فابريتسيو كاربوني لـ"العربي الجديد": التفاعل مع الأزمات الإنسانية سياسي

فابريتسيو كاربوني لـ"العربي الجديد": التفاعل مع الأزمات الإنسانية سياسي

27 ديسمبر 2016
نتعاطى مع لبنان على أنه خارج الخطر المحدق(العربي الجديد)
+ الخط -
يتحدث ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان، فابريتسيو كاربوني، في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن عمل اللجنة في سورية ولبنان، في ظل الصراع السوري المستمر وانعكاساته، وخصوصاً أزمة اللاجئين. إلى نص المقابلة:

كيف تنسقون عملياتكم في سورية، وما هي أبرز المصاعب؟
يُشكّل لبنان قاعدة دعم لوجستي لفرقنا العاملة داخل سورية، ونقوم بشراء المعدات والمؤن من السوق اللبناني ونقلها إلى سورية للاستفادة منها. ويمكننا بسهولة مضاعفة حجم عملياتنا هناك لتغطية عدد أكبر من المحتاجين، ولكن المعوّقات الأمنية واللوجستية عديدة، خصوصاً مع تعدد الجهات والأطراف التي ننسق معها، وهو أمر يستغرق الكثير من الوقت والجهد. وفي المناطق القريبة من الحدود اللبنانية، نتواصل بشكل رئيسي مع السلطات السورية.

وقد فرض ثقل الأزمة الإنسانية في سورية خيارات صعبة على الجميع، منها عمليات المغادرة الجماعية للمناطق التي انعدم فيها الأمن. وهو خيار واقعي وشخصي في الوقت عينه. وحتى تحقيق حالة سلام في سورية، سنواصل توثيق الانتهاكات التي تحصل ونتشارك معلوماتها وتفاصيلها مع الأطراف المعنية، كما سنواصل الدعوة لاحترام القواعد الإنسانية في الحروب.
ويُشكّل ملف اللبنانيين الذين كانوا يقيمون في سورية وعادوا إلى بلدهم أحد أوجه الترابط المباشر بين عملياتنا الإنسانية في البلدين، وهو ملف مهم وحيوي، لأن اللبنانيين الذين كانوا يقيمون في سورية هم أقرب إلى كونهم لاجئين من كونهم مواطنين عائدين إلى بلدهم. وقد ساعدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر 69 عائلة لبنانية عائدة من سورية من خلال برامج "سبل العيش" عام 2016. ويضاف هذا العدد إلى 106 عائلات لبنانية نستمر بمساعدتها من خلال هذا البرنامج منذ عام 2015 حتى اليوم. وسبق أن قدّمنا مساعدات نقدية لـ912 عائلة لبنانية بين عامي 2014 و2015 لمدة ستة أشهر بمبلغ يراوح بين 150 و250 دولاراً أميركياً شهرياً.

كيف تحددون أولويات عملكم في لبنان؟
نتعاطى مع لبنان على أنه خارج دائرة الخطر المحدق أو الداهم، ولكننا نعلم أن الوضع ليس مستتباً بشكل كامل بسبب تطور الأحداث في المنطقة. والعامل الثاني المهم بالنسبة لعملنا إلى جانب الشق الأمني، هو الجزء السياسي. ونحن نعتقد أن الاستجابة والتفاعل مع الأزمات الإنسانية لا يمكن إلا أن يكونا سياسيين بسبب أبعاد أزمة اللجوء الإنسانية التي تترك آثاراً سياسية كبيرة على سورية وعلى الدول المستضيفة للاجئين. وقد شكّلت إعادة تفعيل المؤسسات الدستورية في لبنان مؤشراً إيجابياً، في ظل التأثر القطاعي والجغرافي الواسع للبنان بسبب أزمة اللجوء. ونحن نركز في استجابتنا على تقديم خدمات عامة رخيصة وفعالة للحد من الخلافات الاجتماعية التي قد تنشأ بين اللاجئين السوريين والفلسطينيين واللبنانيين.


