها"، من دون أن تكون مراعية للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

وفي السياق، يؤكد أشتية أن القيادة الفلسطينية "على تواصل يومي مع الفرنسيين، لتتفق معهم حول المخرجات"، لكنه في ما يتعلق بمعرفة ما إذا كان المجتمعون سيكتفون بصدور بيان عن المؤتمر أم سيطرحون المخرجات على مجلس الأمن، يؤكد أن الفلسطينيين لا يعلمون ذلك، وأن "هذا الأمر متروك للمؤتمر"، بحسب قوله. لكنه يلفت إلى أنه "يمكن لفرنسا أن تجعل من المبادرة الفرنسية مبادرة أوروبية تتبناها بروكسل من أجل الاستمرار في ذات النهج، وبناء عليه تصبح المبادرة الفرنسية مبادرة أوروبية، ويتم إشراك روسيا والولايات المتحدة فيها، وتصبح مبادرة دولية"، معتبراً أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تفادي أي تغيير مع وصول إدارة فرنسية جديدة بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في مايو/أيار المقبل.