المرشح إمانويل ماكرون...واثق الخطوة يمشي وحيداً في المقدمة!

المرشح إمانويل ماكرون...واثق الخطوة يمشي وحيداً في المقدمة!

24 ديسمبر 2016
ماكرون اختير رجل السنة السياسي هذا العام (Getty)
+ الخط -

لا يتوقف وزير الاقتصاد والصناعة السابق، والمرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون من مراكمة المفاجآت في المشهد السياسي الفرنسي، من مفاجأة "خيانة" رئيسه فرانسوا هولاند، إلى مفاجأة تجميع نحو 15 ألف شخص في لقاء جماهيري في باريس، إلى مفاجأة اختياره رجل السنة السياسي في فرنسا (48 في المائة)، حسب استطلاع للرأي أجرته قناة" بي إي إم تي" في الإخبارية، وأُعلِن عنه الأربعاء الماضي، متفوقاً على المرشح فرانسوا فيون (44 في المائة)، الذي سحق كل منافسيه وأصبح مُرشَّحا لليمين والوسط.

وسحق ماكرون في هذا الاستطلاع كلَّ مرشحي اليسار، ولم يحقق مانويل فالس، سوى 10 في المائة، وحتى لدى ناخبي اليسار، يقف ماكرون بعيداً في المقدمة، بنسبة 55 في المائة، عن أقرب منافسيه اليساريين، مانويل فالس (38 في المائة)، وفرانسوا فيون (37 في المائة).

أما ناخبو اليمين، فعلى الرغم من أنهم منحوا المرتبة الأولى لفرانسوا فيون (67 في المائة)، إلا أن ماكرون يأتي ثانياً (بنسبة 61 في المائة).

ولا يعرف ماكرون، الذي "يمضي قدماً" في حملته، وهو شعار حركته السياسية، الصدّ إلا من قبل ناخبي "الجبهة الوطنية"، الذين منحوا الصدارة لمارين لوبين (81 في المائة)، أمام فرانسوا فيون (36 في المائة)، وماريون ماريشال-لوبين (33 في المائة).

وليس من نافل القول التذكير، أن أخطاء خصوم ماكرون كثيرة، تساهم في تصاعد شعبية هذا الرجل، الذي يغري خطابه في واقع سياسي واجتماعي فرنسي، سئم فيه المواطن الفرنسي من ترهّل النخبة السياسية، يمينها ويسارها، وفسادها.

يأتي ماكرون بخطاب يُشهر فيه كلمته السحرية: "معسكر التقدم"، وهو ما يعني عنده، أن يكون المرء من اليسار أو من اليمين، لا قيمة له، بل المهم هو أن يكون "مع التقدم"، بكل ما له من علاقة وقرب مع المسائل الرقمية والابتكار.

 وليس سرّاً أن فرانسوا هولاند، الاجتماعي الديمقراطي، حاوَل من دون نجاح قبل سنوات، تغيير اسم الحزب الاشتراكي، إلى حزب التقدم، لكن الأغلبية رفضت.

يرتفع سهم ماكرون، لأن فيون، مرشح اليمين، رغم فوزه الجارف على خصومه، فقد البريق بعد أن اكتشف الفرنسيون بعض قسوة بنود برنامجه، كالبند المتعلق بالتخلص من نصف مليون وظيفة في القطاع العمومي، وأيضا ذلك المتعلق بالضمان الاجتماعي، حيث يَعِدُ فيه المرشح فيون المواطنين، بشكل لا لبس فيه، بموت هذا الضمان الاجتماعي الفرنسي، الذي يثير إعجابا في العالم.

 وينصّ مقترحه، الذي أغضب غالبية الفرنسيين، على أن "الضمان الاجتماعي لن يركز سوى على الأمراض الخطيرة والمزمنة، في حين أن الباقي سيقع بين أيدي تعاضديات مالية وتأمينات خاصة".