ما هي أبرز مشاريعكم في لبنان؟

نعمل على عدة مشاريع في لبنان، في قطاعات الصحة، والسجون، وفي المناطق: في القطاع الصحي، نعمل على ثلاثة مستويات: تقديم الدعم الصحي المباشر، ونقل خبراتنا الدولية إلى الفرق الصحية المحلية، كما نعمل في مجال البحوث والتطوير. لدينا مستشفى في مدينة طرابلس الشمالية لمعالجة كافة المصابين بالأسلحة، ونجري عمليات ترميم وتأهيل فيزيائي ودعم نفسي ومادي لجرحى بهدف تمكينهم. ولا بد من الإشارة إلى مستوى الكوادر الطبية الجيد في لبنان، والذي نأمل أن تتحول معه البلد إلى محور أساسي لعمليات التدريب الطبي التي نجريها لأطباء من بلدان المنطقة. ومن أبرز المشاكل التي نواجهها هي عدم القدرة على وصول الجرحى بشكل سريع إلى مراكزنا، وهو ما يحتم علينا التعامل مع جراحات ميدانية أُجريت لهم على عجل، وغالباً ما تكون نتائجها سيئة.
واليوم نعمل على نقل كافة هذه الخدمات إلى العاصمة بيروت، التي نتعاون فيها حالياً مع قسم الطوارئ في مستشفى رفيق الحريري الجامعي لتقديم الخدمات الطبية للاجئين واللبنانيين. كما نسعى ليشمل التعاون مختلف الأقسام الطبية في المستشفى، وليس قسم الطوارئ فقط. كما نُعد لتقديم شهادة دبلوم طبية للكوادر التي نؤهلها بالتعاون مع الجامعة اللبنانية. وتشكل الصحة النفسية إحدى نقاط التركيز لدينا، نتيجة التحدي الحضاري الذي نواجهه مع عدم اعتياد اللبنانيين والسوريين على تلقي هذا النوع من العلاج على الرغم من الصدمات الهائلة التي يتعرضون لها.
وإلى هذين المركزين، نقدّم المساعدات الطبية إلى المستوصفات المحلية، ونتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني، بشكل مثمر وكبير. والمميز في عمل الصليب الأحمر اللبناني هو إقبال فئة الشباب على التطوع للعمل في المراكز. كما نقدّم برامج تدريب لأفواج الجيش اللبناني العاملة على الإسعاف الأولي الميداني، وهو برنامج حيوي يمكن أن ينقذ حياة الجنود على الخطوط الأمامية.

وبالنسبة للعمل في السجون اللبنانية؟
يشكّل هذا الأمر في العادة تحدياً بين تطلّعات الحقوقيين والواقع السياسي، ولكن في لبنان يُدرك السياسيون تماماً أسباب مشكلة اكتظاظ السجون وسبل معالجتها. والأمر بسيط فعلاً: على السلطات اعتقال عدد أقل، وإطلاق عدد أكبر، وبناء سجون جديدة، وتدشين جهاز مستقل لإدارة السجون. ولا يمكن القيام بهذه الخطوات من دون تسريع المسارات القانونية للمحاكمات التي تستغرق وقتاً طويلاً. وقد ساهمنا في تأهيل ستة سجون صغيرة في المناطق، وتدريب عناصر الأمن في السجون.
أما بخصوص عملنا في المناطق، فيُشكّل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، جنوبي لبنان، نقطة عمل مهمة لدينا. وبسبب الضغط الأمني والاقتصادي والاجتماعي داخل المخيم، فإننا لا نوفر أي جهد أو أموال في محاولة تحسين الواقع الحياتي. وقد أنهينا أخيراً المرحلة الجغرافية الأولى من مشروع البنى التحتية الكهربائية في المخيم، وهو برنامج مستمر لإيجاد البنى التحتية الأساسية غير الموجودة أصلاً في المخيم.
وفي الشمال اللبناني، تدخّلنا سريعاً لتقديم الدعم اللازم لمناطق الاشتباكات السابقة بين جبل محسن وباب التبانة (في مدينة طرابلس)، ولا بد من الإشارة إلى حاجة المنطقة لخطة تنموية رسمية تُحسن من ظروف عيش المواطنين هناك.

ماذا عن ملف مفقودي الحرب الأهلية؟
كان هذا الملف الذي يطاول 5 آلاف عائلة في لبنان، من أكثر الملفات تأثراً بتعطل المؤسسات الدستورية في لبنان خلال المرحلة السابقة. وبعد أن بادرنا لجمع عينات الحمض النووي وإجراء مقابلات مع أهالي المخطوفين لجمع المعلومات عنهم، لا زال الملف بحاجة لتحرك رسمي، تشريعي، من خلال إقرار مشروع قانون مفقودي الحرب، وتشكيل الحكومة للجنة المتابعة التي ستكشف مصير المفقودين. وفي إطار التقديمات الشاملة، قمنا بتدريب عناصر جنائيين لبنانيين على تقنيات العمل في هذه الحالات. كما قدّمنا بعض الدعم النفسي لأسر العسكريين المخطوفين لدى تنظيمي "الدولة الإسلامية" و"فتح الشام".