  وبعد أن انتهى فيون من الصراع الداخلي، وجد نفسه في بداية حملة انتخابية لا تثير اهتمام كثيرين، وأكثر تعقيدا مما كان ينتظره. وفي ظل هذه الأجواء، تبقى استطلاعات الرأي، على علاتها، المقياس الوحيد لمعرفة شعبية المرشح، وهنا أعلن استطلاع أجرته مؤسسة إيفوب، يوم 18 ديسمبر/كانون الأول، أن 28 في المائة، من الذين جرى استجوابهم، يأملون في فرانسوا فيون رئيسا للجمهورية الفرنسية.

 أما حال اليسار في مواجهة إيمانويل ماكرون، فليس بأحسن حالا من فرانسوا فيون. فرئيس الحزب الاشتراكي جان-كريستوف كامباديليس، لا يزال متخوفا من مقاطعة جمهور اليسار للانتخابات الفرعية، ويعترف بأنه "إذا كان عدد الناخبين أقل من مليون ونصف، فإن دينامية مواجهة ماكرون وميلونشون لن تنجح".

ولا يبدو أن ماكرون لحد الآن، يتخوف من مرشح جديّ، يخرج من معطف اليسار، فعلى الرغم من أن ميلونشون أصبح نجما في اليوتيوب ومُدلَّلا في الإنترنت، بفضل ما يزيد عن 125 ألف مشترك، إلا أنه لا يشكل منافسة كبيرة لماكرون، بسبب اقترابه من سقف 13 في المائة الذي حققه من قبل، ويصعب تجاوزه، بسبب كثرة مرشحي اليسار المتعدد، وبسبب الحالة الصعبة التي يعيشها الحزب الشيوعي، الذي دعت قاعدته للتصويت على جان لوك ميلونشون.

أما مرشَّحو الحزب الاشتراكي والراديكالي اليساري، فسيتكفلون بتكسير بعضهم البعض، في حملة قاسية بدأت ملامحها تتضح وتهدّد بناء الحزب الاشتراكي ذاته، وستنتهي حتما، بإظهار الهنات والعيوب التي يمكن أن يستخدمها ماكرون ومرشحون آخرون، لاحقاً.

لا تزال الانتخابات بعيدة نسبيا، ولا توجد أشياء ثابتة، كل شيء يمكن أن يتغير، كما التحالفات، وكما زلاّت اللسان، أيضا. ولكن الفسحة التي يتمتع بها ماكرون، لا يتمتع بها منافسوه الآخرون، ففرانسوا فيون يستطيع أن يُغري بعض أصوات اليمين المتطرف، لكنه بالمقابل، يمكن أن يخسر الوَسط  والناخب الكاثوليكي، كما أن الجبهة الوطنية تستطيع أن تفعل كذلك، كما أن المرشح الاشتراكي، وعلى افتراض أن يكون هو مانويل فالس أو فانسان بيون، يمكن أن يغري بعض ناخبي الوسط، ولكنه، حينها، سيخسر أصوات اليسار.

إلا ماكرون، المدافع عن فكرة "التقدم"، فناخبوه يتوزعون بين اليسار واليمين، كما أن مساعديه قادمون من كل الاتجاهات السياسية، حيث يتعايش زعماء من الحزب الديمقراطي المستقل، اتجاه وسط، مع عمدة ليون القوي، الاشتراكي جيرارد كولومب وبعض مقربي هولاند السابقين، وحتى سيغولين روايال، شريكة فرانسوا هولاند السابقة وأم أولاده، لا تستبعد اللحاق بإيمانويل ماكرون في طيرانه، وهي تحيّي جهوده "في إعادة تحديد المستقبل، في عالَم يتغير، وفي عالَم ديناميّ."، مضيفة أنه "يحمل معه الهواء إلى الحياة السياسية".

من سيستطيع وقف دينامية إيمانويل ماكرون؟ الأمرُ يحتاج، فعلا، إلى جهد جهيد من منافسيه، أي يحتاج الأمرُ إلى مفاجأة أخرى.